المعوّقون في البقاع الشّمالي.. بين سندان الحياة ومطرقة الدّولة
“لم أستطع طوال سنوات، أن أعمل في مجالي وتخصّصي، فأنا أحمل إجازة في التمريض والمختبر، ولكن لا أحد وافق على توظيفي بسبب حالتي الصحّيّة. واليوم أنا لا أستفيد لا من الدولة ولا من الأحزاب ولا من المنظّمات”، تقول زينب وحود (34 عامًا) ابنة بلدة يونين البقاعيّة.
زينب سيّدة معوّقة حركيًّا، وهي أمّ لطفلٍ وحيد، تقيم مع زوجها المعوّق كذلك، في منزل مستأجر في بلدة جديدة الفاكهة. تركت زينب العلاج الفزيائيّ برغم حاجتها الصّحيّة إليه، وذلك لأنّها لا قدرة لها على تسديد تكاليفه الباهظة، فزوجها لا عمل لديه، بينما هي تعمل منذ سنة 2019 في إحدى الجمعيّات لسدّ احتياجات بيتها وعائلتها قدر المستطاع.
كذلك، لا تستفيد زينب مع عائلتها من تقديمات وزارة الشؤون الإجتماعيّة، كحال معظم ذوي الإعاقة، الّذين لا يستفيدون لا من البطاقة التموينيّة ولا من برنامج العائلات الأكثر فقرًا، المموَّل من برنامج الغذاء العالميّ.
إهمال الدّولة والمؤسسات
كأنّ صروف الدهر وندوب الحياة التي أثقلت أجسادهم وأوهنتها لا تكفي ذوي الإعاقة لتزداد معاناتهم جرّاء إهمال الدّولة، الّتي من المفترض أن تكون الراعي الأوّل لهم، وتحديدًا وزارة الشؤون الإجتماعيّة. هذه الحال سائدة في بيروت وجبل لبنان حيث تتركّز إدارات الدولة ووزاراتها، فكيف في قرى الأطراف، كالبقاع الشماليّ وعكّار حيث الدولة ومؤسّساتها شبه غائبة؟
كأنّ صروف الدهر وندوب الحياة التي أثقلت أجسادهم وأوهنتها لا تكفي ذوي الإعاقة لتزداد معاناتهم جرّاء إهمال الدّولة، الّتي من المفترض أن تكون الراعي الأوّل لهم، وتحديدًا وزارة الشؤون الإجتماعيّة
بعد انهيار الليرة اللبنانيّة، ودخول البلاد في النفق المظلم، ازدادت معاناة ذوي الإعاقة بأضعاف، وذلك وسط غياب أيّ مشروع أو رؤية واضحة لدى وزارة الشؤون الاجتماعيّة لمساعدتهم. فكلّ الأدوات والإحتياجات الطبّيّة باتت “مدولرة”، والمستشفيات لا تعترف ببطاقة الشؤون الاجتماعيّة، وتتهرّب من استقبال ذوي الإعاقة لأسباب واهية، حقيقتها العملة الخضراء الصعبة.
القرار 220/2000
بعد طول نضال وتحرّكات للمنظّمات الحقوقيّة والجمعيّات المعنيّة، تمّ إقرار القانون 220/2000 الذي يحّدد التعريف القانونيّ لذوي الإعاقة، وواجبات الدولة تجاههم، وخصوصًا في ما يتعلّق بميادين العمل.
في حديث خاصّ لـ”مناطق نت” يقول رئيس جمعيّة “مؤشّرات تنمويّة” والمناضل من أجل تحصيل حقوق ذوي الاعاقة فايز عكاشة: “إنّ النظرة للأشخاص ذوي الإعاقة مرّت بمقاربات زمنيّة متفاوتة، بدأت بالنظرة الخيريّة كالعطف والشفقة والمساعدة الإغاثيّة، لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ الإعاقة هي عقاب الله للبشر على معاصيهم”.
ويضيف:”بعدها جاءت المقاربة الرعائيّة والمراكز المستقلّة الخاصّة بذوي الإعاقة، وهذا كان بعد الحرب العالميّة الأولى والثانية. وصولاً إلى المقاربة الحقوقيّة التي نعيشها في هذا الوقت الحاليّ، وهي انطلاقاً من حقوق الإنسان بعيدًا عن المظهر والنوع الإجتماعيّ والحالة الصحّيّة”.
ويتابع عكاشة: “إنّ المعيار هو قدرة وكفاءة الإنسان، من دون أيّ تصنيف أو تحديد لنوع العمل. البيئة الدامجة هي من أسس قبول الآخر، من أجل احترام التنوّع والإختلاف المجتمعيّ. وهذه البيئة هي التي تؤمّن حقوق واحتياجات الفئات المهمّشة، ومن ضمنهم الأشخاص ذوو الإعاقة”.
أمّا في مجال تطبيق مفاعيل القانون 220/2000، يؤكّد عكاشة “أنّه لا يزال حبرًا على ورق، فعلى الرغم من مرور 23 سنة على إقرار القانون في المجلس النيابيّ، لم تصدر مراسيمه التطبيقيّة عن مجلس الوزراء حتّى اليوم، بما معناه أنّهم باعوا المعوّقين أوهامًا بأوهام”.
عكاشة: على الرغم من مرور 23 سنة على إقرار القانون 220/2000 في المجلس النيابيّ، إلا أن مراسيمه التطبيقيّة لم تصدر بعد، وبالتالي لا يزال حبرًا على ورق، بما معناه أنّهم باعوا المعوّقين أوهامًا بأوهام
انقطاع بين وزارة الشؤون والمعوّقين
يلبس ابن بلدة عرسال قاسم خلف طرفاً اصطناعيًّا ويعيل أسرته المؤلّفة من ثلاثة أفراد، من خلال دكّان صغير افتتحه منذ سنوات. يقول قاسم في حديث خاص لـ”مناطق نت”: “إنّ وزارة الشؤون تقوم بكلّ المهام، عدا كلّ ما هو من اختصاصها”. وبحسب كلامه “إنّ وزير الشؤون الاجتماعيّة هيكتور حجّار زار بلدتهم عرسال ستّ مرّات، وفي كلّ مرّة كانت الزيارة بهدف النّظر في شؤون النازحين، وبعض هذه الزيارات تمّت في الصباح الباكر”.
ويتابع قاسم: “في كلّ مرّة كنّا نحاول الحديث معه في شؤون ذوي الإعاقة، والذين يبلغ عددهم 755 شخصًا في عرسال، يكون جوابه “مستعجل مضطرّ إمشي ع بيروت”. إضافة إلى ذلك، إنّ كلّ البرامج التي تقدّمها الوزارة قائمة على المحسوبيّات والفساد والشخصانيّة، على مبدأ “مرّقلي لمرّقلك”. إنّ الأمل بالله وبأهل الخير، أمّا الأمل بالدولة فهو يعني الإنتحار والجنون بعينه”.
الإتّحاد اللبنانيّ للمعوقين
حاول الاتّحاد اللبنانيّ للأشخاص المعوّقين حركيًّا سدّ الثغرات التي يخلّفها غياب الدولة في الكثير من المناطق، وذلك عبر المساعدة وتأمين الإحتياجات، لكنّ العائق الوحيد أمامهم أنّ حركة الإتّحاد مرتبطة بالتمويل وبتأمين المداخيل.
تقول السيدة سمر الطفيلي، عضو إدارة المشاريع في الاتحاد ، لـ”مناطق نت”: “إنّ الاتّحاد افتتح مكتبه في البقاع الشماليّ خلال حرب تمّوز 2006، وكان في نيّتنا العمل مع الحالات الطارئة حصرًا، لكنّ حال الأشخاص المعوّقين حتّم علينا البقاء والاستمراريّة”.
يتوزّع نشاط الاتّحاد في عدّة مجالات، يبدأ بالمناصرة والتمكين والتدريب، ثمّ بتعريف المعوّق بكلّ حقوقه، ليكون ناشطًا وفاعلًا في بيئته. أمّا بعد الأزمة المتشعّبة التي يمرّ بها البلد، كان لهم عدّة تحرّكات إغاثيّة، مع الحفاظ على الدور الحقوقيّ لأنشطتهم.
وبحسب الطفيلي، “في السنوات الخمس الأخيرة، كانت حركة الاتّحاد متركّزة على برنامج التأهيل المجتمعيّ الذي يلبّي الإحتياجات التأهيليّة للأشخاص المعوّقين، كالعلاج الفيزيائيّ والعلاج الإنشغاليّ والدعم النفسيّ وتأمين المعدّات الطبّيّة، إضافةً إلى تدريبات استعادة النطق بعد الجلطات”.
الطفيلي: في ما يخصّ تقديمات الدولة، فهي للأسف ضئيلة جدًّا، بل صارت شبه معدومة. فنحن نعيش في منطقة مهمّشة تاريخيًّا، وهذا ما ينعكس على الأشخاص المعوّقين
وتختم الطفيلي: “نعمل على برنامج المساعدة الماليّة أو العينيّة، ومن ناحية الإستشفاء فالموضوع متعثّر نتيجة وضع البلد السيّئ. وكذلك نقوم حاليًّا بمتابعة أكثر المواضيع التي تؤسفنا وهو حماية السيّدات المعوّقات من العنف والاعتداءات. أمّا في ما يخصّ تقديمات الدولة، فهي للأسف ضئيلة جدًّا قبل الأزمة وبعدها، بل صارت شبه معدومة. فنحن نعيش في منطقة مهمّشة تاريخيًّا، وهذا ما ينعكس على الأشخاص المعوّقين”.
أمّا الخلاصة فهي كما وردت على لسان رئيس بلدية اللّبوة السيّد خيرالله أمهز، ألا وهي وجوب تأمين خطط تضعها وزارة الشؤون الإجتماعيّة، للعمل من أجل الأشخاص المعوّقين، انطلاقًا من دمج التعليم، إلى الإستشفاء والإغاثة والعمل.