المرأة البعلبكية والانتخابات.. ذكورية الأحزاب تحتمي خلف عشائرية التقاليد
لم تحظ مشاركة المرأة البعلبكية (ترشيحا) في الانتخابات النيابية لدورة 2018 بالاهتمام الذي يكفل تقييم تلك التجربة بغض النظر عن نتائجها. وهي تجربة تستحق مثل هذا الاهتمام، إن لوفرة المرشحات أو لشح الأصوات التي نلنها. فلم نقع على مقالة أو دراسة أو ندوة أو أي فعالية ثقافية تصدّت لهذه المسألة. طبعًا هناك أسباب لتجاهل هذه التجربة، قد يكون منها تبدل اولويات هموم أبناء المنطقة (ثورة 17 تشرين، كورونا واستفحال الأزمة المعيشية) ما جعل الاهتمام بهذه القضية ترفًا. وقد يكون هناك دواعٍ أخرى للتجاهل باعتبار نتائج مشاركة المرأة البعلبكية (ترشيحًا) لجهة عدد الأصوات التي نالتها المرشحات كانت متواضعة (وهي كذلك) ومخيبة للآمال. لكن مع اقتراب الانتخابات النيابية في 15 ايار المقبل (في حال إجرائها)، تشكل استعادة هذه التجربة أكثر من فائدة:
أولًا، للتنويع في تغطيتنا للاستحقاق الانتخابي في منطقة بعلبك الهرمل، بحيث لا تقتصر التغطية على المظاهر السياسية والحزبية للتنافس بين المرشحين أو المؤهلات الشخصية لهم. ثانيًا رصد التقدم الذي أحرزته المرأة البعلبكية في احتلال أو ترسيخ موقعها بالمشاركة السياسية من خلال الترشح للانتخابات. وأخيرًا الإضاءة على أشكال التمييز التي تمارس ضد المرأة بوضع فيتوهات متنوعة لمنعها من ممارسة بعض حقوقها السياسية لتحقيق مساواتها الفعلية مع الرجل.
في انتخابات العام 2018 ضاعفت الدولة اللبنانية من محاولات تجميل صورتها لاسترضاء الدول الغربية وتلقي المساعدات والهبات. وقامت عملية التجميل هذه، على انتقائية وتجزئة في تطبيق اتفاقية سيداو لجهة تمكين المرأة من ممارسة كامل حقوقها.
قبل انتخابات 2018 (أي دورتي 2009 والـ 2005 وما قبلهما) كانت المنافسة الانتخابية في منطقة بعلبك الهرمل شبه معدومة، كان زمن (ما اصطلح على تسميته) “المحادل الانتخابية”. فالغلبة كانت معقودة سلفًا ودائمًا للائحة الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله التي كانت تخلو من أي ترشيح نسائي. مع ذلك شهدت تلك الدورات خروقات نسائية لجهة الترشيح وتعبّر عن حالة فردية أكثر مما تعبّر عن تبدل اجتماعي. ففي دورة الـ 2009 ترشحت ابتسام السعدي عن المقعد السني وحصلت على 396 صوتاً فقط في حين تقدم عليها أقرب المنافسين لها باكتر من 10500 صوت.
محاولة تلميع صورة السلطة
في دورة الـ 2018 الانتخابية كان هناك أكثر من متغير أمام المرأة البعلبكية ولمصلحتها، منها خروج المحادل الانتخابية من اللعبة باعتماد القانون النسبي + الصوت التفضيلي في الدوائر الانتخابية. وكذلك في هذه الفترة بالذات، ضاعفت الدولة اللبنانية من محاولات تجميل صورتها لاسترضاء الدول الغربية وتلقي المساعدات والهبات منها لتأخير انفجار الأزمة الاقتصادية التي كانت تعتمل في داخلها. وقامت عملية التجميل هذه، على انتقائية وتجزئة في تطبيق اتفاقية سيداو لجهة تمكين المرأة من ممارسة كامل حقوقها. فقد كان هناك نوع من التسابق بين أحزاب السلطة والمعارضة على إشراك نساء في لوائحهم، ففي 2018 ترشحت 111 امرأة فاز من بينهن ستة نساء.
لم يكن للمرأة البعلبكية أي نصيب من كعكة تخفيف ذكورية السلطة في تشكيل المجلس النيابي بالعام 2018. معظم ترشيحات أحزاب السلطة النسائية كانت في دوائر أخرى. ففي دائرة البقاع الثالثة (أي بعلبك الهرمل) ترشح 5 نساء، امتنعت اللائحتان الاساسيتان في التنافس عن ضم أي مرشحة منهن.
لم يكن للمرأة البعلبكية أي نصيب من كعكة تخفيف ذكورية السلطة في تشكيل المجلس النيابي بالعام 2018. معظم ترشيحات أحزاب السلطة النسائية كانت في دوائر أخرى. ففي دائرة البقاع الثالثة (أي بعلبك الهرمل) ترشح 5 نساء، امتنعت اللائحتان الاساسيتان في التنافس (الأولى لائحة الأمل والوفاء للثنائي الشيعي، والثانية لائحة الكرامة والانماء لتحالف القوات المستقبل) عن ضم أي مرشحة منهن، فكان حظهن أن يلتحقن باللوائح الباقية التي عجزت عن نيل ولو حاصلاً انتخابيًا واحدًا.
النساء الخمس اللواتي ترشحنّ في انتخابات بعلبك الهرمل العام 2018 هنّ الدكتورة وعد سكرية ونالت 37 صوتاً، ليلى يوسف تنوري وحصلت على 109 أصوات، المحامية سندريلا الياس مرهج وحازت على 128 صوتاً، وغادة أسد عساف وحازت على 159 صوتاً. وسهام جورج انطون وحازت على 1223 صوتاً. المرشحات السابقات لم يحسمن قرارهن بعد بالنسبة للاستحقاق النيابي المقبل والذي يحين موعده على بُعد أقل من ثلاثة أشهر من الآن. مرهج وصفت الواقع بالضبابي وتدرس الموضوع، وسكرية تبحث عن تحالفات تناسبها، وانطون تميل إلى عدم الترشح لأسباب عديدة أهمها تشرذم المعارضة.
عن موقف الأحزاب من ترشيح المرأة البعلبكية للندوة النيابية يميّز الباحث والاستاذ الجامعي الدكتور طلال عتريسي بين حزب الله وبقية الأحزاب فيقول لـ “مناطق نت”: “بالنسبة إلى حزب الله تحديداً هذا السؤال طرح عليه سابقاً وكانت الإجابة أنه يفضل أن لا تنخرط النساء في مثل هذه الأجواء السياسية والنيابية وغيرها وهي أجواء قد تحمل ممارسات لفظية أو سلوكية لا يجب من منظور إسلامي أن تكون المرأة موجودة فيها، ولهذا السبب فهو يفضل أن لا تشارك المرأة في الحياة السياسية والهيئات النيابية والوزارية، ويعتبر أن المرأة بحسب رؤيته ومنظوره الديني قد يكون لديها أولويات أخرى”.
النساء أرقام لا أكثر
أما عن إحجام بقية الأحزاب عن ترشيح وإشراك نساء في لوائحها، لا يرى عتريسي الإحجام هذا لموقفها من المرأة ويقول “هذه الاحزاب لم تبادر إلى ترشيح نساء في بعلبك الهرمل ربما لأنها تعرف أن البيئة الإجتماعية قد لا تتحمس كثيرًا لمثل هذه الترشيحات وتخشى على نفوذها ووصولها إلى المجلس النيابي. المعيار الأول والأخير عند هذه الأحزاب إلى أي مدى يساهم ترشيح النساء في زيادة الكتلة النيابية لهذا الفريق أو ذاك، هذا هو المعيار بتقديري الذي يعمل عليه الجميع إذا كان الترشيح يزيد من القدرة الانتخابية يتم ترشيح امرأة، وإذا كان لا يفيد في العملية الانتخابية لا يحصل ترشيح للمرأة سواء في بعلبك-الهرمل أو غيرها، كما أعيد وأكرر أن الأحزاب تفهم هذه البيئة والعادات والتقاليد من منطقة بعلبك وتتصرف على أساسها”.
عتريسي لفت إلى أن منطقة بعلبك-الهرمل شهدت في العقدين الماضيين تطوراً كبيراً في وضع المرأة من حيث التعليم إلى أعلى درجاته، ومن حيث العمل والانتقال إلى بيروت والمهن والوظائف المختلفة. ولكن يبقى موضوع مشاركة المرأة السياسية لم يواكب التحول في المجالات الأخرى العلمية والثقافية.
انفرد الحزب الشيوعي في منطقة بعلبك بترشيح امرأة في المنافسة الانتخابية، وهي السيدة سهام جورج انطون التي ترشحت عن المقعد الكاثوليكي على لائحة الإنماء والتغيير وحازت على ١١٢٣ صوتاً. تؤكد انطون (أستاذة تعليم ثانوي، ومدرّبة في مجال التربية وحقوق الانسان) لـ “مناطق نت” على تفاعل مختلف فئات المجتمع البعلبكي مع ترشيحها، وتضيف أنها لم تواجه في ترشيحها في دورة ٢٠١٨ رفضًا من المجتمع على أساس أنّها امرأة، أو على الأقلّ لم تلاحظ ذلك!! وتلفت إلى أنها توجّهت بمشروعها السياسي والتنموي إلى كلّ فئات وأفراد المجتمع، نساءً ورجالًا، وعرضت قضايا المنطقة التي تعتبر أنّ تنميتها شرط أساسي ليكون للرجال والنساء فيها حقوقهم.
أنطون تذكر بأنها ترشيحها لم يكن مؤسسًا على فكرة نسوية، وتوضح “إنّ النظام الطائفي في لبنان يظلم الجميع، ولكن يصيب الظلم الفئات الأكثر هشاشة بنصيب أكبر من غيرها، خصوصًا النساء والأطفال، متوجهة في حملتها للجميع”، معتبرة أنّ خطابها السياسيّ، وحضورها ونشاطها هم أداتها لإقناع الناخبين والناخبات، دون التخطيط لمواجهة الذكورية بصورة خاصّة، هي إحدى مظاهر بطء أو تأخر التنمية الاجتماعيّة والاقتصادية في لبنان عامّة وبعلبك الهرمل خصوصًا، والمعركة معها هي جزء من المعركة مع النظام.
غياب الدوافع النسوية
الأمر نفسه كان مع المرشحة عن المقعد الماروني في بعلبك المحامية سندريللا مرهج وهو على غرار السيدة أنطون لكن من دون رافعة حزبية، لم تخصص قضايا خاصة بالمرأة ببرنامحها الانتخابي. وقالت لـ “مناطق نت” إنها عندما طرحت برنامجها الانتخابي في العام ٢٠١٨ الذي يعكس نهجها الفكري، لم تفرق بين حقوق امرأة وحقوق رجل، لأنها كانت تريد القول إن المرأة في هذه المنطقة ليست دائرة مغلقة أو معزولة أو مرتهنة، وأن المنطقة هي منطقة انفتاح، وكذلك الأمر في التعاطي المباشر مع الناس. تؤكد مرهج انها لم تلاحظ تمييزاً بين المرأة والرجل، ولم تتعرض لأي شكل من أشكال التهميش، وتضيف: ما رأيت سوى الاحترام والتقدير للمرأة، وفريق عملي أغلبهم شباب ورجال يساعدونني إلى أقصى الحدود.
أضافت مرهج أن تجربتها الانتخابية في الـ ٢٠١٨ لاقت قبولاً من هذه البيئة في بعلبك-الهرمل من كل العائلات والعشائر، وأنها باعتراف الجميع شكلت حالة استثنائية وفريدة لا سيما في دائرة مثل بعلبك الهرمل، وحظيت بمحبة وتقبل المجتمع العشائري رغم أنه لم يحالفها الحظ نتيجة القانون الانتخابي الذي كان وما زال ظالماَ.
فمرهج ابنة جبيل التي تحب بعلبك الهرمل والتي تقدمت بالترشح عنها في انتخابات ٢٠١٨ تلفت إلى أنها تكون حيث يجب ان تكون مؤكدة أنها ضد الفكر المناطقي والتعصبي. اضافة الى أن لها اصول بعلبكية من جهة والدتها فأصلها من اليمونة قبل ان تُنقل نفوسهم اداريا الى العاقورة، من هنا وبحسب تعبيرها سعت لان يكون لها فيها بصمة تغيير ايجابية.
ما يميّز ترشيح الدكتورة وعد سكرية عن المقعد السني في بعلبك هو أنها لم تخض المنافسة تحت العناوين العامة (حرمان وإهمال ووعد بمشاريع إنمائية إلخ) فقط ولا تحت لافتة حزبية، إنما ببرنامج انتخابي يشتمل في جزء منه على قضايا خاصة بالمراة، وقالت عن برنامجها لـ “مناطق نت” “كنت قد تحدثت بشكل أساسي عن حق المرأة في منح الجنسية لاولادها، وشددت على مشاركة المرأة في الحياة السياسية فالمرأة تخاف على سمعتها وعلى أولادها وعلى منزلها وأيضاً على وطنها وركزت على الكوتا النسائية التي هي حق للمرأة. تضيف سكرية “كان دور المرأة جانب من جوانت حملتي الانتخابية وأؤكد أننا في بعلبك الهرمل كنساء ورجال نعاني المشاكل نفسها”.
سكرية أكدت على افتخارها بالعشائرية قائلة “هم أهلنا، الذين تعلمنا منهم الصلابة والصبر والمواقف الحقيقية، وأظن اني احظى بالكثير من الاحترام والتقدير لديهم” رافضةً مصطلح الذكورية، “فأهل بعلبك-الهرمل هم أهل النخوة والشرف والمروءة ويقدرن الإنسان حسب قيمته الحقيقية سواء كان ذكراً أو أنثى”.
تجربة المرأة البعلبكية في انتخابات 2018 لا يكفي تقييمها من منظار عدد الأصوات التي نالتها المرشحات، وهو عدد مخيّب، لكنه لا يعبّر بشكل كامل عن موقف المجتمع البعلبكي من المرأة. نتائج انتخابات الـ 2018 في المنطقة كانت ترجمة للحملات الحزبية المأخوذة بحمى التنافس والبحث عن كسب مقعد نيابي بأي شكل.
سطوة الرجال على قرار النساء
من جهتها تثني ليلى مروة وهي رئيسة التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني سابقاً وعضو حالي في الهيئة الإدارية وناشطة في مجال حقوق المرأة بالمنطقة، على تجربة المرأة البعلبكية في انتخابات الـ 2018. تقول مروة لـ “مناطق نت” “شكلت الانتخابات النيابية الأخيرة وفق القانون النسبي فسحةً للنساء في بعلبك الهرمل للترشح، حيث كان عدد النساء المرشحات خمس نساء موزعن على خمسة لوائح، أي ما نسبته 10,41% من مجمل نسبة المرشحين، وهي في نظرنا نسبة مقبولة وتبشر بالخير في تغير النمط الذكوري السائد رغم العدد القليل من الأصوات التفضيلية التي نلنها”.
وترى مروة أن هناك أكثر من عامل لتدني الأصوات التي نالتها المرشحات “أما أسباب تلك النتائج فهي تعود بالدرجة الاول إلى انخفاض نسبة مشاركة النساء اقتراعاً، وسطوة الرجال على قرارهن وفرض مرشحين، إضافة إلى الحزبية المسيطرة حيث تقوم المرأة بانتخاب مرشحي الحزب الذي ينتمي إليه زوجها، كذلك النقص في التثقيف السياسي بين النساء في بعلبك الهرمل وأهمية مشاركتهن في التعبير عن رأيهن، وتأكيد أهمية تلك المشاركة في احداث تغيير، ناهيك عن الخجل او بمعنى أدق اعتبار النزول إلى صناديق الاقتراع مخالفاً للعادات والتقاليد ويمس بهيبة رجال العائلة”.
لكن هناك تفسير نسوي لمروة يجب التوقف عنده، وهو بنظرها من الأسباب المهمة في تدني أصوات المرشحات في انتخابات الـ 2018 وهو “أن النسبة الغالبة من النساء البعلبكيات لم يخرجن من ظل عباءة العشيرة أو العائلة أو الرجل، إذ ترجع نسبة ما لا تقل عن 80% من النساء أثناء اقتراعهن إلى قرار العشيرة أو العائلة أو الزوج، والنسبة الباقية المختلفة ثقافيًا والمنفتحة على العمل الحزبي والمدني نجد قرارهن نابع عن قناعاتهن بغض النظر عن العشيرة أو العائلة التي ينتمين إليها. لا شك أن مساحة الحرية في التعبير بمنطقة بعلبك قد تزايدت بفضل التقدم العلمي والعملي، لكن خصوصية المنطقة تجعل موضوع اقتراع المرأة خاضع بأغلبيته لقرار الرجل”.
هل تحمل الانتخابات المقبلة في أيار (في حال إجرائها) وضعًا متقدمًا للمرأة البعلبكية في ممارسة حقوقها السياسية بالتساوي مع الرجل؟ تجربة ال 2018، أظهرت بشكل لا لبس فيه، أن هذا الأمر متعلق بالأحزاب الفاعلة انتخابيًا في المنطقة (حزب الله وأمل والمستقبل والقوات). فهذه الأحزاب هي القادرة على توفير “التمكين”، مع أن ضمها لامرأة في لوائحها وإن كان غير مربح بالاقتراع، إنما سيكون سابقة تسجل للحزب الذي يقدم عليها لأول مرة.