المسيّرات الإسرائيليّة فوق المسابح تحرم الجنوبيّات الاستجمام

تشعر نساء كثيرات، ممّن يقصدن المسابح المخصّصة للسيّدات، لا سيّما في الجنوب، بأنّ أجسادهنّ مكشوفة للمسيّرات الإسرائيليّة، التي ترصد وتراقب ونادرًا ما تفارق سماء لبنان، فتمنع النساء، وخصوصًا المحجّبات منهنّ، من ولوج المسابح التي لا يعلوها سقف، بملابس السباحة الخاصّة (البيكيني)، وتفرض عليهنّ ارتداء “البوركيني” في حين لا يكترثن أخريات بهذا الأمر أصلًا.

لا أملك الجرأة

“لم أجرؤ على الذهاب إلى المسبح بعد” تقول منى فوّاز لـ “مناطق نت” وتضيف: “في بلدتي تبنين حيث أسكن راهنًا، ثمّة مسبح خاص للنساء، لم يشرّعه أصحابه حتّى الآن، واقتصر عمل المنتجع على نشاطات الأطفال فقط، أعتقد بسبب الدرون المنخفضة جدًّا في سماء الجنوب”.

وتنتشر المسابح الخاصّة على طول الساحل في الجنوب وفي القرى حتّى الحدوديّة منها، وعادة ما تكون هذه الأماكن مغلقة أو لها منافذ إلى الشاطئ، وفيها مسابح وخيم خارجيّة، وتتوافر فيها خدمة تقديم المأكولات والنرجيلة وتتضمّن نشاطات للأطفال، بكلفة عادة ما تكون مقبولة مقارنة بدخول المسابح المختلطة، وفي كثير منها يحظر إدخال الهواتف أو التقاط الصور.

الجنوبيات في المسابح تحت أعين طائرات الاستطلاع الإسرائيلية

تنتظر منى راهنًا أن تحدث معجزة وتختفي المسيّرات الإسرائيليّة أو ربّما تهدأ قليلًا، تقول: “لا بدّ من أنّها ستغادرنا في وقت ما، أشعر بالقلق حيالها، لذلك أؤجّل الأمر راهنًا”. منى شابّة ثلاثينيّة لا ترتدي الحجاب، لكنّها تفضّل ممارسة السباحة والاستجمام في مسابح غير مختلطة، إذ ثمّة فتيات وسيّدات غير محجّبات يقصدن المسابح المخصّصة للنساء، لأسباب مختلفة، منها البيئة المحافظة التي ترفض ارتداء “البكيني” وكذلك بسبب خياراتهنّ الشخصيّة ومراعاة لخصوصيّتهنّ.

حال ترقّب لا شعوريّة

تتابع منى: “نعيش هنا في بيئة محافظة بعض الشيء. لي صديقات قصدن مسابح خاصّة في بيروت، وقطعن مسافات طويلة لأجل ذلك؛ يعتقدن أنّ الدرون هناك أقلّ تأثيرًا وانخفاضًا، وأنا أعتقد أنهنّ يشعرن بالإرتياح النفسيّ أكثر”. الأمر هنا لا يتعلّق بالخصوصيّة والشعور بسلطة النساء على أجسادهنّ وحسب، وإنّما أيضًا يرتبط بالضغط النفسيّ وحال الترقب اللا شعوريّة للصوت الذي تصدره طائرات الاستطلاع المسيّرة.

يعيش اللبنانيّون منذ إعلان وقف اطلاق النار في الـ 27 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حربًا غير معلنة، تأخذ شكلًا مغايرًا، يستهدف خلالها الجيش الإسرائيليّ المدنيّين بشكل شبه يوميّ، ويمنع سكّان القرى الحدوديّة من العودة إلى منازلهم وقراهم، ولا تفارق طائرات الاستطلاع سماء البلاد.

فرح: الدرون ترافقنا في غالبيّة الوقت، نشعر وكأنّها ترانا وتراقبنا ونحن في غرف نومنا، فلماذا نمتنع عن الذهاب إلى المسابح للاستجمام؟

تختم منى “ربّما يعتقد البعض أنّ الأمر ليس بالمهمّ، لكنّنا في ظلّ الاستهدافات شبه اليوميّة، والحرب التي عشناها، لم يبقَ أمامنا كثير من خيارات الاستجمام والراحة، فإلى أين سنذهب مثلًا وماذا نفعل؟ للأسف ليس بمقدورنا فعل شيء” وقد اختارت منى، رياضة المشي كبديل في الوقت الراهن.

تراقبنا حتّى في غرف نومنا

على مقلب آخر، تجد بعض النساء أنّ قدرة هذه المسيّرات تصل إلى حدّ تصويرهنّ وهنّ في دواخل بيوتهنّ، وهذا ما أظهرته لقطات مصوّرة نشرها الجيش الإسرائيليّ، أثناء ملاحقته للأشخاص المستهدفين. ففرح (34 سنة) من إقليم التفّاح  (قضاء النبطية) واحدة منهنّ، تقول لـ “مناطق نت”: “الدرون ترافقنا في غالبيّة الوقت، نشعر وكأنّها ترانا وتراقبنا ونحن في غرف نومنا، فلماذا نمتنع عن الذهاب إلى المسابح للاستجمام؟ صراحة لم أجد أنّ الأمر منطقيّ، فهل نرتدي كامل ملابسنا ونحن داخل بيوتنا أيضًأ؟”.

تروي فرح كيف انقسمت الآراء حيال هذا الموضوع، وتضيف: “اعتدنا كعائلة حجز مسبح خاصّ في بداية كلّ موسم صيف، وكذلك فعلنا في عيد الأضحى الماضي. في حينه بدأ النقاش الآتي: من سيرتدي ملابس البحر (المايّو) ومن سيرتدي البوركينيّ؟ كوننا نحن الثماني سيّدات محجّبات ومعنا أطفال بنات”. مع الإشارة إلى أن غالبيّتهنّ يرتدين لباسًا شرعيًّا.

توجّس غير منطقيّ

وترى فرح أنّ هذا التوجّس مبرّر ولكنّه غير منطقيّ، على اعتبار أنّ طائرة الاستطلاع الإسرائيليّة قادرة على رؤية أيّ شيء تريده، حتّى أدق التفاصيل وأصغرها، بخاصّة عندما تكون على علوّ منخفض جدًّا، ولكن “هل هي مهتمّة حقًّا بتصّوير النساء؟ لا أعتقد ذلك”. تضيف فرح، وتردف: “أعتقد أنّها تتتبّع القرى الحدوديّة وكذلك أهدافها العسكريّة ليس أكثر”.

وتشكّل مثل هذه المساحات، متنفّسًا للنساء وتحمي خصوصّيّاتهنّ بكلف مقبولة “كنّا ثماني نساء، لم تتجاوز كلفة قضاء يوم كامل في المسبح وتناول وجبة غذاء، أكثر من 25 دولارًا للشخص الواحد”، تختم فرح، وبرأيها أنّها كلفة مقبولة جدًّا مقارنة بأسعار المؤسّسات السياحيّة المختلطة والتي تخرج عن قدرات كثير من الناس.

 مسابح مقفلة

تروي زينب لـ “مناطق نت” كيف ذهبت قبل أيّام عبرت إلى مسبح يقع في منطقة “الحوش” قرب مدينة صور، وتقول لـ “مناطق نت”: “وددت أن أجلس تحت الشمس، لم أسمع صوت المسيّرات في الأجواء، لذلك عزمت على الذهاب برفقة شقيقتي وطفلتي الصغيرة، علمًا أنّ كثيرًا من طائرات الاستطلاع تكون مكتومة الصوت”.

وتضيف “صراحة لم أفكّر بالأمر كثيرًا؛ ما همني أنّها مسابح مقفلة تراعي وضعنا كمحجّبات، وقد قضينا وقتًا ممتعًا”. وزينب هذه سيّدة جنوبيّة هاجرت قبل عامين، لتكون قريبة من زوجها، لا سيّما في ظلّ الأحداث الأمنيّة الأخيرة التي يعيشها لبنان، وهي حاليًّا في زيارة للأهل والأقارب.

أصحاب المنتجعات السياحيّة

في هذا السياق، يؤكّد أصحاب المنتجعات والمشاريع السياحيّة في الجنوب أنّ الإقبال ليس كثيفًا هذا العام، وعلى رغم ذلك هو أفضل ممّا كان عليه العام الماضي، ولكن لا يمكن مقارنته مع الأعوام السابقة، والتي كانت الحركة السياحيّة في ذروتها.

علّوش: أبلغ ما أثّر علينا هو غياب المغتربين هذا العام وكذلك خوف اللبنانيّين من القدوم إلى الجنوب بسبب الوضع الأمنيّ المتوتّر

ويعتبر معظمهم أنّ أمور أخرى أثّرت سلبًا وأدت إلى انخفاض روّاد هذه المنتجعات، وهذا ما يتحدّث عنه عبّاس علّوش، صاحب أحد الشاليهات في بلدة حومين (النبطية- إقليم التفّاح). يقول علّوش لـ “مناطق نت”: “إنّ أبلغ ما أثّر علينا هو غياب المغتربين هذا العام وكذلك خوف اللبنانيّين من القدوم إلى الجنوب بسبب الوضع الأمنيّ المتوتّر”. يضاف إليه مسألة المسيّرات الإسرائيليّة ومخاوف النساء لا سيّما بالنسبة إلى المسابح غير المختلطة والشاليهات الخاصّة. يضيف علّوش: “لا بدّ من الأخذ في الاعتبار مسألة التسويق والدعاية والتي تلعب دورًا مهمًّا في إقبال الناس وزيادة حركة الزبائن”.

نفتقد المغتربين وغير الجنوبيّين

ويعلّق: “لاحظت أنّ روّاد الشاليه لديّنا هم من أبناء الجنوب، بعضهم من سكّان بيروت، في حين نفتقد الروّاد المغتربين والذين يأتون للإستجمام من مختلف أنحاء لبنان، لا سيّما أبناء بيروت الذين باتت نسبتهم ضئيلة جدًّا”، ويضيف: “الناس في الجنوب ربّما اعتادت مسألة الاستهدافات والتي عادة ما تكون محدّدة ومتقصّدة”، ويأمل علوش “تبدُّل الحال في المرحلة المقبلة”.

وعلى رغم جميع هذه الظروف، أقدم علّوش على تجديد الشاليه هذا العام، “فالناس ترغب بما هو جديد ومميّز”، بحسب ما يقول، علمًا أن الشاليه يضمّ مسبحًا داخليًّا مخصّصًا للسباحة صيفًا وشتاءً، وآخر خارجيّ مكشوف لذلك فإنّه مناسب للسيّدات اللواتي يقصدن المسابح غير المختلطة.

نتكيّف مع الواقع المستجدّ

من جهتها تقول سميّة كوراني، وهي صاحبة أحد المسابح الخاصّة الموجودة في بلدة ياطر الجنوبيّة، “إّن عدد رواد المسبح ارتفع هذا العام، لسبب أساسيّ وهو أنّ المسابح الأخرى لا تزال مقفلة في المنطقة”.

وتضيف لـ “مناطق نت”: “في بداية الأمر، طلبت من السيّدات إرتداء ملابس غير البكيني بسبب طائرات الاستطلاع”، لكنّ النساء كان لهنّ رأي مختلف بحسب قولها، على اعتبار أنهنّ قادرات على التكيّف مع الواقع المستجدّ الذي لا يمكن تغييره.

وتتابع: “افتتحت دوامًا إضافيًّا للصبية الصغار، لأنّه لا يوجد مسبح آخر هنا”. وكان مسبح سميّة قد تضرّر بفعل الضربات الإسرائيليّة المكثّفة خلال الحرب، لكنّها بدأت بترميمه شيئًا فشيئًا، وتختم: “لا نعلم كيف ستسير الأمور، رمّمت المسبح بعض الشيء، بانتظار أن تنتهي الحرب، ونعاود ترتيب أمور حياتنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى