اللاجئون السوريون يتريثون بالعودة.. العوائق والأسباب

لم يكن الشاب السوريّ علي ياسين، وهو رب أسرة مؤلّفة من خمسة أبناء تراوح أعمارهم بين السنتين والـ 10 سنوات، يتوقع قبل شهر من اليوم أنّ شغله الشاغل مع عائلته هو كيفيّة تأمين مقوّمات العودة إلى بلاده. في الحديث مع علي وسؤاله عن قراره بالعودة أو عدمها، يسارع إلى الإجابة أنّ هذا الأمر ما زال محلّ تشاور في داخل العائلة منذ سقوط نظام الأسد، فزوجته تلحّ عليه بالعودة لكنّ عدم امتلاكه منزلًا في سوريّا، وتدمير منزل أهله وتحوّلهم إبّان الأحداث السوريّة إلى لاجئين في مخيّم على الحدود التركيّة في بلدة بطمة، جعل اتّخاذ مثل هذا القرار يخضع إلى حسابات كثيرة.

علي المتواجد في لبنان منذ العام 2017 بعدما “هرب من بطش النظام السابق”، استقرّ في طرابلس واستأجر منزلًا مقابل 150 دولارًا شهريًّا، وهو مبلغ كبير نظرًا إلى المدخول الذي يحصل عليه، وفقًا لقوله. لذا، يجزم في حديث مع “مناطق نت” بأنّه في حال “اعطائي غرفة في سوريّا فلن أبقى ساعة واحدة في لبنان خصوصًا أنّ الوضع الاقتصاديّ غير مشجّع، وليس أفضل بكثير من سوريّا، بل على العكس، من المنتظر أن تكون هناك حركة اقتصاديّة في سوريّا مع انطلاق إعادة التعمير”.

قصّة علي تشابه إلى حدّ كبير قصّة ياسين ياسين الذي انتقل من منزله في ريف إدلب الجنوبيّ إلى باب التبّانة منذ 13 عامًا ليعمل بائع خضار. يعدّد ياسين الصعوبات التي تحول دون عودته إلى بلده التي يزورها حاليًّا لقضاء العطلة قبل أن يعود إلى لبنان بعد انتهاء الأعياد.

عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم دونها عقبات

يلفت ياسين في حديث لـ “مناطق نت” إلى أنّ “معظم منازلنا مدمرة إمّا بشكل كامل أو جزئي، وما يزيد من صعوبة العودة هو أنّنا على أبواب فصل الشتاء وهناك غياب لمقوّمات الحياة في منازلنا في سوريّا، من تأمين التدفئة إلى أثاث المنزل وغيره، ولكن عند انتهاء فصل الشـتاء سأعود إلى سوريّا حتّى لو سكنت في خيمة”.

ويعوّل ياسين على “المنظّمات أو الجهات الدوليّة في مسألة إعادة التعمير ولكن في حال عدم قيامها بذلك فسأعمد إلى تأهيل منزلي المدمّر بشكل جزئيّ من مالي الخاصّ”.

غياب الإحصاءات الرسميّة

لطالما أثارت أعداد السوريّين في لبنان جدلًا حول صحّة أرقام اللاجئين إليه، في ظلّ غياب إحصاءات دقيقة أو رسميّة لأعدادهم، إلّا أنّ بعض التقديرات غير الرسميّة تشير إلى أنّ عددهم يبلغ حوالي مليون و700 ألف لاجئ.

وخلال الحرب الإسرائيليّة على لبنان عاد نحو 420 ألف سوريّ إلى بلادهم، ممّا أدى إلى انخفاض عددهم في لبنان إلى حوالي مليون و300 ألف لاجئ. بينما تشير أرقام المفوّضيّة السامية لشؤون اللاجئين إلى عودة 300 ألف نازح سوريّ من لبنان إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد.

رغبة جماعيّة بالعودة

من ناحيته، يؤكّد المحامي محمد صبلوح المتواجد في سوريّا، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّه في أثناء جولته في سوريّا “ومن خلال علاقاتي مع اللاجئين السوريّين أشعر بجوّ عام يدفعهم للعودة إلى بلداتهم وقراهم، وقد صادفت كثيرًا من اللاجئين الذين انتقلوا إلى منازلهم من أجل إصلاحها ونقل عائلاتهم إليها تباعًا، إلّا أنّ ذلك يحتاج إلى بعض الوقت”. ويلفت صبلوح إلى أنّ “اللاجىء السوريّ في لبنان يحصل على مساعدات من قبل المفوّضيّة العليا للاجئين، ومن المنتظر أن تتوقّف الجهات الدوليّة عن تقديم هذه المساعدات بعد سقوط النظام”.

معوّقات تعطّل العودة

ويقول زياد عزيز، مسؤول البرامج في جمعيّة غوث للإغاثة والطوارئ التي تستقبل عددًا كبيرًا من اللاجئين في مراكزها الطبّيّة “من خلال الاحتكاك المباشر مع اللاجئين في المراكز الطبية، يتبيّن أن أكثر من نصفهم يذهبون في الوقت الحالي لمُعاينة منازلهم وأحيائهم ومن ثمّ يعودون إلى لبنان”، مضيفًا أنّه “كان لدى اللاجئين فكرة مسبقة عن حجم الدمار، ولكن معاينتهم على أرض الواقع يؤثر بشكل أكبر في قرار العودة إذ يوجد مناطق مدمّرة بأكملها”.

خلال الحرب الإسرائيليّة على لبنان عاد نحو 420 ألف سوريّ إلى بلادهم، ممّا أدى إلى انخفاض عددهم في لبنان إلى حوالي مليون و300 ألف لاجئ.

ويلفت عزيز إلى أنّه ” لمس رغبة كبيرة جدًّا لدى اللاجئين بالعودة، إلّا أنّ هناك عدّة عوامل تتحكّم بهذا الملف”. ويوضح أنّ “هناك عاملًا مهمًّا يتمثّل في ارتباط جزء كبير من اللاجئين بأعمال معيّنة في لبنان ويحتاجون إلى وقت لتصفيتها، وآخرين لديهم تلامذة في المدارس يُفضّلون انتظار انتهاء العام الدراسيّ للعودة، وكذلك أنّ هناك عاملًا مرتبطًا بمستقبل سوريّا والوضع الأمنيّ الذي يدفع إلى التريث قبل الإقدام على هذه الخطوة”.

هذه العوامل يوافق عليها صبلوح الذي يرى أنّ “أحد أهمّ الأسباب التي أدّت إلى نزوح السوريّين هو بطش النظام، وهذا السبب سقط مع سقوطه، وباتت هناك بيئة آمنة يمكنها استقبال اللاجئين، إلّا أنّ هناك معوّقات أخرى تحول دون عودتهم في الوقت الحالي، يأتي في طليعتها الخوف من نشوب اقتتال داخليّ في بعض المناطق السوريّة”. ويلفت إلى أنّ “كثيرًا من أبناء اللاجئين يتابعون تعليمهم في لبنان ومن الصعب نقلهم حاليًّا إلى مدارس في سوريّا”.

الدولة اللبنانيّة وملفّ العودة

ويُشير صبلوح إلى أنّ “هناك مشكلة تتعلّق في أنّ عددًا كبيرًا من أبناء اللاجئين ممّن وُلدوا في لبنان غير مسجّلين لا في لبنان ولا في سوريّا وإنّما فقط لدى مفوّضيّة اللاجئين، وهذا يحتاج إلى معالجة سريعة بين السلطتين السوريّة الجديدة واللبنانيّة من أجل تأمين تنظيم أوراقهم الرسميّة بغية تأمين عودتهم”، مؤكّدًا أنّ “هناك جزءًا كبيرًا من اللاجئين محجوزة هوّياتهم لدى الأمن العام اللبنانيّ، ويتوجّب عليه إعادتها لهم كي يسهّل عودتهم”.

ويوضح صبلوح أنّه “منذ أكثر من عام مارست بعض الأطراف في الدولة اللبنانيّة أبشع أنواع الحملات ضدّ اللاجئين السوريّين، وكانت الحكومة تبتزّ المجتمع الدوليّ بهذا الملفّ من أجل تحصيل الأموال والمساعدات، واذا كانت الحكومة جدّيّة في الوقت الحاليّ بإعادة اللاجئين فعليها تذليل جميع العقبات وتأمين الظروف التي تسهّل وتشجّع دخول السوريّين إلى بلادهم، مثل تخفيض الرسوم على نقل أثاث المنزل وغيرها من الإجراءات، فالدعوات لغاية اليوم ما زالت إعلاميّة من دون أيّ إجراءات جدّيّة على الأرض”.

من جانبه، يرى رئيس المركز اللبنانيّ لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّه “يجب على الدولة اللبنانيّة مقاربة ملفّ اللجوء بمسؤوليّة، فاللاجئون ليسوا كتلة واحدة يمكن إعادتها إلى سوريّا دفعة واحدة، لذا يجب على الدولة إنشاء آليّة جدّيّة لإحصاء اللاجئين وتحديد الشخص اللاجئ والشخص غير اللاجئ، ومن المحتمل أن تتغيّر صفات اللجوء”. ويضيف: “يجب وضع آليّة لمساعدة اللاجئين ممّن يريدون العودة والتواصل مع السلطات السوريّة الانتقاليّة وحثّها على تسهيل العودة وعلى خلق شروط مؤاتية لعودة جميع السوريّين”.

دمار البيوت في سوريا أحد أبرز الأسباب التي تحول دون عودة اللاجئين

وفي السياق عينه، تجد المحاميّة والحقوقيّة ديالا شحادة، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ “تعامل الدولة مع هذا الملف فاشل، فقد تواصلت الأسبوع الماضي مع أحد مسؤولي مفوّضيّة اللاجئين فأكّد لي عدم تواصل الجهات الرسميّة اللبنانيّة معه، في حين ينبغي التشاور مع المفوّضيّة حول كيفيّة مقاربة هذا الملفّ ومعرفة خطّتها لإعادة اللاجئين”.

أولويّة إعادة الإعمار

وترى شحادة أنّه “لا يمكن القول إنّ الأشخاص الذين فرّوا من سوريّا خوفًا من الاضطهاد، زالت جميع الأسباب الموجبة لاعتبارهم لاجئين، بل إنّ التريُّث مطلوب حتّى يصبح هناك استقرار أمنيّ على جميع الأراضي السوريّة”. وتلفت شحادة إلى أنّ “الإحصاء العلميّ الوحيد الذي اطّلعت عليه، كانت قد أجرته جمعيّة “مبادرة المساحة المشتركة” قبل سنوات عديدة، يُظهر أنّ معظم اللاجئين نزحوا من مناطق مدمّرة، وهذا ما يؤكّد أنّ أسباب النزوح ترتبط بجزء منها في بطش النظام والخوف من النزاع المسلّح، ولكن هناك جزءًا مرتبطًا بغياب المكان الذي سيعودون إليه”.

مُحدّدات ومعوّقات العودة المذكورة سالفًا، لا تختلف كثيرًا بالنسبة إلى الأسمر الذي يؤكّد أنّ “الملفّ معقّد أكثر من مسألة سقوط النظام أو عدم سقوطه، مع الإصرار على أنّ هذا السقوط أزال عقبة أساسيّة أمام عودة اللاجئين، إلّا أنّ هناك معوقات أخرى مرتبطة بوجود الاستقرار وإلّا سيكون هناك تردّد من قبل اللاجئين تجاه العودة، والمعوّق الثالث يرتبط في أنّ هناك كثيرين من اللاجئين دُمّرت بيوتهم في سوريّا وهنا تبرز أهمّيّة إعادة التعمير”.

ويوضح الأسمر أنّ “هناك ضرورة للعمل مع السلطات السوريّة الجديدة لتأمين ضمانات للعائدين بعدم ملاحقتهم إلّا في حال ارتكابهم لجرائم يحاسب عليها القانون، وألّا تتمّ ملاحقة أيّ شخص بناءً على رأيه”، مضيفًا أنّه “من واجب السلطات السوريّة الجديدة وضع آليّة لإعادة دمج اللاجئين والنازحين في الداخل وتأمين الاستقرار في قراهم ومناطقهم”.

الأسمر: هناك ضرورة للعمل مع السلطات السوريّة الجديدة لتأمين ضمانات للعائدين بعدم ملاحقتهم إلّا في حال ارتكابهم لجرائم يحاسب عليها القانون، وألّا تتمّ ملاحقة أيّ شخص بناءً على رأيه

غياب الوضع القانونيّ

ويستدرك الأسمر أنّه “منذ بداية الأزمة السوريّة، قرّرت تركيّا عدم الاعتراف بالسوريّين كلاجئين وإنّما كضيوف، وحدّدت الحقوق والواجبات التي تقع على عاتقهم، ومن دون إغفال تعرّضهم إلى كثير من الاضطهاد، إلّا أنّه كان هناك إطار قانونيّ للاجئين”، مضيفًا “في لبنان عمدت الدولة إلى إلغاء هذا الاطار القانونيّ، فكان مطلبنا إعطاؤهم وضعًا قانونيًّا، يُجدَّد طالما الوضع في سوريّا حال حرب ويُلغى عند تحقيق التغيير السياسيّ”.

ويخلص الأسمر إلى أنّه “من المفترض أن تكون الخطوة الأولى هي تحفيز اللاجئين القادرين على العودة على اتّخاذ هذه الخطوة، أمّا المرحلة الثانية فتقتضي أن تقوم الدولة بدراسة ملفات اللاجئين بشكل جدّيّ لتحديد الأشخاص الذين قد يكون هناك خطر على حياتهم في حال العودة، ومن ثمّ يمكن القيام بخطوات متقدّمة مثل عدم تجديد الأوراق الرسميّة وغيرها من الخطوات”.

دعوات دوليّة للتريث بالعودة

وفي وقت سابق، دعت المنظّمة الدوليّة للهجرة إلى التريّث في العودة إلى سوريّا بعد سقوط النظام. وأكّدت المنظّمة التابعة للأمم المتّحدة أنّ عودة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريّين إلى ديارهم ستضغط على البلاد وقد تؤثّر في عمليّة السلام الهشّة هناك.

وقالت إيمي بوب، مديرة المنظّمة من جنيف إنّها لا تشجّع العودة على نطاق واسع. وأضافت أنّ “البلدات ليست مستعدّة بصراحة لاستيعاب النازحين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى