الحلّانيّة تقبع بين الماضي والحاضر وتبحث عن هويّة إداريّة تفتقدها
“هي إشكالية مواطنة، بحيث لا يستطيع أهالي البلدة انتخاب ممثّليهم في مجلس بلديّة إداريّة خاصة بهم، ودائمًا ما نلجأ إلى مجلس بلديّة سرعين الفوقا المجاورة، للحصول على أوراق رسميّة روتينيّة، وندفع رسومًا وضرائب للحصول عليها، مع أنّنا لسنا من عداد ناخبي تلك البلدة”. بهذه الكلمات يشرح المختار علي حسين الحلّاني الواقع الإداريّ الصعب في بلدته الحلّانيّة.
“الحلّانيّة” البقاعيّة
هي تجمّع سكّانيّ مكوّن من عائلة واحدة هي آل الحلّانيّ، حيث سُمّي ذلك التجمع- البلدة- تيّمنًا باسم العائلة “الحلّانيّة”، والتي لا ينقصها شيء من مقوّمات البلدة، بدءًا من الموقع الجغرافيّ – المكانيّ مرورًا بالمساحة التي لا يمكن القول عنها إلّا إنّها بلدة قائمة بحدّ ذاتها، وصولًا إلى أنّها تتمتّع باستقلاليّة كاملة عن البلدات المجاورة، وهي بلدة زراعيّة تتميّز بطبيعتها الجميلة وتراثها الثقافيّ الغنيّ.
تبقى المعضلة الأساس التي تواجه الحلّانيّة الواقعة في محافظة بعلبك- الهرمل، افتقارها إلى بلديّة مستقلّة، ما يخلق تحدّيات إداريّة واجتماعيّة كبيرة لأبنائها القاطنين فيها، يبقى أهمّها تنظيم شؤون البلدة من جميع النواحي، وتنظيم القيود الانتخابيّة لسكّانها الذين ينتخبون في قرى وبلدات أجدادهم في حربتا، اللبوة، يونين، الهرمل وهم لا يسكنون فيها، وبذلك تكون الحلّانيّة نموذجًا ساطعًا للخلل الذي يعتري قانون الانتخابات البلديّة حيث إنّ نصف اللبنانيّين ينتخبون في أماكن غير سكنهم.
الحلّانيّة.. أكثر من نصف قرن
بحسب مختار الحلّانيّة علي حسين الحلّاني، ومصادر أخرى، “فإنّ الحلّانيّة نشأت كتجمّع سكّاني منذ عقود، إلى ما قبل العام 1969 من القرن الماضي، حيث بدأت كمجتمع زراعيّ صغير، يعتمد على الزراعة وتربية المواشي، وتطوّر وكبُر على مرّ السنين، فشهدت البلدة نموًّا سكّانيًّا كبيرًا، وتوسّعًا في الأنشطة الاقتصاديّة والتجاريّة، مستفيدة من موقعها الجغرافيّ الذي يشغل جزءًا مهمًّا من أوتوستراد رياق بعلبك والذي لعب دورًا بارزًا في ازدهار البلدة اقتصاديًّا ونموّها سريعًا، مع الغياب الكبير لوجود مجلس بلديّ لغاية اليوم”.
يؤكّد المختار الحلّاني لـ”مناطق نت”: “أنّ القرية وبعد توسعّها وتحوّلها إلى تجمّع سكّانيّ، يراوح عدد سكّانه بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف نسمة، حصلت في العام 1993 على مرسوم حكوميّ بإنشاء قرية رسميّة، تتبع قضاء بعلبك، وتسمّى الحلّانيّة، وأرفق ذلك بخريطة عقاريّة لها، وبذلك خطّت البلدة أولى الخطوات نحو تثبيت هويّتها الإداريّة المستقلّة”. يتابع المختار الحلّاني: “التطوّر الآخر المهمّ كان في العام 2003 حيث تمّ إنشاء سجّل خاصّ بالقيود الشخصيّة للقرية المستحدثة”. وعليه بدأ أهالي الحلّانيّة بنقل قيودهم إلى قريتهم، بخطوة وصفها المختار الحلّاني بأنّها “الحجر الأساس لاستقلال البلدة إداريًّا”.
أزمة أراض عقاريّة
تبقى المشكلة الأكبر وفق المختار الحلّاني، بأنّ الخريطة المرفقة بالمرسوم، تضمّ أراض تتبع عقاريًّا لبلدة سرعين المجاورة للحلّانيّة، وهنا تبرز الإشكاليّة، وهي أخذ موافقة مجلس بلديّة سرعين والقرى المجاورة بالحلّانيّة والتي تلحظ الخريطة ضمّ جزء من أراضيها إلى بلدة الحلّانيّة، وهذا ما لم يتحقّق لغاية الآن على رغم الجهود الكثيفة وعديد المحاولات لتحقيقه.
يُوضح المختار الحلاني، بأنّ “كل الأراضي التي بنيت عليها القرية، قد اشتراها أصحابها بأموالهم الخاصّة، وبطريقة قانونيّة لا تشوبها شائبة، ولم يحصل أحد على أيّ قطعة أرض بالتقادم، أو مرور الزمن أو الاستحواذ أو أيّ طريقة مخالفة أخرى”.
حلول مجتمعيّة
عن معاناة أهالي الحلّانيّة في تدبير شؤونهم يقول المختار الحلاني: “إنّ سكّان البلدة وعلى مدار السنوات الماضية عانوا كثيرًا بسبب عدم وجود مجلس بلديّ يدير شؤون البلدة”، ويشير المختار إلى “أنّ الأهالي لجأوا متكاتفين وبجهودهم المحلّيّة وتعاونهم إلى تشكيل لجان أهليّة من أجل تيسير شؤونهم، فدفعوا من أموالهم الخاصّة لتقوم تلك اللجان مقام المجلس البلديّ بتقديم خدمات عامّة للسكّان، وقد توّجت تلك الجهود بإنشاء جمعيّة أهليّة تحت اسم “جمعيّة الإخوة والتضامن” التي قدّمت عديدًا من الخدمات المحلّيّة للسكّان، لكنّها بالرغم من كلّ ذلك، لم تغنِ أبدًا عن وجود مجلس بلديّ”.
يبقى مفتاح الحل بحسب المختار منوطًا بنواب المنطقة، كونهم المسؤولين مباشرةً عن معالجة هكذا قضايا، وذلك عبر إجراء ما يلزم، والمساعدة في استقلال البلدة إداريًا والضغط على الجهات المعنية من أجل تحقيق ذلك.
أزمة نقل القيود
يرى رئيس قسم محافظة بعلبك الهرمل، الاستاذ دريد الحلّاني في حوار مع “مناطق نت”: “أنّ المشكلة الأساس تتعلّق بوزارة الداخليّة، وتتلخّص بأنّ إنشاء مجلس بلديّ يستدعي أوّلًا وجود عدد معيّن من السكّان المسجّلين على قيود البلدة”.
ويضيف: “بعد فتح سجّل خاصّ لبلدة الحلّانيّة في محافظة بعلبك، لم يتجاوز عدد المسجّلين فيه لغاية اليوم أكثر من 500 شخص، على الرغم من أنّ العدد الفعليّ لسكّان البلدة يتجاوز أربعة آلاف نسمة”.
والسبب في ذلك يعود بحسب الحلّاني “إلى أنّ إجراءات النقل ليست بالأمر السهل، ودائمًا ما تواجه بعراقيل إداريّة في المديريّة العامّة للأحوال الشخصيّة في وزارة الداخليّة، ما يجعل عمليّة نقل قيد العائلة الواحدة تتطلّب كثيرًا من الوقت والجهد، إضافة إلى وجود عديد من الملفّات العالقة هناك منذ فترة طويلة من دون نقل أو بتّ بأمرها”.
يرى الحلّاني “بأنّ المشكلة العقاريّة لأراضي البلدة، لا تمثّل العائق الأساس لإنشاء البلديّة، بل تلك المتعلّقة بإجراءات نقل النفوس لتوفير العدد اللازم بحسب القانون للقيود الخاصّة بالبلدة، وهو ما يسمح قانونًا بإنشاء بلديّة مستقلّة، بغضّ النظر عن واقع أراضيها العقاريّ وتبعيّته الإداريّة، سواء لبلدة الحلّانيّة أو للبلدات المجاورة لها”.
على المقلب القانوني
من جهته يجيب الباحث القانونيّ رواد منذر على إشكاليّة إنشاء بلديّة مستقلّة لبلدة الحلّانيّة، فيقول لـ”مناطق نت”: “لمّا صدر القانون رقم 257 عن مجلس النواب، تاريخ سنة 1993 والذي يقضي بإضافة قرية جديدة تسمّى الحلّانيّة، تمّ تحديد نطاقها العقاريّ وفقًا لخريطة مرفقة بهذا المرسوم، ووفقًا لقانون البلديّات الصادر بالمرسوم الاشتراعيّ رقم 118 العام 1977، والذي نصّت المادة 2 منه على أن يُنشأ مجلس بلديّ في كلّ مدينة أو قرية أو مجموعة من القرى، وعليه إنّ ما يفصل بلدة الحلّانيّة عن كونها إدارة محلّيّة مستقلّة، هو فقط إدراجها على الجدول المذكور، بناءً على طلب المقيمين فيها، وضمّ الخرائط التي تشير إلى نطاقها الجغرافيّ للقرية، والمحدّد بالقانون 257 السابق ذكره إلى ملف إنشاء البلديّة”.
ويضيف: “مع العلم بأنّ تحديد النطاق الجغرافيّ هو تدبير إداريّ لا علاقة للسجلّ العقاريّ به، وعليه يتطلّب الأمر تقديم طلب رسميّ من المقيمين والمسجّلين على قيود البلدة رسميًّا، إلى وزارة الداخليّة التي يناط بها أمر إنشاء مجلس بلديّ خاص بالبلدة”.
نحو ترسيخ الديمقراطيّة والاستقلاليّة
يرتبط تشكّل الهويّة الإداريّة للبلدات بشكل وثيق في مفهوم المواطنة الحديثة، وهي ليست من الكماليّات للناس أو شكلًا من أشكال الرفاهيّة، إنّما أساس المواطنة والعدالة وإطار قانوني لا بدّ من وجوده، وأيضًا نقطة انطلاق نحو ترسيخ الديمقراطيّة وتزخيم عمل البلديّات كونها سلطات محلّيّة مهمّتها الأساس رعاية حياة الناس ضمن مكان سكنها واقتراعها، وهي إحدى الوسائل الأنجع لتنمية المناطق خصوصًا البلدات الطرفيّة والنائية، ونموّها وتنظيم شؤونها وخدمة سكانها.
والحلّانيّة بضياع هويّتها الإداريّة التي تبحث عنها دون جدوى، قد تكون النموذج الصارخ لذاك الخلل، لكنّها ليست الوحيدة على خارطة الوطن، إذ إنّ هناك عديدًا من القرى القديمة والوليدة حديثًا تعاني ما تعانيه الحلّانيّة، من ضياع لهويّتها الإداريّة وبالتالي لحقوق ناسها في أن يكون لهم مرجعيّة إداريّة مباشرة تلبّي حاجاتهم في أبسط أمورهم، من دون أن يتكبّدوا مشقّة الانتقال، دون أن يشعروا داخل بلداتهم أنّهم مواطنون درجة ثانية أو ثالثة وربّما أكثر، في بلد لا تزال تفصله عن مفهوم المواطنة الحقّة وببعدها الإنسانيّ الحقيقيّ مسافات ضوئيّة.
“يُنشر هذا التقرير/التحقيق/ التحقيق المصوّر بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني“.