الشتاء يطرق أبواب البقاعيين.. المازوت للمقتدرين والحطب هو البديل
معاناة أخرى تضاف إلى معاناة البقاعيين، وعبء من نوع آخر يطرق أبوابهم، كانت الحياة في هذه البقعة من الجغرافيا صعبة وقاسية واليوم هي أصعب وأقسى بمرات عديدة. لم يشعر المواطن في البقاع يوماً أنه من رعايا الدولة، تحمل همومه وتسعى لمداواة جراحه. الأعباء تتضاعف عليه ليس آخرها عدم قدرته على التحضّر لاستقبال فصل الشتاء الذي أصبح على الأبواب مع كل ما يحمله لهم من برد وصقيع. فالمازوت المتوفر حديثاً أسعاره باهظة ولا تتناسب مع قدرات البقاعيين وامكانياتهم حتى أولئك الميسورين منهم، ولا أحد يعرف شيئاً عن أذيال الأزمة وما إذا كان توفُّر المازوت وضع حلاً نهائياً وجذرياً لها أم لا؟
الأجواء تُنذر بشتاء مبكر وقاسٍ، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة؟ كيف سيستطيع البقاعيون شراء ما يكفيهم من مادة المازوت من أجل التدفئة في ظل غلاء أسعارها؟ وكيف سيؤمن أولئك الذين يقطنون في القرى والبلدات الجبلية المرتفعة تلك المادة؟
يبدأ أهالي البقاع في مثل هذا الوقت من كل عام بإعداد العدة لفصل الشتاء والتحضير له، بعضهم يحضر الحطب والبعض الآخر يخزن حاجته من مادة المازوت لتشغيل المدافئ. هذا العام المشهد مختلف تماماً. فقدان مادة المازوت طيلة الفترة السابقة وامتناع غالبية المحطات في البقاع عن بيع ما توفر من المادة لديهم، أربك البقاعيين وحرمهم من التحضير لموسم الشتاء.
أسعار ما توفر من مادة المازوت في الفترة السابقة لامس أسعاراً مرتفعة جداً حيث كانت تباع في السوق السوداء ب ٣٥٠ ألف ليرة وما فوق للصفيحة. هذا السعر خارج قدرات البقاعيين لشرائه، ومع توافر المازوت اليوم فإن شيئاً لم يتغير فالأسعار لا زالت تفوق امكانياتهم أيضاً.
المشهد في البقاع
بلدة فيسان الجردية في قضاء الهرمل والتي يصل ارتفاعها إلى ١٣٠٠ متر غاية في البرودة، حيث يصل ارتفاع الثلج في بعض الأماكن فيها إلى متر ونصف المتر. تقول زينب جعفر لـ “مناطق نت” إن الناس بدأت بتجميع الحطب تحضيراً للشتاء، وتوضح أن الجميع ليس في فيسان فقط، وإنما في كل القرى والبلدات المجاورة لها كالشربين وزغرين حسموا خيارهم باعتماد الحطب للتدفئة هذا العام في ظل ارتفاع أسعار المازوت، مشيرة إلى أنهم مضطرون إلى تأمين المازوت للمولدات من أجل الإضاءة وهذا مكلف أيضاً.
الأمر مشابه في صبوبا قضاء بعلبك ومحيطها، حيث تقع البلدة على ارتفاع ١٢٠٠متر. قال حسين خزعل لـ “مناطق نت” إن أهالي البلدة لم يبدأوا بعد التحضير لموسم الشتاء، علماً ان برودة الليالي تنذر بشتاء لا يرحم، والسبب عدم قدرة أهل البلدة لا بل معظم أهل البقاع على تحمل أعباء سعر المازوت، لافتاً إلى أن أسعار الحطب ليست أقل سعراً، حيث يحتاج كل منزل ما بين ٤ أو ٥ طن سنوياً. وأشار خزعل إلى أن طن الحطب لا يكفي سوى لأسبوعين تدفئة.
أسعار خيالية
توفر المازوت لم يحل المشكلة، إذ أن أسعاره المرتفعة لا طاقة للمواطن في منطقة بعلبك-الهرمل على تحملها. البيت الواحد في فيسان على حد تعبير جعفر بحاجة إلى أكثر من ٦ براميل من المازوت للتدفئة سنوياً. سعة البرميل الواحد هي ١٠ صفائح، أي أن كلفة شرائه تصل إلى مليوني ليرة، والنتيجة أن الكلفة المتوسطة لشراء المازوت للتدفئة سنوياً تصل إلى ١٢ مليون ليرة في هذه المناطق، والحقيقة أن المواطن غير قادر أن يدفع ربع المبلغ المذكور في هذه الظروف.
الحطب و”الكراكيز”
خيار البقاعيين بالاعتماد على الحطب في التدفئة سيكون أقل كلفة وأكثر رحمة من سوط ارتفاع أسعار المازوت، لكن ماذا عن أضراره البيئية جرّاء العبث بالأحراج، وقطع الأشجار المعمرة. وبالرغم من أن أسعار الحطب ليست منخفضة أيضاً، حيث يفوق سعر الطن حوالى المليوني ليرة، تتهافت الناس اليوم للحصول عليه خشية ارتفاع أسعاره كلما اقتربنا من فصل الشتاء.
تقول جعفر إن المنزل بحاجة إلى ما بين ٤ و ٥ أطنان من الحطب سنوياً أي حوالى ١٠ ملايين ليرة. ومن أجل التوفير يعمد العديد من الأهالي في المنطقة إلى قطع الأشجار من أرضهم بكميات كبيرة، أو يلجأون لشراء الحطب من سوريا ومن بعض المناطق. وأشارت جعفر إن الحريق الذي حصل مؤخراً في الهرمل دفع أصحاب هذه الأرض إلى قطع ما تبقّى من الأشجار التي احترقت، مشيرة الى انهم قصدوا الجرد ليجمعوا “الكراكيز” على حد تعبيرها، والمقصود بها أكواز الصنوبر من أجل التدفئة عليها.
في صبوبا المعاناة أيضاً كبيرة فلا قدرة للناس على شراء المازوت أو الحطب، وإذا ما قررت الناس التوجه إلى قطع بساتينها وأشجار أرضها فإن لذلك تداعيات خطيرة على البيئة والطبيعة وأيضاً على ارزاق الناس. مع الإشارة إلى ان معظم أشجار السنديان احترقت ولم يتبق الا القليل الذي ربما ستتوجه الناس إلى قطعه. أما اللزاب الشجرة الفريدة والنادرة والموجودة فقط في جرود البقاع، فإن قطعها سيشكل جريمة بيئية لا تغتفر نظراً لأهمية وفرادة هذه الشجرة من النواحي البيئية والطبيعية، ولأنها لا تنبت مجدداً وبالتالي قطعها سيؤدي إلى زوالها وانقراضها.
الثروة الحرجية في خطر
هل سنبرر لأهالي بعلبك-الهرمل إذا ما غزوا الجرود ليؤمنوا تدفئتهم للشتاء وهم مهددون بالموت برداً، هل ستكون المفاضلة ممكنة بين حياة المواطن في هذه المنطقة والثروة الحرجية؟!..
بين غلاء مادة المازوت من جهة، وغلاء الحطب من جهة ثانية، كيف سيستطيع المواطن الذي لديه أطفال صغار تدفئتهم، كيف سيمرّ هذا الشتاء عليهم وكذلك الأمر بالنسبة لكبار السن الذين أصبحوا غير قادرين على تحمّل صقيع الشتاء والأوضاع المترتبة عنه. هل سيكون مصيرهم كطيور أيلول تهاجر من أماكنها الباردة إلى أماكن أكثر دفئاً، فهل سيضطر البقاعيون للنزوح من البقاع قاصدين العاصمة هرباً من هول الشتاء عليهم وعبئه الاقتصادي الذي لا طاقة لهم به. العديد من الأسر التي لديها منازل في العاصمة اتخدت قرارها بالمغادرة وبدأت تهيأ منازلها بعدما أخرجت المستأجرين لقضاء الشتاء فيها.
يبدو المشهد البقاعي ضبابي كالشتاء الآتي إليه، يحمل في طياته مفاجآت عبارة مصائب تنزل على رؤوس اللبنانيين عموماً والبقاعيين خصوصاً. كلفة البقاء على قيد الحياة أصبحت مرهقة، وربّ الأسرة لا يعرف ليلاً من نهار يركض يسابق قطار الزمن ليؤمن قوت عياله. صارخاً متضرعاً أما آن لهذا الليل من نهاية.