العام الدراسي.. تعليم مُتعثّر وعقبات يصعب التغلب عليها

لم يكن انطلاق العام الدراسيّ أمرًا محسومًا في ظلّ تصاعد العدوان الإسرائيليّ على لبنان وما تبعه من موجة نزوح كبيرة لم يعهدها لبنان من قبل وتخطّت مليونًا و400 ألف نازح. هذا الوضع فرض واقعًا جديدًا على مختلف القطاعات، ومنها القطاع التربويّ، الذي يُعاني أساسًا منذ الانهيار الماليّ والأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد منذ العام 2019 وما رافقها من إضرابات مُتلاحقة يتّصل مجملها بتدنّي قيمة الرواتب والأجور للكوادر التعليميّة.

وعلى الرغم من خضوع جميع القرارات المهمّة في البلاد وآليّة تطبيقها إلى معادلة “ستّ وستّ” مكرّر، وشكّلت قاعدة سارت عليها البلاد، وهي معادلة تُشير إلى المناصفة ومراعاة ما يُطلق عليه “حقوق الطوائف”، إلّا أنّ الحرب الإسرائيليّة المستمرّة منذ سنة وأكثر من شهر قامت بكسرها، وبات التعليم يسير في بعض المناطق بشكل شبه اعتيادي بينما يغيب في مناطق أخرى.

هذا الواقع استجدّ عندما قرّر وزير التربية عبّاس الحلبي بدء العام الدراسيّ في الرابع من تشرين الثاني (نوڤمبر) الماضي، وهو حصل بعد تردّد معلومات حول اتّفاق عقده مع “حزب الله” و”حركة أمل”، يقضي بإطلاق العام الدراسيّ في المناطق الآمنة على أن يكون التعليم في مدارس الضاحية والجنوب والبقاع عن بعد وأقلّ صرامةً وتشدّدًا، ويتمكّن جميع الأساتذة من الحصول على بدل الإنتاجيّة، وهذا ما دفع الوزير إلى ربطها بحضور الأساتذة في أشهر الصيف بصرف النظر عن وضعهم الحاليّ.

هذه العشوائيّة التي حكَمت القرارات في وزارة التربية أدّت بطبيعة الحال، إلى نتائج كارثيّة على الأساتذة أنفسهم، حيثُ بات بدل الإنتاجية يُحجب عن الأساتذة ممّن حصلوا على إجازات في الصيف على رغم التحاقهم بالمدارس والثانويّات في العام الدراسيّ الحاليّ، في حين يكون ساري المفعول على الأساتذة ممّن لم يلتحقوا بمراكز أعمالهم في التعليم.

التعليم عن بُعد حلٌّ يفتقر للمنهجية
تعليم بدون كفايات تعليميّة

وبجميع الأحوال، فإنّ إطلاق العام الدراسيّ لم يكن يسيرًا في ظلّ العقبات التي تواجه الكوادر التعليميّة من ناحية، ومن ناحية أخرى الطلّاب، وذلك في ظلّ عدم تأمين أدنى مُتطلّبات التعليم عن بُعد. هكذا، تُشير رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين بالتعليم الأساسيّ، نسرين شاهين، لـ “مناطق نت”، قائلة: “هناك أحد في القطاع التربويّ يجرؤ على القول إنّ الطلّاب يأخذون الحدّ الأدنى من الكفايات المطلوبة”. وتلفت إلى أنّ “هناك غيابًا في توفير مقوّمات التعليم عن بُعد خصوصًا أنّ الطلّاب غير مُدرّبين على استخدام برنامج (التيمز) Teams الذي خصّصته الوزارة للتعليم، في حين أنّ آلية التعليم الحاليّة تقتصر في الوقت الحالي على الـ واتس آب وإرسال الفيديوات”.

رأي شاهين يتوافق مع ما قاله الأستاذ في إحدى ثانويّات النبطية، حسين فقيه، الذي نزح مع عائلته إلى مدينة بيروت، إذ يؤكّد لـ “مناطق نت” أنّه “في حال استمرار الحرب، المكتسبات والكفاءات العلميّة عبر التعليم عن بُعد التي يأخذها الطلّاب لا تأهّلهم لتجاوز صفوفهم”، موضحًا أنّه “يمكن معالجة هذا الأمر من خلال تخصيص أّول شهرين من العام الدراسيّ المقبل لمراجعة مناهج العام الحاليّ، أو إقامة دورة صيفيّة”.

ويلفت فقيه إلى أنّه “في أيّام السلم لم يكن التعليم عن بُعد تجربة ناجحة في لبنان، إذ إنّنا نفتقر إلى أدنى الإمكانات من أجهزة الكترونيّة وشبكة انترنت جيّدة، وما يزيد من المعاناة هو النزوح الذي دفع كثيرًا من الأساتذة إلى عدم اصطحاب الحواسيب معهم، ولا يمتلكون القدرة الماليّة، سواء الأساتذة أو الطلّاب، للحصول على خدمة الإنترنت”. ويضيف أنّ التعليم يأخذ في الوقت الحالي شكل “إرسال الفيديوات والملفّات التعليميّة عبر الـ واتس آب، لكي يتمكّن التلامذة من البقاء في أجواء الدرس ويصلهم الحدّ الأدنى من المعلومات العلميّة”.

ويُشير إلى أنّ الثانويّات لجأت إلى “تقسيم الصفوف إلى مجموعات على الـ “واتس آب”، وهذا الوضع يبقى أفضل من عدم وجود عام دراسيّ”. وحول تجاوب الطلّاب، يُجيب فقيه “ليس هناك تجاوب كامل بطبيعة الحال نظرًا إلى ظروفهم، ولكنّه يتراوح ما بين 50 و80 في المئة”.

شاهين: هناك غيابًا في توفير مقوّمات التعليم عن بُعد خصوصًا أنّ الطلّاب غير مُدرّبين على استخدام برنامج (التيمز) الذي خصّصته الوزارة للتعليم، في حين أنّ آلية التعليم الحاليّة تقتصر على الـ واتس آب وإرسال الفيديوات

معوقات التعليم الحضوريّ

في السياق عينه، يؤكّد فقيه أنّ “التعليم الحضوريّ لم يكن لينجح، فعلى سبيل المثال، قمت بتسجيل اسمي في ثانويّة الباشورة بناءً على طلب الوزارة، ولكنّ هذه الثانوية تحوّلت إلى مركز إيواء، فكان الخيار أمام الإدارة الانتقال إلى ثانويّة في الكرنتينا، إلّا أنّ أهالي طلّاب الثانويّة نفسها رفضوا ذلك إذ إنّ أبناءهم باتوا يحتاجون إلى كلف إضافيّة للنقل”. ويلفت إلى أنّه “جرى اقتراح اعتماد مبنى في رأس النبع، غير أنّ القصف الإسرائيليّ الذي شهدته المنطقة لم يساهم في نجاح الخطوة، فعدنا إلى التعليم عن بُعد”.

من جانبها، توضح شاهين أنّ “وزارة التربية أصرّت على البدء في العام الدراسيّ للقول إنّ هذا القطاع لم يتوقّف بسبب الحرب، ممّا يُبيّن أنّها نجحت  في عملها، كذلك فإن لذلك مصلحة للقطاع التربويّ، فضلًا عن سبب مرتبط بالحصول على الأموال من الجهات المانحة”. وتلفت إلى أنّ “انطلاق العام الدراسيّ لم يكن على المستوى المطلوب مقارنةً مع الأعوام السابقة بسبب الحرب، وإن الخطّة التي وضعتها الوزارة وطريقة تنفيذها ليستا على المستوى المطلوب أيضًا”، مضيفة “منذ الأسبوع الأوّل لافتتاح المدارس بدت مُتعثّرة إذ لم يلتحق سوى 30 في المئة من الكادر التعليمي و10 في المئة من الطلّاب، أمّا الأسبوع الثاني فارتفع إلى نحو 70 في المئة”.

وتؤكّد شاهين أن “أكثريّة المدارس تعتمد التعليم عن بُعد، وحتّى المدارس التي قرّرت التعليم الحضوريّ واجهت عدّة إشكاليّات، منها الدوام المسائّي وحذف مواد إجرائيّة بكاملها (مثل الفنون والرياضة واللغات الثانية وغيرها)، وتقليص أيّام التعليم إلى ثلاثة بدل خمسة، ومن 21 حصة إلى 30 حصة في حين لم يتمّ تقليص المنهج، وهذا ما أدّى إلى عشوائيّة في تطبيق المنهج من مدرسة إلى أخرى”.

وتُشير شاهين إلى إشكاليّات أخرى متعلّقة “بانتقال الطلّاب من مدراس قريبة من منازلهم إلى مدارس بعيدة بسبب تحويلها إلى مراكز إيواء، فمثلًا مدرسة شكيب أرسلان الواقعة في ڤردان، والتي تحوّلت إلى مركز إيواء، توزّع نحو ألف طالب على مناطق أخرى مثل الأشرفيّة، الأمر الذي كبّد الطلّاب أعباء النقل والمخاطرة الأمنيّة وأدى إلى رفض الأساتذة والطلّاب الانتقال”.

طلاب نازحون في أحد مراكز الإيواء.. أعباء الدراسة والنزوح

وتتحدث شاهين عن أنّ “الأساتذة المتعاقدين الذين يُشكلون 70 في المئة من الكادر التعليميّ كانوا ضدّ العودة إلى التعليم بسبب تصاعد الحرب من ناحية وعدم تلبية مطالبهم من ناحية أخرى، ولكن بعد انطلاق العام الدراسيّ قرّرنا العودة إلى لتعليم بسبب الوضع المادّيّ الصعب والحاجة إلى المدخول”. وتوضح أنّ الرابطة تُطالب “برفع أجر الساعة المحّدد حاليًا بـ 150 ألف ليرة وبدل الإنتاجيّة المحدّد بـ 300 دولار، إضافة إلى ذلك هناك مشكلة تقليص أيّام التعليم الذي أدّى بدوره إلى تقليص ساعات الأساتذة إلى النصف تقريبًا”. وتُشير إلى أنّ “الأساتذة المتعاقدين ممّن يُعلّمون المواد الإجرائيّة لم يعد لديهم ساعات تعاقد ممّا يهدّد عقودهم، والأساتذة المستعان بهم لم يحصلوا على بدل إنتاجيّة منذ أشهر الصيف، ومشكلتهم عالقة بين اليونيسف ووزارة التربية”.

غياب الثقة بالتعليم عن بُعد

على الجانب الآخر، هناك بعض الثانويّات الرسميّة قرّرت خوض تجربة التعليم الحضوريّ، حيث ساعدها على ذلك وجودها في مناطق تُعتبر إلى حدّ ما آمنة. ومن بينها ثانويّة سعد نايل التي يؤكّد مديرها شادي شحيمي لـ”مناطق نت”، أنّ “وزارة التربية تركت لنا حرّيّة الخيار، فاخترنا التعليم حضوريًّا لأنّنا نعتبره أكثر نجاحًا، ويمكن تبيان ذلك من خلال مقارنتنا مع مدرسة الأونروا التي تبعد عنّا مئات الأمتار والتي اضطرّت إلى التحول للتعليم عن بُعد بسبب تحوّلها إلى مركز إيواء، ممّا أدّى إلى انتقال عدد كبير من طلّابهم إلى مدرستنا. وهذا ما يُبيّن أنّ الأهالي غير مقتنعين بالتعليم عن بعد ويعتبرونه غير فعّال”.

ويلفت شحيمي إلى أنّ “الثانويّة التزمت بتعميم الوزارة المتعلّق بعدد الساعات المقرّرة والمقتصرة على ثلاثة أيّام، ونُحضّر برنامج تعويض في اليومين الرابع والخامس بتوجيهات من المديريّة العامّة للتربية وبدعم برنامج من تمويل الإمارات العربيّة المتحدة”. ويلفت إلى أنّه “من ناحية انتظام العمل فهو طبيعيّ جدًّا والتزام الطلّاب بالحضور شبه تامّ خصوصًا أنّ معظمهم يقطن في المحيط وكذلك الأمر بالنسبة إلى التحاق الأساتذة”.

ويؤكّد أنّ “الطلّاب النازحين المتواجدين في البلدة ومحيطها تسجّلوا في ثانويّتنا، الأمر الذي رفع عدد الطلّاب، الذين فضّلوا التعليم الحضوريّ على التعليم عن بُعد على رغم أنّهم كانوا مسجّلين في مدارس بلداتهم قبل النزوح وكان بإمكانهم الالتحاق بها عن بُعد”.

هناك بعض الثانويّات الرسميّة قرّرت خوض تجربة التعليم الحضوريّ، حيث ساعدها على ذلك وجودها في مناطق تُعتبر إلى حدّ ما آمنة

المدارس الخاصّة غير جاهزة

هذا على صعيد التعليم الرسميّ، أمّا على صعيد التعليم الخاصّ، فالأمر ليس أفضل حالًا، إذ تُشير رئيسة اتّحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصّة، لمى الطويل، في حديث لـ “مناطق نت” إلى أنّ “العام الدراسيّ في المدارس الخاصّة لم ينتظم بعد، ولا سيّما تلك التي لم يكن لديها جهوزيّة للتعليم عن بُعد في المناطق غير الآمنة”، موضحةً أّن “هذا ما يُفسّر عدم انطلاق العام الدراسيّ في عدد من المدارس في الجنوب والبقاع على رغم محاولتهم تنظيم أنفسهم”.

وترى الطويل أنّ “غالبية المدارس الخاصّة لم تستدعِ الأهل كي تشرح لهم خطّة الإخلاء ولم تحضّر الجهوزيّة الداخليّة في حال اضطرار التلاميذ للبقاء في المدرسة بسبب ظرف ما، وهذا ما ظهر من خلال انتشار فيديو لتلامذة يقومون بتصوير الغارات الإسرائيليّة في حين كان من المفترض أن ينتقلوا إلى مكان آمن في المدرسة”. وتُشّدد على أنّه “يجب أن يكون هناك رقابة من وزارة التربية للتأكّد من جهوزيّة هذه المدارس التي تعتمد التعليم الحضوريّ”.

وتلفت الطويل إلى “أنّنا كنّا نطالب بأن يستند التعليم إلى العدالة والشمولّية والأمان، إلّا أنّ ذلك لم يتحقّق بشكل كامل بسبب ظروف الحرب، لكن يبقى من الأفضل أن نقدّم التعليم بقدر المستطاع إلى الطلّاب النازحين لحين انتهاء الحرب وعودتهم، ويمكنهم آنذاك التعويض، وهذا أفضل من إبقائهم بلا تعليم نهائيًّا”.

زيادة أقساط عشوائية

وانطلاقًا من ذلك، ترى الطويل أنّه “وفقًا لإمكانيّات الوزارة والأهل لا يمكن الحديث عن خطّة ناجحة، وإنّما خطّة تسير في الطريق الصحيح بغية تقديم التعليم إلى جميع الطلّاب، وتحتاج إلى بعض الوقت لتخطّي الصعوبات وتأمين الاحتياجات من إنترنت وغيره”.

وفي ما يتعلّق بالأقساط، تؤكّد الطويل أنّ “الأقساط في المدارس الخاصّة وضعت بطريقة عشوائيّة وارتفعت بطريقة مهولة وغير منصفة للأهل. ويتمّ مطالبة الأهالي بمبالغ تفوق قدراتهم في ظلّ الأوضاع الحاليّة”. وتُشير إلى أنّ” وزير التربية أعلن أنّه يجب دفع 30 في المئة من قيمة القسط المحدّد العام الماضي و10 في المئة من قيمة التسجيل، وعلى الأهالي التزام هذا القرار، وعلى المدارس عدم المطالبة بأكثر من ذلك”.

وتختم “ينبغي على المدارس التي تُعلّم عن بُعد أن تخفّض الأقساط بنسبة 35 في المئة على الأقل إذ لا توجد مصاريف تشغيليّة ولا بدلات نقل للأساتذة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى