المقامرات والمراهنات تتفشى جنوباً وتحركات مجتمعية للتصدي لها
“ناس بتصير على الحديدة، وناس بتغتني بسرعة البرق”.. بهذه الجملة الشائعة لخص شادي. ف. ما تحصده نتائج ألعاب المراهنات – القمار التي يرتفع منسوبها مؤخراً في مناطق جنوبية عديدة، حتى غدت تضج من آثارها مجتمعات تلك المناطق الممتدة من صور إلى النبطية وبلداتهما على وجه الخصوص.
ما يحدث ليس جديداً، لناحية هذه الألعاب ومجموعات وأفراد معروفين، توصم بهم ألعاب القمار والمراهنات، لكن اللافت سرعة تفشي هذه الظاهرة، بين فئات اجتماعية غنية ومتوسطة وأحياناً فقيرة، فدفع الكثير من هؤلاء جنى أعمارهم في لبنان أو بلاد الاغتراب “أفريقيا” وكل ذلك يحصل وسط أزمة حياتية مستفحلة، تسهم إسهاماً قوياً، في السعي إلى تغيير أوضاعهم الاجتماعية، فالغني يطلب المزيد من المال، ومتوسطي الحال يجهدون إلى تحسين أحوالهم المادية بأي وسيلة، حتى لو كانت مغامرات خطيرة تعيدهم إلى القعر المالي، وآخرون احترفوا المراهنات واعتادوا على الربح والخسارة المالية.
وهذه الالعاب بحسب عدد من الأشخاص المقربين من مقامرين- مراهنين، تتطور مع الزمن والتكنولوجيا الحديثة، لا سيما تطبيقات الهواتف الخلوية، ويمكن لكل مراهن على فوز فريقه في كرة القدم الدولية تحديداً على سبيل المثال، أن يقوم بالمراهنة عبر هذا التطبيق، أو ممارسة لعبة “الروليت” أونلاين مع مجموعات وأفراد آخرين في نواد. دون أن يلغي ذلك الطاولات المربعة، التي يجتمع فيها مقامرون في مقاهي بشكل علني أو في منازل.
وسطاء سماسرة
يشير هادي. ف. وهو صديق مقرب لأحد الأشخاص، الذين يمارسون ألعاب المراهنات والقمار، إلى أن هناك شبكات واسعة ومتشعبة منخرطة منذ فترة في تلك الألعاب ومعروفين لدى الرأي العام في المدن والبلدات والقرى، وأن أشخاصاً عديدين كانوا لا يمتلكون ثمن علبة سجائر أصبحوا أغنياء في غضون فترة بسيطة من الزمن. وغالبية هؤلاء من الوسطاء “السماسرة” الذين يؤمنون الزبائن الأغنياء لفتح حسابات مالية كبيرة، لدى مكاتب مختصة ويحصلون على نسب بين عشرة وعشرين بالمئة من المبلغ المالي الإجمالي الذي يضعه الزبون.
يتحدث هادي عن أفراد في الجنوب، خسروا مؤخراً مئات آلاف الدولارات خلال مراهناتهم على ألعاب مختلفة ومنها ألعاب كرة القدم الدولية، وأن عدداً من هؤلاء تركوا بلداتهم بعدما تراكمت خسائرهم وأصبحوا على “الحصيرة” مضيفاً أن غالبية المقامرين معروفين تمام المعرفة، لدى أبناء مدنهم وقراهم وأيضاً الأجهزة الأمنية وقوى سياسية فاعلة.
دفعت الخسائر المتواصلة للشاب أديب. ج. 30 عاماً في ألعاب المراهنة، إلى بيع منزله المتواضع، لسداد ما يتوجب عليه وتكفل بدفعه لأفراد اقترض منهم.
يقول “أديب لـ “مناطق نت” إن حساب الحقل لم يأتِ على حساب البيدر، فقد راهنت على كسب مال إضافي لتحسين وضعي المعيشي والحياتي، بعدما جذبني أصدقاء لي إلى هذه المغامرة، لكني لم أحصد سوى خسارة ما أملكه من مال قليل وبيع منزلي الصغير، الذي شيدته حجراً حجراً. مضيفاً أن الندم لم يعد ينفع، والمهم الإقلاع عن هذا السوء الذي ابتليت به.
جمعيات تتحرّك
تضج مدينة صور في الفترة الأخيرة الحديث عن ألعاب المقامرة والمراهنات، وتحديداً في أوساط المجتمع المدني، التي تداعت عدد من جمعياته الثقافية والاجتماعية والرعائية، لبحث الصورة المستجدة والمتنامية في المدينة، من باب المسؤوليات المجتمعية.
استضافت الاجتماع جمعية الحفاظ على البيئة في صور ويؤكد رئيسها أحمد فرج لـ “مناطق نت” أن تفشي ظواهر المقامرات والمراهنات والمخدرات دفعتنا إلى اللقاء، والقيام بالحد الأدنى من واجباتنا، بعدما بلغت الأمور حداً خطيراً في المدينة، يتطلب وقوف الجميع صفاً واحداً في مواجهة هذه الحالات الخطيرة والمدمرة لمجتمعنا وبيئتنا وقيمنا الأخلاقية والدينية.
وقال فرج “كأنه لا يكفي المواطن في لبنان الكوارث الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة إلى حدود قصوى، حتى تأتي هذه الظاهرة المتفشية في مجتمعنا، التي يقودها حفنة قليلة احترفت أساليب الابتزاز والنصب، وقد حققت ثروات طائلة من المال الحرام على حساب تدمير مقومات عائلات بأكملها اقتصادياً واجتماعياً، مضيفاً أن آفة المخدرات وأيضاً المقامرات والمراهنات بين شبابنا، تهدد بزعزعة ما تبقى من مرتكزات الحياة العائلية ونسف مستقبل الأجيال في مستويات التعليم الثانوي والجامعي وسلوكيات مرضية. مشيراً إلى اتفاق المجتمعين على خطوات عديدة بالتنسيق مع الجهات والأجهزة المعنية لوقف هذا الانفلات.