المعوقون والرياضة جنوباً.. كرة وأهداف في سلة الإندماج
سيكون من المفاجئ القول بأن لعبة كرة السلة أصبحت متوافرة في الجنوب ومُتاحة للأشخاص المعوقين، العاجزين عن التحرك، الذين يعانون من إصابات دائمة في أجسادهم لأسباب كثيرة.
وإذا كان من الشّائع في كلّ المناطق اللبنانيّة مشاهدة مباراة كرة السلة بشكل شبه يومي، حيث هي من الألعاب الجماهيريّة التي تُعرض على التلفاز، وتُعلَّم في المدارس، ويمارسها بعض الرياضيين في النوادي الرياضية، ويتسلى بها الأطفال في الشوارع، إلا أن مشاهدة أشخاص معوقين ينقسمون إلى فريقين -وهو ما تقتضيه اللعبة- ويمارسون اللعبة وسط أجواءٍ حماسية فهذا بالتأكيد أمر غير شائع لكنه أصبح مألوفاً في الجنوب، حيث أسّس عدد من المعوّقين في “نادي نصر الرياضي” في النبطية نادياً أطلقوا عليه “spinners” لكرة السلة، يمارسون فيه هواياتهم، ويتحدّون من خلاله الإعاقة، وصولاً لعملية الاندماج التي تبقى الفكرة الأبرز في ذلك.
يروي إبن بلدة حاروف الجنوبيّة علي بدر الدين (20 عاماً) حكايته لـ “مناطق نت” فيقول إنّه إضطر إلى بتر قدميه ويده اليمنى، وذلك بعد تعرضه لحادثة نجمت عن آثار حرب تموز 2006. وفي التفاصيل يحكي علي أنه بعد انتهاء الحرب، وخلال رحلة مدرسية إلى إحدى المناطق في الجنوب، تنشق عن طريق الصدفة مواداً سامة أدّت بعد أيام عدة، إلى ارتفاع كبير في حرارة جسده، فقد فيها الأطباء القدرة والسيطرة عليها، مما أدى إلى بتر قدميه ويده اليمنى بعد معاناته من التهابات حادّة استمرت لفترة طويلة.
توجه علي إلى اسبانيا، لتركيب أطراف اصطناعية، وعاد بعدها إلى لبنان بعد رحلة طويلة وشاقة مع العلاج، لعلّه يتمكن من استعادة جزء بسيط من حياته الطبيعية. امتهن بداية بيع الثياب، وحاول ممارسة بعض الألعاب الرياضية لكنه لم يجد أي تسهيلات لحالته الصحية، إلى أن تعرّف إلى “نادي نصر الرياضي” في النبطية، والذي خصص مساحة خاصة للأشخاص المعوّقين، واستقبل الأشخاص الذين يعانون من إعاقات دائمة في أجسادهم ومُلازمة لهم طوال حياتهم، فقام بتشكيل فريقين من اللاعبين، لممارسة لعبة كرة السلة على كراسيهم المتحركة.
يقول علي إن نادي نصر ساعدهم في هدم وتجاوز الكثير من العوائق التي تواجههم في حياتهم اليومية، إذ وفر لهم مساحة خاصة بهم، للمشاركة في الألعاب الرياضية المعروفة عالميًا، والتي هي بحاجة إلى قوة بدنية وقدرة كبيرة على التحرك. ونتيجة هذه المبادرة المميزة، واظب علي منذ أكثر من عام على زيارة النادي الرياضي بشكل أسبوعي للمشاركة في المباريات.
نادي نصر الرياضي – النبطية
من جهته، يشرح سامي نصر رئيس نادي نصر – النبطية، ونائب رئيس الإتحاد اللبناني لكرة السلة، عن مبادرته اللافتة التي كان هدفها تأمين مساحة للأشخاص المعوقين، للمشاركة في الألعاب الرياضية للتسلية، وباتت المجموعات تتألف من 12 لاعبًا من الأشخاص المعوقين، الذين يعانون من الشلل، أو إصابات خلقية دائمة.
داخل هذه الأكاديمية، تجتمع مختلف الفئات العمرية من الشبان والشابات، وقد أُطلق على فريق الأشخاص المعوقين، إسم “spinners”، ولهم شعارهم الخاص. ويوضح سامي لـ “مناطق نت” بأنهم يحاولون حاليًا توسيع هذا النشاط بالاشتراك مع أكثر من 30 جمعية موجودة في الجنوب. أما الفئات العمرية المستهدفة فتتراوح أعمارها بين 19 و35 عامًا. يتابع: “كما أننا نجحنا في توفير الكراسي المتحركة للمشاركين بمساعدة الصليب الأحمر اللبناني. لذلك، نعمل حاليًا على الاستعداد للمشاركة في بطولات كثيرة، آملين أن يتطور هذا النشاط ويتوزع في مختلف المناطق اللبنانية”.
في السياق نفسه، يروي إبن بلدة كفرتبنيت الجنوبية الشاب مهدي فقيه (21 عاماً) تجربته لـ”مناطق نت”، فيقول أنّه عانى من نقص في النمو منذ ولادته، فاضطر الأطباء إلى بتر قدميه في عمر السنتين. واليوم، يحاول أن يمارس حياته بشكل طبيعي، وها هو يكمل دراسته الجامعية متخصصاً في برمجة الكومبيوتر. ونتيجة رغبته باحتراف بعض الألعاب الرياضية، انضم إلى فريق كرة السلة في نادي نصر الرياضي، ليتمكن من ممارسة لعبته المفضلة.
يتابع مهدي: “تجربتي مع كرة السلة بدأت كهواية بهدف التسلية والترفيه، إلا أنها تحوّلت فجأة إلى حاجة مستمرة، يصعب التخلي عنها، فانتقلت من رغبتي بالتسلية إلى شغفي بالتجهيز للمشاركة في المباريات الكبرى، كلاعب محترف في كرة السلة. خصوصًا أن النادي ساهم في تقوية علاقتي مع اللاعبين، الذين أتوا من مختلف المناطق اللبنانية للإنضمام إلى الفريق ومنها صور، صيدا، النبطية وبيروت”.
ونتيجة ذلك يتجهّز نادي نصر الرياضي للمشاركة في بطولة على صعيد لبنان، سيما أن المرة الأولى التي لعبوا فيها أمام الحضور امتلأت مدرّجات الملعب بالمشجعين وبعض وسائل الإعلام الذين حضروا لتشجيعهم على هذه المباراة.
حصة إضافية للفتيات
إلى جانب اهتمامه بالمعوقين، يتيح نادي نصر الرياضي الفرصة أمام الشابات للمشاركة أيضًا، ويسمح للفتيات بممارسة هواياتهن الرياضية المفضلة، وفرصة الإنضمام إلى مجموعات خاصة لممارسة لعبة كرة السلة للفتيات فقط.
بشكل أسبوعي، تنضم ليال الحاج علي (16 عامًا)، وهي طالبة من النبطية، إلى فريقها للعب كرة السلة. وقد بدأت بممارسة التمارين الرياضية منذ أكثر من 5 أعوام، وانضمت إلى النادي الرياضي لأسباب كثيرة أهمها تقوية الشخصية واكتساب أصدقاء جدد، إضافة لتلبية حاجة التسلية والترفيه وتعلم قواعد لعبة كرة السلة.
في حديثها لـ”مناطق نت”، تقول ليال إن فريقها مميز، فهي على علاقة متينة بالجميع، وأصبح النادي على لائحة أولوياتها، حتى أنها مستعدة للإستغناء عن الكثير من الأشياء مقابل إلتزامها بالتمارين الرياضية داخل النادي.
في شهر أيلول المقبل، ستشارك ليال في بطولة لكرة السلة على صعيد لبنان، وسعيًا منها لفوز فريقها، كثفت تمارينها الرياضية، علمًا أنها مارست معظم الألعاب الرياضية ككرة القدم وكرة المضرب، لكنها فضلت لعبة كرة السلة تحديدًا.
فريق “spinners” داخل نادي نصر الرياضي ليس فريقاً عادياً، بل هو بالتأكيد فوق العادة، حيث تكون الرياضة وتحديداً كرة السلة للمعوقين بطعم التحدي والاندماج، فهكذا مبادرات من شأنها دمج الأشخاص المعوقين بالمجتمع، الذي يعاني فيه المواطن العادي الحرمان من أبسط حقوقه الطبيعية، فكيف هو الحال مع ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يفتقدون للحد الأدنى من رعاية الدولة واهتمامها.
مبادرة المعوقين جنوباً إثبات واضح على أن الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة قادرون على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، إسوة بالآخرين. وهذا ما أثبتته مبادرة النادي حيث فجروا طاقاتهم، وأكدوا أنهم قادرون على التغلب على الإعاقة، فهم يحملون الإصرار والإرادة الصلبة لتجاوز إصاباتهم المفروضة عليهم، وذلك ليتمكنوا من تحقيق إنجازات خاصة بهم، على أمل أن تنتشر هكذا مبادرات في جميع الأراضي اللبنانية.