الحرب تعبث بالمواسم والمزارعون صامدون
بخلاف آثار بعلبك التي تعالت الأصوات من أجل حمايتها وضمان سلامتها من الإجرام الإسرائيليّ وهذا أقل واجب، بقي السهل ومزارعوه متروكين لقدرهم وللغارات الإسرائيليّة الوحشية التي نهبت المواسم وشرّعتها على اليباس والتلف. وكذلك على المجهول والضياع، خصوصًا أنّنا على أبواب زراعة الموسم الشتويّ، الذي يعيش منه المزارعون ويرفد الأسواق المحلّيّة بالخضروات والحشائش على أنواعها، وهذا يطرح سؤالًا آخر حول الأمن الغذائيّ، وإذا كان في خطر مع خروج عدد كبير من السهول الزراعيّة في لبنان من دائرة الإنتاج بسبب الحرب الدائرة هنا وهناك.
ليس الموسم الشتويّ الذي آن أوان زراعته يقع في خانة الضياع والخسران فحسب، بل كذلك الموسم السابق الذي تزامن نضوجه وقطافه مع توسّع دائرة الحرب ونزوح المزارعين وعائلاتهم إلى مناطق أكثر أمنًا، تاركين مزروعاتهم عرضة للتلف، بسبب انقطاع العناية بها من ريّ ورشّ، وأيضًا بسبب نزوح اليد العاملة السوريّة التي تشكّل العمود الفقريّ للقطاع الزراعيّ في لبنان. مع الإشارة إلى أنّ من استطاع الوصول إلى مزروعاته وقطافها واجه مشكلة أخرى هي انعدام الأسواق ووسائل النقل، فاضطرّ إلى تصريفها بقاعًا أو حتّى توزيعها على النازحين في ظلّ عدم القدرة على نقلها إلى أسواق بيروت.
مواسم ضاعت
تعرّضت السهول الزراعيّة في البقاع إلى استهدافات مباشرة منها النبي عثمان وسهل اللبوة وحربتا وحلبتا. ولم تقدّر الخسائر المادّيّة لمزراعيّ السهول، كونهم لم يتمكّنوا من قطف المحصول وتصريف الإنتاج.
ينقل مزارعو البقاع أحوالهم إلى “مناطق نت” وأبرزها: “استحالة انتقال أيّ مزارع في البقاع إلى حقله، وإن استطاع الوصول فسيعاني من غياب اليد العاملة، ومن يستطع قطافه سيكون عاجزًا عن تسويقها بأسعار مربحة، لأنّ التصدير معدوم”.
بالتزامن، أدّى توسّع الحرب مترافقًا مع نضوج الموسم وأوان حصاده، إلى هجر المزارعين لحقولهم، حيث بقيت آلاف الدونمات الزراعيّة من حقول الخضار اللوبياء والبصل والخس والبندورة والكوسا والخيار والحشائش على أنواعها بعيدة من أصحابها، ممّن كانوا ينتظرون موسم القطاف لتأمين احتياجاتهم الشتويّة وأبرزها تأمين المازوت للتدفئة والمؤونة، وأقساط مدارس أبنائهم.
خسائر اقتصاديّة
يقدّر المزارع إبراهيم محمد نزها من بلدة النبي عثمان، خسارته بأكثر من ثلاثة آلاف دولار أميركي. ويقول في حديث لـ “مناطق نت”: “أعتمد على زراعة الباذنجان والفليفلة، وفي وقت قطاف المحصول، توسّعت دائرة العدوان الإسرائيليّ على البقاع، فأدّى ذلك إلى خسارتي أكثر من 70 بالمئة من إنتاجي الزراعيّ الذي تُلف وبقي في أرضه”.
يتابع نزها “استطعت بيع طنٍّ واحد من محصولي الزراعيّ، الذي يقدّر ما بين سبعة وثمانية أطنان من كلّ صنف. وقد تركت المحصول كي يقطفه المواطنون والاستفادة منه، وبادرت أيضًا إلى توزيع حوالي 800 كيلوغرام من منتوجاتي الزراعيّة على مراكز الإيواء في المنطقة”.
أدّى توسّع الحرب مترافقًا مع نضوج الموسم وأوان حصاده، إلى هجر المزارعين لحقولهم، حيث بقيت آلاف الدونمات الزراعيّة من حقول الخضار اللوبياء والبصل والخس والبندورة والكوسا والخيار والحشائش على أنواعها بعيدة من أصحابها
بدوره يتحدّث المزارع مسعود سرور من بلدة اللبوة لـ”مناطق نت” قائلًا: “الحرب لن تؤثر فقط في الموسم الحالي بل على المواسم المقبلة أيضًا، والمخاوف من أن تكون التربة قد تلوّثت بفعل الغارات، وهي أدّت إلى تلف مواسم البندورة والباذنجان في أرضي”. ويشير سرور أنّه استطاع “أن يُصرّف نحو 75 بالمئة من إنتاجه”.
الاتّكال على أسواق بيروت وطرابلس
حول واقع القطاع الزراعيّ في البقاع الشماليّ، تحدّث رئيس تجمّع مزارعي وفلّاحي البقاع ابراهيم الترشيشي لـ “مناطق نت” فقال: “من المُبكر جدًّا تقدير المساحات التي خرجت عن دائرة الإنتاج الزراعيّ في منطقة البقاع، والشماليّ تحديدًا، علينا أن ننتظر حتّى نهاية الحرب لأنّ هذه المساحات تزداد يوميًّا بسبب توسُّع الاستهدافات وشمولها مساحات ومناطق جديدة”. وأشار إلى أنّ مناطق الجنوب الزراعيّة تتقدّم على ما عداها من حيث الأضرار، تليها مناطق البقاع.
الغارات الإسرائيليّة تأتي في مقدّمة الأسباب التي تمنع المزارعين من مزاولة نشاط سهولهم، يتابع الترشيشي ويشير “إلى عوامل أخرى منها عوامل الطقس والصقيع الذي يحلّ في البقاع عادة في مثل هذا الوقت، إضافة إلى عدم وجود يد عاملة، وهذا كلّه يؤدّي إلى تلف المزروعات، فالزراعة تحتاج إلى إهتمام وعمل يوميّ، ولا يمكن للمزارع أن يتخلّف عن الأعمال الزراعيّة، كالريّ ووضع الأسمدة والمواد والأدوية الكيماويّة، أو التأخّر في قطف محصوله”.
ويوضح الترشيشي أنّ “الخيار والكوسا وغيرها تحتاج إلى قطف يوميّ، والانقطاع عنها يؤدّي إلى تلفها، وهذا ينسحب على اليد العاملة التي من الصعب إيجادها في مثل هذه الظروف، وإن وُجدت سوف تكون أجورها أعلى من الأجور التي اعتاد المزارعون دفعها”.
نحن أمام أزمة غذاء؟
مع خروج سهول أساسيّة من دائرة الإنتاج الزراعيّ في الجنوب والبقاع، تُطرح تساؤلات ومخاوف عن الأمن الغذائيّ، وعمّا إذا كان في خطر. حول ذلك يطمئن الترشيشي “إلى أنّ خروج هذه السهول لن يؤدّي إلى نقص في مخزون الأسواق، حوسيكون التعويض بالاعتماد على السهول الساحليّة التي تمتدّ من شماليّ بيروت وصولًا إلى طرابلس، إذ تنتشر البيوت البلاستيكيّة وتغطّي الانتاج في ظلّ توقّف سوقيّ صور والنبطية”.
عن نسب أسواق الحسبة من مجمل تسويق المنتجات الزراعيّة يقول الترشيشي “إنّ سوق الخضار في صيدا تشكّل نسبة عشرين في المئة من مجمل الأسواق”، مشيرًا إلى أنّ أربعين في المئة من الشعب اللبنانيّ، لا يعتمدون في هذه الفترة على الخضار”. ويختم الترشيشي “على الرغم من الحرب، فإنّ سوق العرض للخضار لا يزال أكبر من الطلب، والإنتاج الزراعيّ كافٍ ويباع بأقلّ من كلفة الإنتاج وهذه كارثة”.
تمسّك بالسهول الزراعيّة
إلى الآن لم يغادر المزارع مسعود سرور بلدته اللبوة، لكنّه يجد صعوبة في تأمين عمّال لقطف الموسم. كذلك يواجه مشكلة في تصريف الإنتاج نظرًا إلى توقّف التجّار عن شرائها، إضافة إلى صعوبة نقل المحاصيل، بعد تعرّض عديد من طرقات البقاع إلى الاستهداف، والتي قد تطال شاحنات الخضار. عن ذلك يقول سرور “هذا ما يجعلني متردّدًا في البدء بزراعة الموسم المقبل، والذي قد يلقى المصير عينه والمشاكل نفسها”. إضافة إلى أنّ “معظم الشركات الزراعيّة التي توزّع البذور، لن تتمكّن من فتح فروعها في البقاع أو أن تتوجّه إليها بسبب القصف المستمرّ على البقاع” يختم سرور.
ومن الحلول التي قد يلجأ مزارعو البقاع إليها لاستمراريّة عملهم، يقول أحد المزارعين في دردشة مع “مناطق نت” إنّه “إذا استمر العدوان سألجأ إلى زراعة القمح والشعير، لكونها زراعات تنتظر فصل الصيف لحصادها وتصريف إنتاجها، ونأمل أن تكون الحرب قد انتهت”.
على الرغم من خطر الاستهداف الإسرائيليّ اليوميّ، يصرّ بعض المزارعين على البقاء في أراضيهم وزراعتها، كونها تعدّ مصدر رزقهم الوحيد. يتحضّر المزارع نزها، إلى مباشرة تجهيز أرضه لزراعتها على أبواب الموسم الشتويّ، يقول: “أعتمد على بعض العمّال من أبناء بلدتي، لمساعدتي في نزع شتول الباذنجان والفليفلة لإعادة حراثتها، وسأحاول فقط الاعتماد على الأسمدة العضويّة مستغنيًا عن الأسمدة الكيماوية، خوفًا من تكبّد مزيد من الخسائر”.
بدوره يشير الترشيشي إلى أنّ مزارعي البقاع وعلى الرغم من الصعوبات لا يزالون صامدين. “لكنّهم يتساءلون عن الفترة المقبلة والمخاوف التي ترافقها، أبرزها توافر العوامل الأمنيّة التي تطمئنهم إلى زراعة أراضيهم”. مطالبًا المزارع البقاعيّ “أن يبقى شجاعًا وألّا يفقد الأمل، يجب عليه البقاء في أرضه وزراعاتها من دون أن التفكير بالربح والخسارة للمحافظة على الإنتاج اللبنانيّ”.