المناخ المتطرف ونبوءة الكارثة…ونهر نفايات ودولة
حسين حمية
بدأت الظواهر الطبيعية تزاحم الظواهر السياسية والدينية العنفية في خطورتها على العيش العالمي، وتقاسمها توصيفاتها، ومنذ فترة، دخل سوق التداول مصطلح “المناخ المتطرف”، والمقصود به ما بدأت تشهده معظم مناطق العالم من تبدلات مناخية غير مألوفة، اكتسبت من خلالها عوامل الطبيعة طاقة هائلة في التدمير والتخريب، وظهر فيها الإنسان مع ما راكمه من خبرات في علاقته مع كوكبه، عاجزا عن احتواء هذه التبدلات أو السيطرة عليها، لكنه استسلم لفكرة الاعتراف بها، واقتنع بأن عناصر جديدة دخلت في علاقته مع الطبيعة، تقتضي منه مراجعة اساليبه الدفاعية من ظواهرها المستجدة، والبحث عن طرق أخرى للتعايش معها.
وتبعا لمقولة الكاتب والشاعر الأورغوياني إدواردو غوليانو الذي يرفض تجريم الطبيعة، يكون تعبير “المناخ المتطرف”، مصطلحا منافقا ومضلّلا، فالتطرف ليس في الطبيعة، فمناخها ما زال على إيديولوجيته الأولى ولم يغيّرها، وهي قوانين انوجدت منذ بدء الخلق، ترتّب على كل تلاعب فيها النتيجة المناسبة، بينما التطرف هو في مكان آخر، وهو تطرف الإنسان، ومغالاته في الاعتداء على الطبيعة، بإسرافه في استخدام خيراتها ومكوناتها وإخلاله بتوازناتها والتصرف بها على أنه سيّد عليها وليس ابنا لها.
ليس موضوع هذه المقالة الدفاع عن الطبيعة، فهذه قضية باتت في صلب اهتمامات البشرية، ففي الثامن من هذا الشهر شارك 250 ألف شخص في تعبئة عالمية تحت عنوان النهوض من أجل المناخ، وفي هذا الشهر أيضا هناك أيضا القمة العالمية للتدخل من أجل المناخ، وكذلك قمة كوكب واحد، إضافة إلى قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ التي ستُعقد في شهر كانون الأول ببولندا.
المُراد من هذه المقالة، هو الإشارة إلى ان مصطلح “المناخ المتطرف” وصل إلى لبنان، وتحدّثت عنه شخصية علمية ورسمية معنية بتتبع أحوال المناخ، وكان اهتمام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي صفراً مكعباً، برأي رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال افرام بكمية الأمطار التي هطلت في الضنية وجعيتا، قياسا إلى هذا الهياج بالخبرية المجهولة المصدر والتافهة والسخيفة عن قنينة كحول سقطت من سيارة نائب متدين تبين فيما بعد أنه جرى توظيفها زورا للافتراء على نائب من حزب الله، علما أن افرام توقف في كلامه عند الفوارق الضخمة بين كمية الأمطار التي تساقطت العام الماضي في المنطقتين المذكورتين وبين كمية الأمطار التي هطلت فيهما بالعام الحالي، وخلص إلى أن “عوارض” المناخ المتطرف بدأت تظهر على لبنان، والأمطار التي هطلت هي بمثابة إنذار مبكر، ومهما كانت “النبوءة” التي يمكن استخلاصها، إلا أن استنتاجات إفرام تلقي على الدولة الكثير من المسؤوليات تجاه هذا التحدي.
هناك مثل عند فلاحي البقاع يقول ” الله ساتر الفقر بالعافية”، اي الصحة الجيدة تغني عن الغنى. وكذلك أن طبيعة بلدنا الرؤوفة والمعتدلة هي التي تتستر على هزالة الطبقة السياسية التي تتحكم ببلدنا، فالكل يعلم بأن دولتنا تغرق في “شبر” ماء، وأن السياسي المحنك الذي يحمي هذه الدولة ويمنع افتضاح أمرها وعجزها ويمسك بيدها من السقوط، ليس القائد الفلاني أو الزعيم الوطني، إنما هو لطف الطبيعة وتغافلها عن امتحاننا كما تفعل مع أمم أخرى في هذا الكوكب، لكن ماذا لو فعلتها الطبيعة؟
لقد شاهدنا دولا، في أوروبا وآسيا وأميركا، مع أنها راكمت بنية تحتية حقيقية أخذت في حسبانها تبدلات المناخ، ومع ذلك فوجئت بما اصابها من أضرار وخسائر في الأرواح والأرزاق نجمت عن “المناخ المتطرف”، إضافة إلى تعطّل الحياة في المناطق المنكوبة، ولولا لم تكن هذه الدول تختزن من استعدادات لمثل هذه الأخطار لفقدت اي قدرة على النهوض مجددا، ومع ذلك إن دولة مثل الولايات المتحدة اضطرت أن تتنازل عن “كرامتها الوطنية”، وتتقبل المساعدات الخارجية للتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية، لكن ماذا عن بلدنا مهترىء من كل النواحي؟
مع تثبيت مصطلح “المناخ المتطرف” في التداول والاستدلال عليه لبنانيا، يجب التعاطي مع توقع الكارثة على أنه حقيقة مؤجلة أو غب الوقوع في اي لحظة، لا أن تُترك هذه القضية لكفّ ليلى عبد اللطيف وغيرها من المنجمين والمبصرين، وهذا يقتضي إعادة بناء الحياة السياسية في البلد على موضوعات جديدة، بعد أن تعفّنت سياستنا وهي تجتر أربعة أو خمسة مواضيع هي العدالة وسلاح المقاومة وحقوق المسيحيين والعلاقة مع سوريا أو مع السعودية، هذه المواضيع لا تختصر هواجس اللبنانيين ولا قلقهم من المستقبل..تسامحت الطبيعة معنا إلى اقصى الحدود، وما زالت، ومع ذلك خرجت صورة نهر النفايات إلى كل العالم، فإذا لم يكن لدى هذه الدولة خجل، هناك خوف يلوح في الأفق.