الدَولّة تائهة.. مراكز إيواء متروكة لقدرها
كأنَ قضاءَ اللبنانيين وقدرهم الأسود التنقُل بين الأزمات، لا يخرجون من مصيبةً إلا وتنتظرهم كارثة أخرى، شعبٌ يسير في درب جلجلة طويل، مليء بالدماء والدموع والأشلاء، وعلى رُغمَ ذلك يتَمَسَّك بإرادة الصُمود والثبات لأجل البقاء.
مع دخول جنون العدوان الاسرائيلي المجرم أسبوعَه الثاني، ازداد عدد الهاربين من الموت والفناء، أما الدولّة فهي “غاشية وماشية” لا شيء فعلي على الأرض سوى الكلام، كل ما تفعله هو اجتماعات الجعجعة دون طحين، أقَلَه هذا ما نراه في البقاع الشمالي.
أبلغونا بفتح المدارس
ستّ مدارس رسمية في بلدة عرسال سَمَّتها محافظة بعلبك الهرمل مراكز إيواء للأخوة النازحين، لكن من دون أيّ تجهيزات أو دعم سوى تغريدات المحافظ بشير خضر على منصات التواصل الاجتماعي وهي بالطبع لا تُسمِن ولا تُغنِي من جوع.
مدير المدرسة الرسميَّة الأولى الأستاذ حسّان الحجيري تحدّث لـ”مناطق نت” عمّا جرى معه فقال: “أبلغوني هاتفيًا من المنطقة التربوية والمحافظة، بفتح المدارس للنازحين، وغدًا تصلك التجهيزات وغابوا عن السمع كليًّا، الأهالي والجمعيات والمبادرات الفردية هي التي أمَنَّت تجهيزات النوم للناس، الجمعيات تعمل على تأمين وجبات غذائيّة، المياه تقدمة مجانيّة من أفراد، البلدية تزيل النفايات، لم أستلم ورقة من الدولة، فمن سيساعد الناس؟ المبادرات الفردية مشكورة لكنها مؤقتة، وقدرة الجمعيات محدودة، الدولة هي الأساس، وللأسف لم نرَ منها شيئًا غير الكلام”.
هذا هو واقع البلد الكارثي، مفارقة غريبة عجيبة، المواطن يسبق الدولة، ويحل محلها في معظم الأحيان، فريق “المستجيب الأول” التطوعي نزل إلى الأرض فور بدء توافد النازحين، سارع إلى تنظيف المدراس وارشاد الناس للوصول إليها.
من ناحيته يقول مشرف الفريق زاهي الحجيري لـ”مناطق نت”: “كما يعلم الجميع نحن فريق تطوعي بالكامل، تم إنشاء الفريق منذ سنوات بالتعاون بين البلديّة ووحدة إدارة الكوارث، ليكون جاهزًا للأعمال الإغاثية، منذ أسبوع ونحن على الأرض نقوم بواجبنا الإنسانيّ “لا مِنَّة لنا على أحد”، مؤسف جدًّا ما يحصل معنا، نتلقى اتصالات من القوى الأمنية يطلبون إلينا الاهتمام بالناس، كأننا نحن الدولة، الشكر للناس التي تساندنا على رغم كل الصعوبات، والشكر الكبير للجمعيات المحلية، فلولاها لنامت الناس في العراء”.
حسّان الحجيري: أبلغوني هاتفيًا من المنطقة التربوية والمحافظة، بفتح المدارس للنازحين، وغدًا تصلك التجهيزات وغابوا عن السمع كليًّا، الأهالي والجمعيات والمبادرات الفردية هي التي أمَنَّت تجهيزات النوم للناس
الجمعيات لبَّت لكن!!
فور بدء توافد النازحين سارعت الجمعيات للمواكبة والمساعدة، أمّنت ما تستطيع قدر إمكاناتها، لكن قدراتها محدودة أمام المستلزمات الكبيرة.
بسيم الأطرش رئيس جمعية جسور النور، إحدى الجمعيات الكثيرة التي سارعت للعمل، أشار لـ “مناطق نت”: “الضغط كبير والإمكانات متواضعة، عَمِلنا قدرَ استطاعتنا، استطعنا تأمين 1100 فرشة إسفنج مع لوازمها للنوم، في المدارس فقط، لولا توافد مئات العائلات إلى المنازل لوقعنا في عجزٍ كبير، لا أريد الحديث عن الدولة، لأننا لا نعرفها إلّا بالاسم، اذا كانت بهكذا ظروف بحاجة للمناشدة كي تتحرك فمتى ستتحرك إذًا؟”.
المبادرات الفردية والشبابية والنسائية انطلقت بسرعة، في محاولة للتخفيف عن النازحين وبلسمة جراحهم، وضمان راحتهم ريثما يَحِل الفَرَج علينا جميعًا ويعود كل إنسان إلى بيته مكرّمًا معزّزًا.