اللبوة ترتدي ثوب المدينة والمؤسّسات.. وتتحضّر لمركز القضاء
لعوامل عديدة، وأهمّها موقعها الوسطيّ الّذي يشكّل نقطة عبور بين بعلبك والهرمل، عجّت “اللبوة”، تلك الضيعة المتواضعة، بالمؤسّسات التجاريّة والدوائر الحكوميّة والمراكز العسكريّة والطبّيّة، والصيدليّات والمطاعم ومحطّات الوقود، على امتداد الاوتوستراد الدولي فيها. كلّ ذلك، إضافةً إلى الطفرة العمرانيّة الّتي نمت تدريجيًّا، ما حوّلها من قرية أو كما يسمّونها أبناؤها “الضيعة العتيقة”، إلى مشروع مدينة بامتياز.
تحتلّ اللبوة من كيلومترين إلى ثلاثة كيلومترات من الأوتوستراد الدوليّ، بدءًا من البزّاليّة أو التوفيقيّة، وصولًا إلى النبي عثمان، وتمتدّ شرقاً نحو ثلاثة كيلومترات باتّجاه عرسال، وبالتحديد منطقة عين الشعب. كما تمتدّ غرباً حتّى منطقة سهول اللبوة. وتُعد اللبوة اليوم من ضمن البلدات والقرى التي ترتدي وشاح المدن، ويعود ذلك إلى مجموعة من المقوّمات التي باتت تتميّز بها، ما يؤهلها لتصبح مدينة بكيانٍ خاصّ ومستقلّ.
مَنبَط الينابيع
لعلّ موقعها الجغرافيّ هو العامل الأساس والأهمّ الّذي يبرّر تحوّل قرية صغيرة كاللبوة إلى محطّة رئيسة للعبور من بعلبك إلى الهرمل. إذ إنّها تشكّل نقطة وسطيّة ما بين المدينتين، ونقطة ارتكاز للعديد من القرى المتفرّعة. يضاف إلى ذلك، موقعها على الأوتوستراد الدّولي بين بيروت اللبنانية وحمص السوريّة، بالقرب من نبع اللبوة الذي يرفد نهر العاصي. كلّ هذه العوامل شكّلت القاعدة الأساس التي سمحت لبلدة اللبوة بالتطوّر سريعاً، والانتشار عمرانيّاً وديموغرافيّاً.
لعلّ موقعها الجغرافيّ هو العامل الأساس والأهمّ الّذي يبرّر تحوّل قرية صغيرة كاللبوة إلى محطّة رئيسة للعبور من بعلبك إلى الهرمل. إذ إنّها تشكّل نقطة وسطيّة ما بين المدينتين، ونقطة ارتكاز للعديد من القرى المتفرّعة
تتفرّد اللبوة في غناها بالمياه، شمالاً، قياساً إلى القرى والبلدات المحيطة بها والتي لا ينابيع فيها. يعمّ خير اللبوة على محيطها من القرى والبلدات، ويمتدّ إلى سهولها في زبود والنبي عثمان والعين، حتّى الهرمل والقاع، حيث إنّ نبع اللبوة الواقع في وسط البلدة هو منبع أساسيّ لنهر العاصي الذي يعبر من مدينة الهرمل وصولًا إلى سوريّا.
في اللبوة كذلك، نبع “الرويس” الذي يروي أكثر من خمس قرى مثل جبولة، زبود، الدورة، حربتا، ونبع القنا. يوزّع نبع الرويس خيراته باتجاهين، قسم منه يروي العين والنبي عثمان وجديدة الفاكهة، وآخر يصل إلى بلدة القاع جارة الهرمل، الواقعة على الحدود السوريّة. بالإضافة إلى نبع ساقية العيانة والذي يروي أيضًا أراضي النبي عثمان وجبولة.
اللبوة والإنتشار السكّاني- العائليّ
تشكّل اللبوة نقطة استراتيجيّة في القضاء، ونقطة ربط بين الجوار، إن باتجاه السهول نحو الدورة وحربتا وحوش الحسينيّة وصبوبا، أو باتجاه عرسال في السلسلة الشرقيّة. في هذا الصّدد يشير الأستاذ إبراهيم جنبلاط، نائب رئيس بلديّة اللبوة سابقاً وعضو بلدي حالياً، لـ”مناطق نت” إلى “أنّ موقع اللبوة الاستراتيجيّ شجع الدولة اللبنانيّة على مركزة العديد من المؤسسات فيها، ومنها مركز دائرة النفوس الذي يخدم حوالي 22 بلدة وقرية، وبالتالي كلّ أهالي القاع الذين يبعدون عن اللبوة مسافة نحو 25 كيلومتراً، فينجزون أوراقهم ومعاملاتهم في هذه الدائرة”.
في وقت مضى، كانت اللبوة تتمركز في محلّة السهل فقط، حيث يقع حصن اللبوة، التي أضحت اليوم محلّة “غرب اللبوة” وقد كانت تُسمّى الضيعة العتيقة”. تُعدّ اللبوة بحسب تعبير جنبلاط “من أقدم القرى في بعلبك –الهرمل، وعمرها نحو 5800 سنة”، لافتاً إلى أنّ هناك “منطقة واحدة في جبيل تتمتّع بالأقدمية نفسها.
تدريجيّاً بدأ الإمتداد العمرانيّ شرقاً، لتأخذ اللبوة شكلها الحاليّ، إذ كانت سابقاً تقتصر على حوالي 14 عائلة هي عائلات: حيدر، جنبلاط، عبدو، عمار، رباح، شريف، حوري، زويط، العيتاوي، بلوط، يحيى، العس، أمهز، وحجولا. أمّا اليوم فقد تجاوز عدد سكّان اللبوة 19500 نسمة، والناخبون فيها نحو 7500 ناخب. كما ازداد عدد العائلات المستوطنة فيها، والتي أصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من بلدة اللبوة، مثل عائلتي شمص وسرور اللتين قدمتا من عسال الورد. عائلة بلوق من بعلبك. وعائلات قدمت من الهرمل، على نحو: زنيط، حيدر أحمد، حمود، وهبي، مُنى، خليل، المولى، سيف الدين (المعروفة بالصّوص)، حسن، حبش، خزعل، القانوني، قمهز، الدربلي، خضر، دندش، والهبش. وعائلات: القميحة، خيرالدين جلوان. بالإضافة إلى عائلات وفدت إلى اللبوة حديثاً ومنها آل جابر وآل أحمد من ريحا.
اللبوة الصناعيّة- التجاريّة والتعليميّة
هذا التطور الديموغرافي الكبير في عدد السكان وتمركزهم وانتشارهم في اللبوة رفع من حركة العمران في البلدة بنسبة عالية. يقول جنبلاط : “إنّ اللبوة أصبحت بالإضافة إلى المنطقة السكنيّة فيها والتي تتمركز شرقاً، تغتني بالمؤسّسات التجاريّة على أنواعها، والتي تنتشر على جانبي الأوتوستراد الدوليّ فيها، وهي التي تؤمّن احتياجات سكّان البلدة وحاجات سكّان القرى المجاورة المرتبطة بها. ففي بلدة اللبوة ثلاثة معامل تريكو، معمل إسفنج، ومعمل مخصّص للأغطية والفرش، بالإضافة إلى محلات صناعيّة كثيرة، وأكثر من سبع صيدليات، ومن ستّ محطّات وقود. وقد كانت فيها سابقًا ثلاثة مصارف، لكنّ اثنين منها أقفلا ولم يبقَ سوى مصرف واحد”.
تضم بلدة اللبوة ثلاثة معامل تريكو، معمل إسفنج، ومعمل مخصّص للأغطية والفرش، بالإضافة إلى محلات صناعيّة كثيرة، وأكثر من سبع صيدليات، ومن ستّ محطّات وقود. وقد كانت فيها سابقًا ثلاثة مصارف، لكنّ اثنين منها أقفلا ولم يبقَ سوى مصرف واحد”.
تتمركز في اللبوة عدّة مؤسّسات حكوميّة حيويّة، على نحو دائرة النفوس، المخفر، مركز الأمن العام الإقليميّ، مركز الدفاع المدنيّ، مراكز ومؤسّسات تعليميّة ومدارس (أوّل تكميليّة في بعلبك –الهرمل) وثانوية، وكذلك تضمّ دائرة كهرباء ومحطّة تحويل، ومركز رعاية صحيّة أوّليّة ومستوصفاً تابعاّ لوزارة الشؤون الاجتماعيّة.
خلعت وشاح القرية فلبستها المدينة
بفعل تحوّلها ونموّها السريع -سكانيًّا وعمرانيًّا- تخلّت اللبوة عن بعض العادات والتقاليد القرويّة المنتشرة في القرى والبلدات البقاعيّة، وراحت سريعاً تحتفي بطقوس خلع وشاح القرية لتدخل محفل المدينة وتنضمّ إليها. يقول جنبلاط في هذا الصّدد: “إنّ هذا التحوّل الجذريّ بهويّة المكان يعود إلى واقع نزوح الكثير من عائلاتها إلى بيروت والمدن الأخرى، ليعودوا لاحقاً إلى اللبوة حاملين معهم ما اكتسبوه من عادات جديدة تختلف عن العادات القرويّة التي نعرفها، إن لجهة “التحرّر” أو لجهة تبدّل العلاقات الإجتماعيّة. كانت لهذا التوافد ذهاباً وإياباً تداعيات إيجابيّة وسلبيّة، لكن لا يمكن تجاهل ما اكتسبه العديد من أهالي اللبوة من علوم مختلفة في جامعات المدينة، ومن أعمال ووظائف، أغنت بدورها البلدة ثقافيّا واقتصاديّاً”.
لكن، وعلى الرغم من غنى اللبوة بالمياه والينابيع، وبالرغم من جهوزيّتها التّامة لأن تكون مدينة بكلّ مواصفاتها، بيد أنّ قطاع المطاعم لا يزال ضعيفاً جدّاً فيها، إذ لا يتجاوز عدد المطاعم فيها المطعمين أو الثلاثة، مع العلم أنّ البلدة مؤهّلة لكي تكون ذات وجهة سياحيّة. فهي تحتوي على آثار مهمّة، منها حصن اللبوة، ومقبرة خرايب بيْرا (وهي مقبرة مليئة بالنواويس).
إنّ تحوّل اللبوة نحو السياحة، يحتاج إلى إهتمام الدولة اللبنانيّة، كي تصبح مقصداً للسيّاح الأجانب الذين يزورون منطقة البقاع الشمالي ويجهلون أهمّيّة اللبوة. لكن “للأسف، إنّ الدولة تمعن في إهمال اللبوة، فلو أنّها سمحت لأكثر من جهة الإستثمار، وقدّمت التسهيلات في هذا المجال، لكانت بعض القطاعات قد تطورت بنسبة مئة بالمئة” يقول جنبلاط.
اللبوة وحلم مركز القضاء
لعلّ كلّ العوامل السابقة، دفعت بفاعليّات البلدة، من خلال البلديّة إلى التقدّم بمشروع تحويل اللبوة إلى مركز قضاء مستقلّ بحدّ ذاته، جرى هذا الأمر بين 2017 و2018. وبحسب جنبلاط “لم تكن بعلبك- الهرمل في حينه محافظة بعد. لكن جاءنا الرّدّ أن أمهلونا الوقت إلى أن تقرّ المحافظة، وتمّ الاجتماع مع نواب بعلبك- الهرمل لإنجاز مسح، ضمّ وفرز، للأراضي حتّى القاع”.
ويختم جنبلاط: “حتّى اليوم، إنّ الأمور لا تزال على حالها، ولعلّ إقفال الدوائر الرسميّة بشكل متكرّر، ثم أتت جائحة كورونا لتقفا دون متابعة المشروع كما يلزم، وعرقلة إقراره، ناهيك عن أنّ بعض الأولويات فرضت نفسها. لكن، عدنا أخيراً إلى تحريك الملف، على أمل أن يلقى إستجابة، لا سيّما وأن اللبوة تمتلك المؤهّلات لتصبح مركز قضاء، ما يوفّر تسهيلات على أبناء بعلبك- الهرمل، على الأصعدة كافة”.