الحرب تفاقم معاناة مرضى الكلى في لبنان

أدى توسُّع الحرب وتفاقمها بشكل غير مسبوق، لتشمل غالبيّة مناطق لبنان لا سيّما البقاع والضاحيّة الجنوبيّة لبيروت ومناطق أخرى كانت تُعتبر آمنة، إلى ازدياد معاناة مرضى الفشل الكلويّ الذين يجرون غسيل كلى دوريًّا، بمعدل ثلاثة إلى أربعة أيام في الأسبوع داخل المستشفيات.

“أتمنى أن لا تطول الحرب”

ينتقل الرجل الستينيّ أبو أشرف من بلدته الجنوبيّة معركة إلى مستشفى اللبناني الإيطالي في صور، كلّ نهار إثنين وأربعاء وجمعة، يُحضره إبنه أمجد كي يجري جلسة غسيل كلى، يقضي أكثر من أربع ساعات داخل قسم الغسيل، ليعود بعدها إلى منزل ابنه في معركة حيث يسكنان.

“بالطبع الخوف كبير، حتّى لو كنت لا أسمع أصوات القصف. الطريق بات رعبًا دائمًا بالنسبة لي، لكن لا خيار أمامي، عليّ أن أجري جلسات الغسيل في موعدها ومن دون انقطاع” يقول أبو أشرف، ويضيف لـ”مناطق نت”: “أعاني وضعًا صحيًا خاصًا، إذ إن رجلي مبتورة ولدي أمراض مزمنة أخرى غير الفشل الكلوي، مثل مرض السكري، لذا يصعب عليّ الهرب دون ابني”.

يفتقد أبو أشرف لأصدقائه من المرضى الذين كان يلتقيهم باستمرار، يقول إن قسم الكلى أصبح مملًّا ولا يستقبل سوى أعداد قليلة، ليس كما قبل حرب أيلول السوداء، ويختم: “أشكر الله أن احتياجاتنا كمرضى من المستلزمات الطبيّة لا تزال متوافرة. سأبقى هنا، وسأتحمل حتّى تنتهي الحرب التي أتمنى ألّا تطول”.

الحرب والنزوح أديّا إلى ازدياد معاناة مرضى الفشل الكلويّ اللذين يجرون عمليات غسيل كلى دوريّة (الصورة من Gettyimages)

ومنذ 23 أيلول (سبتمبر) تشن إسرائيل حربًا هستيّرية متواصلة خارج قواعد الاشتباك في لبنان، خلّفت المئات من الضحايا المدنيّين ودمارًا هائلًا وكارثة إنسانيّة. وبلغ عدد النازحين جراء التصعيد الأخير أكثر من نصف مليون نازح وفق آخر ما أعلنه وزير الخارجيّة اللبنانيّ عبدالله بو حبيب الثلاثاء 24 أيلول الجاري.

نزوح قسري

في مستشفى طرابلس الحكوميّ (شمال لبنان) أجرت ليال حمدان جلسة غسيل كلى هي الأولى بعد مضي يوم ونصف يوم على نزوحها من بلدة الحوش الجنوبيّة (صور)، وكانت قد علقت أكثر من 10 ساعات على طرقات النزوح. تُنهي الجلسة فتبدو عليها علامات التعب الشديد.

تقول لـ”مناطق نت”: “لقد أُرهقت جسديًا ونفسيًا، وصلت إلى المستشفى وجسدي ممتلىء بالسوائل، أجريت الفحوص اللازمة، وزودتهم بالمستندات المطلوبة، لم يكن الأمر سهلًا وميسَّرًا كما ظننت، انتظرت وقتًا طويلًا، قبل أن أحط في الطابق السفليّ داخل قسم غسيل الكلى، حيث يوجد تسعة مقاعد (أشبه بأسرّة غير سهلة التحريك)، شممت رائحة رطوبة، حيث مكثت أكثر من ثلاث ساعات، بلا اتصال بالشبكة، منعزلة تمامًا عن العالم، معي عبوة مياه ليس أكثر، ما كان يعزيني أن معاملة الفريق الطبي هناك أكثر من رائعة”.

لم تكن التجربة موفقة بالنسبة إليها لكن المشفى هو الأقرب مسافة حيث مكثت هي وعائلتها بعد النزوح، حسبما تقول، وتضيف: “بحثت في اليوم التالي عن مشفى آخر ألجأ إليه، لا بأس إن كان بعيدًا نسبيًا والطريق إليه مزدحمة، لكنه يبقى خيارًا أرحم”.

ليال حمدان: انتظرت وقتًا طويلًا، قبل أن أحط في الطابق السفليّ داخل قسم غسيل الكلى، حيث يوجد 9 مقاعد، شممت رائحة رطوبة، حيث مكثت أكثر من 3 ساعات، بلا اتصال بالشبكة منعزلة تمامًا عن العالم

وتختم “طُلب مني إجراء فحوص دم جديدة في المستشفى الحكوميّ، لم تكن دون مقابل، دفعت ثمنها مليوني ليرة، إذ لم يؤخذ بنتيجة الفحوص الطبيّة التي أجريتها قبل نحو أسبوعين”.

“رحلتنا مع النزوح والمجهول”

شهاب معتوق واحد من مرضى كثر نزحوا أيضًا خارج مناطقهم بفعل تصاعد العدوان، يقول لـ”مناطق نت”: “خرجت أنا وعائلتي من منزلي في بلدة العباسيّة، قضاء صور، بعد أن تمّ تدمير جزء كبير من الحي الذي نسكن فيه، ولم نعرف إلى أين ستكون الوجهة”.

ويضيف: “وصلنا إلى منزل أقاربنا عند الساعة التاسعة مساءً، أخذت منا الطريق نحو 10 ساعات. كنت يومها قد أنهيت جلسة غسيل كلى قبل ان ألتقي بعائلتي وتبدأ رحلتنا مع النزوح والمجهول”. كان معتوق قد اعتاد إجراء هذا النوع من الجلسات في احد مستشفيات صور، منذ العام 2018 وحتّى تاريخ الأربعاء ال 25 كن أيلول الجاري، موعد الجلسة الأولى في مستشفى آخر.

“هي تجربة جديدة أختبرها، لكنها كانت ميسَّرة وجيدة بالنسبة لي، وضعوا لي دوامًا يناسبني عند ساعات الفجر الأولى، وأظهروا كل حرص تجاهي. لم أشعر بأننا نحن المرضى الذين نزحنا دخلاء، وهذا أهم ما في الأمر. ولأنني رتبت مواعيد الغسيل في المستشفى الجديد، أي مستشفى حمود الجامعيّ، لثلاثة أيام ثابتة، استأجرت منزلًا في عبرا على مقربة منها”.

نقطة أخرى مهمة، يلفت إليها معتوق، لجهة أنواع الأدويّة المختلفة والضروريّة التي يحتاجها مرضى الفشل الكلوي، ومنها إبر الحديد، ويطالب بأن تؤمنها وزارة الصّحة للمرضى النازحين في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الناس والكلفة الإضافيّة التي قد تترتب عليهم، وأن تأخذ على عاتقها دفع ثمنها إلى المستشفيات.

المرضى تحت القصف

ويعيش المرضى خوفًا مضاعفًا على صحتهم، نتيجة حالتهم الصحيّة أولًا والحرب القائمة ثانيًا، وفي هذا السياق يقول مسؤول قسم غسيل الكلى في أحد مستشفيات صور (فضّل عدم ذكر الاسم) “تقلّصت جلسات غسيل الكلى لدينا، يوجد حاليًا ما يقارب ال 15 في المئة من إجماليّ أعداد المرضى الذين كانوا يخضعون لذلك، بسبب نزوح شريحة واسعة من المرضى إلى مناطق أكثر أمانًا، سواء في طرابلس أو الجبل أو العاصمة بيروت”.

يتابع: “مرضى جدد أيضًا باتوا يتلقون الرعاية في مستشفيات صور، ممن نزحوا من مناطق حدوديّة أو غيرهم من سكان صور وضواحيها الذين لا زالوا في المدينة، وهم في وقت سابق كانوا يقصدون مستشفيات أخرى خارجها مثل صيدا”.

ويضيف المسؤول لـ”مناطق نت”: “نحاول التخفيف عن المرضى الذين يعانون توترًا إضافيًا بفعل الحرب، وهم في الأصل يحملون أوجاعهم وهمومهم ويأتون إلينا عند كل موعد غسيل”، وعن المواد والمستلزمات الطبيّة، يقول “تمّ تخزين كل ما نحتاجه، لأشهر إضافية، لكن نتمنى ألّا يطول عمر الحرب”.

الجدير ذكره أن عدم خضوع المريض لجلسة غسيل الكلى قد يعرض حياته وصحته للخطر، الأمر الذي يثير المخاوف لدى بعض المرضى منهم.

لا أرقام دقيقة بعد

وعن أعداد النازحين من مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة لبيروت، يقول مدير العناية الطبيّة في وزارة الصّحة العامّة الدكتور جوزيف الحلو إنّ “الوزارة تحتاج إلى عدة أيام إضافيّة كي تتمكن من إحصاء عدد النازحين من مرضى غسيل الكلى الذين تركوا قراهم وبلداتهم إلى مراكز إيواء أو في سكن خاص بهم، وهم الآن يجرون جلساتهم في مستشفيات أخرى حيث يتواجدون، والوزارة تسعى لأجل ذلك”.

ويضيف في اتصال مع “مناطق نت”: “إن كل المرضى الذين تغطي علاجهم الوزارة، يمكنهم الاتصال عبر الخط الساخن رقم 1787 المخصص للرد على أسئلة النازحين واستفساراتهم” ووفق الحلو يبلغ عدد مرضى الفشل الكلوي الذين يعالجون على نفقة وزارة الصحة العامة 1763 مريضًا.

جوزيف الحلو: كل المرضى الذين تغطي علاجهم الوزارة، يمكنهم الاتصال عبر الخط الساخن رقم 1787 المخصص للرد. عدد مرضى الفشل الكلوي الذين يتعالجون على نفقة وزارة الصحة العامة 1763 مريضًا.

وكان وزير الصّحة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض قد عرض تفاصيل الخدمات الصحيّة التي أعدّتها وزارة الصّحة للمواطنين النازحين قسرًا عن بلداتهم وقراهم في مؤتمر صحافيّ عقده في الوزارة قبل أيام، قائلًا إن فرق الوزارة ستتفقد النازحين في مراكز الإيواء لتعبئة استمارات تتعلق بحاجاتهم الصّحية.

وأعلن الأبيض عن “لائحة سيتم تحديثها بشكل يوميّ تتضمن جدولًا بمراكز الرعاية الصّحيّة الأوليّة المربوطة بمراكز الإيواء” وبأن “الخدمات الطبيّة ستشمل، تأمين أدوية الأمراض المزمنة، تحويل الذين يحتاجون إلى غسيل كلى نحو لمراكز المتخصّصة، تحويل مرضى السرطان إلى أقسام العلاج وتأمين الدواء لهم، ومتابعة النساء الحوامل”.

الحرب بالأرقام

ووفق التقرير رقم 5 الصادر عن “وحدة إدارة مخاطر الكوارث” في ال 29 من أيلول حول الوضع الراهن، بلغ عدد الشهداء منذ بدء المواجهات في الثامن من تشرين الأوّل(أكتوبر) الماضي 1640 من بينهم 104 أطفال و194 إمرأة فيما أصيب 8404 جرحى، مع الإشارة الى وجود عدد من الشهداء تحت الركام، مفقودين وأشلاء. وارتفع عدد مراكز الإيواء إلى 777 مركزًا موزعة على مختلف المحافظات. ومنذ 23 ولغاية 29 أيلول سجل الأمن العام عبور 36188 مواطنًا سوريًّا و41307 مواطنين لبنانيّين إلى الأراضي السوريّة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى