الحزن يخيّم على الجنوب والترقّب والحذر سيّدا الموقف
“ضبيت الشنط ودقايق بكون بالسيارة”.. هذا ما قاله ابن بلدة كفررمان أبو علي لـ “مناطق نت” لحظة بدء الغارات الإسرائيليّة التي خرقت قواعد الاشتباك بشكل واسع، أمس الأربعاء، مستهدفة قرى وبلدات في عمق الجنوب، مخلّفة العديد من الضحايا المدنيّين، أكثرهم استشهد في الغارة الليليّة التي استهدفت مبنى في وسط مدينة النبطية، سقطت جرّاءها عائلة بأكملها ما بين شهيد وجريح.
وبينما تستمرّ عمليّات رفع الأنقاض من المكان المستهدف في النبطية بحثًا عن مفقودين وسط مخاوف من انهيار كلّيّ للمبنى، نعت المدرسة الإنجيليّة في المدينة وبكلمات مؤثّرة تلميذها محمود علي عامر الذي استشهد مع عدد من أفراد عائلته في الغارة.
محمود عامر لم يكن الطفل الوحيد الذي قضى في غارات أمس، فعلى وقع الغارات التي استؤنفت اليوم شيّع أهالي القنطرة شهداء الغارة التي استهدفت منزلهم في الصوانة أمس وأدّت إلى استشهاد الفتى حسين محسن وشقيقه أمير ووالدة أمير السوريّة روعة المحمّد.
محمود عامر لم يكن الطفل الوحيد الذي قضى في غارات أمس، فعلى وقع الغارات التي استؤنفت اليوم شيّع أهالي القنطرة شهداء الغارة التي استهدفت منزلهم في الصوانة أمس وأدّت إلى استشهاد الفتى حسين محسن وشقيقه أمير ووالدة أمير السوريّة روعة المحمّد
“أبو علي” نزح مع عائلته المكوّنة من زوجته وولده، يقول لـ “مناطق نت” إنّه سيتوجّه إلى أصدقاء له في شرقيّ صيدا. لم يكن الوحيد الذي حزم حقائبه وترك منزله بانتظار جلاء الأوضاع، بل حذا حذوه عدد غير قليل نزحوا عن منازلهم بانتظار اتضّاح الصورة، وقد شهدت طرقات الجنوب باتجاه بيروت أمس ضغطًا في حركة السير جرّاء هذا الوضع.
وبينما يترقّب الجنوبيّون الأوضاع، في ظلّ الغارات المستمرّة والقصف المتواصل، تعطّل ما بقي من حياة في القرى والبلدات الجنوبيّة البعيدة عن خطوط المواجهة، حيث أعلنت محافظ النبطية الدكتورة هويدا الترك عن تعليق الأعمال في المؤسّسات الرسميّة. الأمر ذاته اتّخذته المدارس الخاصّة والرسميّة والجامعات التي علقت الدروس بانتظار التطورات الأمنيّة والعسكريّة.
قلق وترقب
عاش الجنوبيّون أمس يوماً عصيباً، يتتبّعون فيه الأخبار، يتنقّلون بين مجموعات التواصل الاجتماعي ومنها “واتس أب” والمواقع الإخباريّة، يترقّبون بقلق أخبار الغارات التي ما أن يُعلن عن وقوعها وأنّ سيارات الإسعاف والدفاع المدنيّ توجهت إلى المكان حتّى يحبسون أنفاسهم بانتظار معرفة حجم الخسائر وعمّا إذا كان ثمّة من شهداء.
إلى ذلك لم تتوقّف مواكب التشييع في القرى والبلدات الجنوبيّة، فما أن تنتهي بلدة من مواراة شهيد حتّى تستقبل أخرى جثمان شهيد آخر، وسط أجواء الحزن التي تلفّ معظم القرى والبلدات.
إلى ذلك برزت أمس على وسائل التواصل الاجتماعي انتقادات واسعة، لناحية غياب أو تغييب أحداث الجنوب عن العديد من وسائل الإعلام، وعن الاهتمام الرسميّ، حيث رفع العديد من الناشطين شعار “الجنوب شقفة من لبنان”، رافقه الكثير من حملات التضامن مع النبطية التي شهدت مأساة كبرى لم يشهد الجنوب مثيلاً لها منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم.
وفي ظلّ استمرار أعمال رفع الأنقاض من مكان المبنى الذي استهدفته الغارة وتتحدّث المعلومات عن أنّه آيل إلى السقوط، لم يرسُ عدّاد الضحايا على رقم محدّد. في الوقت الذي تمكنت فرق الإسعاف والإغاثة بعيد منتصف الليل من انتشال الطفل حسين علي عامر حيًّا من تحت الانقاض، بعد أكثر من 4 ساعات من البحث عن ناجين، فيما تمّ سحب 5 جثث تعود لصاحب الشقة الوالد حسين أحمد ضاهر برجاوي وابنتيه أماني وزينب حسين برجاوي، وشقيقته فاطمة أحمد برجاوي، وابن ابنته زينب الطفل محمود علي عامر، وجرى نقلهم الى مستشفيات النبطية. ويستمر البحث عن مفقودتين هما زوجة برجاوي أمل محمود عودة وابنة شقيقته غدير ترحيني. كما تمّ نقل صهر برجاوي علي عامر وأكثر من 6 أشخاص جرحى إلى المستشفيات في النبطية للمعالجة.
أوضاع صعبة
في الموازاة تزداد أوضاع النازحين صعوبة، سواء أولئك الذين لجأوا إلى مراكز إيواء أو ممّن استأجروا منازل أو حلّوا عند أقاربهم، والمعاناة تتمثّل بطول المدّة الزمنيّة التي استغرقتها رحلة النزوح، وناهزت أربعة أشهر متتالية ونيّف، وأيضًا بانقطاع أرزاق العديد منهم، خصوصًا أبناء القرى الحدوديّة الذين يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي وعلى بعض الصناعات البسيطة، وحركة الأسواق الأسبوعيّة التي تُقام في تلك القرى وتعطّلت جميعها.
تلحّ ناديا وهي نازحة من إحدى القرى الحدوديّة بالسؤال لـ “مناطق نت” عن موعد انتهاء الحرب والعودة إلى بيتها في بلدة البستان؟ تأمل بحسرة حدوث ذلك بأقرب وقت، ثم تشيح بوجهها وتتابع أمام بسطة الخضار التي أقامتها على رصيف إحدى الطرقات في منطقة النبطية، تقليم “جبوب” العلت البري (الهندبة) التي أحضرتها من الحواكير والحقول القريبة من بسطة الخضار. لكن آمال ناديا لم تستمرّ طويلاً، إذ إنّ هدير الـمسيرات “MK” عاد إلى الأجواء التي لا يغادرها إلّا لماماً، ومعها عاد القلق والترقب ليحلّا وحيدين سيّدي الموقف.