المسرح العائم في صيدا.. حين هبطت صباح من سطح القمر
يكفي مدينة صيدا أن يكون ابنها مارون النقاش رائد المسرح في لبنان والعالم العربي، وهي المدينة الّتي ترفع في أحد أحيائها القديمة لافتة رخامية كُتب عليها “هنا ولد مارون النقاش مؤسس المسرح العربي” وذلك فوق باب منزله حيث ولد وعاش قبل أن ينتقل مع عائلته إلى بيروت.
وبالرغم من أن النقاش عرض أول أعماله في بيروت عام 1847، إلا أن صيدا بادرت ببناء عدد من المسارح في بعض المدارس التي أنشئت في القرن التاسع عشر، مثل مدارس جمعية المقاصد الإسلامية (1879)، والمدرسة الأسقفية للروم الكاثوليك (1885)، والمدرسة الوطنية 1878 (وهي أقدم المدارس الأهلية في صيدا) وكان من أساتذتها صبحي أباظة، أوّل من ألّف رواية تمثيلية بعنوان “خذلان الظالم وانتصار المظلوم” عام 1908.
أما أوّل فرقة اهتمّت بالتمثيل المسرحي فكانت فرقة “جمعية إحياء التمثيل العربي” التي تأسست سنة 1909 ومن أهدافها رفع مستوى التمثيل المسرحي في صيدا وتخصيص عائدات التمثيليات لصالح الأعمال الخيرية.
أوّل فرقة اهتمّت بالتمثيل المسرحي في صيدا كانت فرقة “جمعية إحياء التمثيل العربي” التي تأسست سنة 1909 ومن أهدافها رفع مستوى التمثيل المسرحي في صيدا وتخصيص عائدات التمثيليات لصالح الأعمال الخيرية
يذكر الباحث هلال ناتوت في كتابه “الحركة الثقافية في صيدا 1926-1975” أنّه في مرحلة الانتداب الفرنسي تأسست في صيدا لجنة للتمثيل، قدّمت سنة 1927 رواية “قاتل أخيه” وذكرت جريدة “أبو دلامة” الصيداوية يومها “إن الأغلاط اللغوية كانت كثيرة وإن الإدارة لم تعط الأدوار حسب الاستعداد”، ثم عادت وكتبت في اليوم التالي: “ورغم ذلك، يبدو أن لجنة التمثيل لاقت الاستحسان وعملت على تلافي أخطائها، وسيقوم أعضاؤها بتمثيل رواية “شلولوب” على مسرح “السوق” ليلة الجمعة القادم”.
المسرح العائم
بعد الإستقلال وتزامنًا مع بداية المهرجانات السياحية في المناطق ولا سيما تأسيس مهرجانات بعلبك، شهدت صيدا عصرًا ذهبيًّا في أواخر الخمسينيّات والستينيّات تزامنًا مع “مهرجانات الربيع” بمبادرة من محافظ الجنوب آنذاك غالب الترك وبالتعاون مع بلدية صيدا. كانت مهرجانات الربيع تترافق مع تفتّح زهر الليمون في بساتين المدن، وُتعد من أهم النشاطات الثقافية والفنية والسياحية على صعيد لبنان. كانت المدارس والكشافة والجمعيات الصيداوية جميعها تشارك فيها، وكانت مداخل صيدا تُزيَّن بأقواس النصر المصنوعة من الخشب، وتجوب المدينة مواكب من السيارات مغطاة بالزهور وسط أجواء الفرح.
كانت السيارات تُزيّن بالورود، تحت رعاية مؤسسة اقتصادية، وتجوب المدينة لمدة ثلاثة أيام، لينتهي المهرجان باحتفال رقص فولكلوري، بمشاركة فرق من صيدا والجنوب ومن النبطية وصور، بالإضافة الى المناطق المحيطة بصيدا مثل فرقة مغدوشة للرقص الفلوكلوري.
توسعت مهرجانات الربيع عام 1957، وانتقلت إلى مهرجانات البحر، وشواطئ صيدا الّتي استضافت العروض الشعبية الراقصة. تطوّرت هذه المهرجانات في الستينيات، وتحديدًا في عهد المحافظ هنري لحود ورئيس الجمهورية شارل الحلو، ليصار بعدها الإنتقال الى ليالي صيدا العالمية على المسرح العائم.
الراحل مهيب البزري
يروي الفنان زاهر البزري لـ “مناطق نت” وهو ابن الراحل مهيب البزري، مصمم المسرح: “كان والدي يعمل في التابلين وفي دائرة التعمير في وزارة الإسكان، وقام برسم وتطوير الخرائط لمحافظة الجنوب، وتنسيق النشاطات وإعداد وتنفيذ العديد من المعارض”.
البزري كان له الدور البارز والأكبر في تنفيذ العديد من تصاميم الأنشطة الفنية مثل مهرجانات “روم وجزين” و”مهرجان الكرمة” ومغدوشة “مهرجان كروم الشمس”، وصيدا “مهرجان الربيع” و”مهرجان البحر”.
عن دور والده في تنفيذ وتصميم المسرح العائم يقول البزري: “تطورت فكرة مهرجان البحر ليصير ليالي صيدا العالمية عام 1966، وبحكم عمل الوالد وخبرته برسم الخرائط وتنفيذ المعارض والديكورات والسمعة الفنية ذائعة الصيت، تم تكليفه حينها بتنفيذ منصة وديكور لمسرح عائم بجانب زيرة صيدا”. يتابع البزري: “شُيدت المراكب الخشبية لنقل الجمهور إلى الزيرة، وشارك طلاب صيدا وعمالها جميعًا في صناعة هذه المراكب”. وهنا يستدرك البزري ليشير إنّ بلدية صيدا كانت برئاسة الشهيد معروف سعد، والنيابة كانت مع آل البزري، ولكن الصراع السياسي كان ينتهي فور نهاية الانتخابات، ليتفق الجميع على خدمة المدينة.
أما المسرح العائم فكان عبارة عن عوامات جُلبت من مرفأ بيروت ومرفأ صيدا، سُقفت بألواح من الخشب وثُبتت ببراميل داخل المياه، فكانت عائمة في البحر وقبالة زيرة صيدا حيث شُيّدت المُدرّجات على شكل سفينة كبيرة تطل على المدينة والمسرح.
حلم ليلة صيف
شهدت صيدا ليلة السابع من تشرين الأول 1966، أمسية عنونتها الصحافة في اليوم التالي بحلم ليلة صيف. فُرش السجاد الأحمر على أرض المرفأ لاستقبال الضيوف بلباس السموكينغ، استقلوا بعدها المراكب إلى زيرة صيدا التي اتسعت لأربعة ألاف متفرج.
شاركت في الاحتفال فرق فنية من قرى الجنوب وشهدت انتخاب ملكة جمال لبنان لعام 1967، وكانت الملكة “مارلين طليع” من كسروان من بين ملكات جمال المناطق اللواتي جرى انتخابهنّ طيلة صيف 1966، أمّا نجمة الاحتفال فكانت الفنانة صباح التي نزلت على المسرح من داخل قمر بلباس أبيض متلألئ.
يقول زاهر البزري:”صمم ونفذ الوالد هذا الحضور الآسر على المسرح للسيدة صباح بواسطة رافعات تحمل مقصورة على شكل قمر أبيض، وكان التصميم مستوفيًا شروط السلامة العامة التي كانت أقلقت صباح ثم عادت وتحمست لتطل على جمهور صيدا في إطلالة لم ولن تتكرر”.