الكهرباء في جزين.. من نعمة التغذية إلى كارثة الفواتير الجديدة!
تغيّر جذريًّا حال مدينة جزين وقراها بعد الأزمة الّتي فتَحت أبوابًا كثيرة للاستغلال والاحتكار، فلطالما تمتّع أهالي جزين بساعات تغذية كهربائيّة شبه دائمة، لكن الأزمة وما تلاها نجحت في تغيير هذا الواقع وبدّلته جذريًا، بعد أن صُدِم الأهالي بالأرقام التي تضمنتها فواتير مؤسسة كهرباء لبنان مقابل الخدمات الكهربائيّة.
منذ أشهر قليلة، يعيش أبناء مناطق قضاء جزّين أزمات معيشيّة حقيقيّة ومتتالية، خاصّة بعد صدور فواتير الكهرباء العائدة لشهريّ تشرين الثاني وكانون الأوّل لعام 2022، حيث تضمّنت أرقامًا خياليّةً لا يستوعبها عقل من يتقاضى راتبًا لا تتخطّى قيمته 15 مليون ليرة لبنانيّة، أي ما يعادل 150 دولارًا أميركيًّا تقريبًا.
وبالرّغم من أنّ الرقم المطلوب قد يكون محقًّا مقارنةً بساعات التغذية الكهربائيّة الّتي تستفيد منها معظم بلدات قضاء جزّين، إلّأ انّ صرخة المواطن الجزّينيّ متوسّط الحال محقّة أيضًا، في ظلّ تدهور الأوضاع الإقتصادية وفقدان الليرة قيمتها مقابل الدولار، خاصّة وأن الرقم ارتفع بشكلٍ مفاجئ دون الأخذ بعين الاعتبار رواتب أبناء جزين الّذين يعمل معظمهم في القطاع العام المُفلس. فما السّبب وراء صدور فواتير كهربائيّة مفاجئة بأرقام خياليّة في جزين؟
المياه مجانيّة والكهرباء ثمينة
إنطلاقًا من صرخة المواطن الجزّيني المحقّة، المليئة بالألم و”الفقر”، تؤكّد عائلة جزينيّة تعيش في منطقة “عين المير” لـ “مناطق نت”، أنّ فاتورة الكهرباء الأخيرة صدمتهم بعد أن بلغت قيمتها حوالي 16 مليون ليرة لبنانيّة، ولم يتمكّنوا من دفعها حتّى اليوم. وذلك لأنّ ربّ هذه الأسرة يتقاضى راتب لا تتخطّى قيمته 12 مليون ليرة، أي أقل من قيمة فاتورة الكهرباء بأربعة ملايين.
تسفيد المناطق الجزينيّة ما عدا ثماني بلدات، من الطاقة الكهربائيّة المولّدة عن طريق المياه، تحت إشراف مصلحة نهر اللّيطاني. وبالتّالي، تنعم هذه البلدات بعشرين ساعة تغذية يوميًّا منذ سنواتٍ عدّة، واستمرّ ذلك حتّى في بداية الأزمة الّتي ضربت قطاع الطّاقة، وسبّبت عجزًا في توليد الكهرباء إلى البيوت والمؤسّسات في معظم المناطق والمدن اللبنانية. إذًا ما سبب ارتفاع قيمة فواتير الكهرباء في منطقة تستفيد تقنيًا من طاقة كهربائيّة شبه مجانيّة ومن المياه المتوفّرة أساسًا في اللّيطاني؟
تسفيد المناطق الجزينيّة ما عدا ثماني بلدات، من الطاقة الكهربائيّة المولّدة عن طريق المياه، تحت إشراف مصلحة نهر اللّيطاني. وبالتّالي، تنعم هذه البلدات بعشرين ساعة تغذية يوميًّا منذ سنواتٍ عدّة
هناك العديد من القرى والبلدات في قضاء جزين والشّوف والنّبطيّة تستفيد من الطاقة الكهرومائية، بعد أن أنعم عليها مشروع اللّيطاني بذلك، لكن معظم أبناء هذه البلدات لا يدركون أن مؤسّسة كهرباء لبنان تشتري “الطّاقة” المولّدة عن طريق مشروع اللّيطاني بتسعيرة متدنيّة، ثم تُعيد بيعها للمواطن المستفيد من هذه الخدمة بأسعار عالية وخياليّة، بهدف توزيعها ضمن الشّبكة الكهربائيّة الرسميّة.
وبعد حلول الأزمة وإقرار قانون تعديل تسعيرة الكيلوواط الكهربائيّ، ارتفعت الأرقام بشكل كبير، على الرّغم من أنّ المسؤولين عن مشروع اللّيطاني، متمسّكين بالتسعيرة السّابقة حتّى اليوم، ممّا يطرح علامات استفهام عدّة، حول قرارات وزارة الطّاقة العبثيّة الّتي تحاول تعويض العجز الماضي بأرقام ماليّة خياليّة تحت عنوان “خدمات الدولة تبغى الرّبح”.
نعمة أم نقمة؟
في ظلّ أزمة الكهرباء يعيش المواطن الجزّينيّ أزمة أخرى، بين رغبته في الحصول على حقّه الطبيعي من الكهرباء، وبين تهربّه من مسؤوليّة ترشيد إستخدام هذه الطّاقة ودفع المستحقّات المتوجّبة عليه كاملةً. إلّأ أن تخلّفه عن دفع الفواتير الخياليّة سيسحب من يده ميزة التّمتع بكهرباء شبه دائمة، وسيقع ضحيّة كارتيل المولّدات الخاصّة بكلّ سيّئاتها. فالمواطن الجزّيني لم يقع ضحية كارتيل المولّدات الخاصّة كغيره من اللّبنانيين سابقًا، ولم يدفع مبالغ طائلة لأصحاب المولّدات طوال فترة الأزمة، فهو يستفيد من تغذية يوميّة شبه دائمة، ويستهلك الطاقة الكهربائيّة بلا حدود.
من جهتها شدّدت النائب عن منطقة جزّين غادة أيّوب لـ “مناطق نت”، على أهميّة استهلاك الكهرباء بوعي تامّ وانتباه، لأنّ الدّولة لن تتهاون بجباية الفواتير. وأشارت إلى أنّ ترشيد استخدام الطّاقة الكهربائيّة هو السّبيل العمليّ الوحيد لتخفيض فاتورة الكهرباء، خاصّةً وأنّ لا سبيل قانوني لحل الأزمة في المنطقة، فجزّين لا تتمتّع بتميّز قانوني خاصّ بالكهرباء، كما هو الحال في منطقة زحلة مثلًا. وأكّدت أيوب أنّ التّخلّف عن دفع الفواتير سيرتدّ سلبًا على ساعات التغذية لأن مؤسسّة كهرباء لبنان ستخفّض ساعات التغذية وتعيد توزيعها لمناطق أخرى بحال لم يدفع أهالي المنطقة ما يتوجّب عليهم من فواتير ومستحقّات للدولة.
ما قالته النائب أيوب حدّث فعلًا، إذ نفّذَت مؤسسة كهرباء لبنان تهديداتها، وخفّضت ساعات التغذية من 20 ساعة يوميًا إلى 8 ساعات غير متواصلة، في ظلّ موجة حرّ خانقة لم يشهد لبنان مثيلًا لها منذ سنوات طويلة، ليصبح الضغط على أبناء حزين مضاعفًا، بالحرارة العالية والفواتير الخياليّة.
وبالرّغم من تبرير مؤسّسة كهرباء لبنان من أنّ تخفيض ساعات الكهرباء حصل نتيجة الضغوط على الشبكة جرّاء تشغيل المكيفات والثلاجات وغيرها، إلّا أنّ أبناء المنطقة لم يقنعهم ذلك التبرير، عازين السبب في التقنين لتأخّرهم عن دفع الفواتير واعتبروا أن ذلك بمثابة إنذار وتهديد.
لذلك تقول أيّوب أنّها طالَبت الجهات المختصّة بإعطاء فترة سماح للأهالي ليتمكّنوا من جمع المبلغ ودفعه. ورفعت الصّوت إلى جانب زميلها سعيد الأسمر وطالبت بتعديل التسعيرة وتخفيضها، لكنّها لم تلقَ إجابة نهائيّة إذ أن الاقتراح لا يزال قيد الدّراسة. ولا تزال تضغط مؤسّسة كهرباء لبنان على أهالي جزّين لعجزها عن إيجاد حل جذريّ لأزمة الكهرباء. وتحاول تشتيتهم بالبحث عن طرق لدفع الفواتير بدلًا من المطالبة بتأمين الكهرباء بشكل دائم وبأسعار تتناسب مع مداخيلهم لكل الشّعب اللّبنانيّ دون تمييز.