النوادي العلمانية تبدأ أنشطتها جنوباً.. والمحطة الأولى صيدا
تحديات كثيرة تنتظر النوادي العلمانية التي بدأت بالتمدد في كل الاتجاهات ومنها جنوباً. أولى التحديات يتجلى في كيفية ترجمة النجاحات التي حصدتها تلك النوادي جامعياً خارج أسوار الجامعات. وذلك من خلال الاستقطاب والتشبيك في مناخات وبيئات مختلفة بعضها يشكّل جدراناً صلبة قد تكون عصية على الاختراق.
بعد تأسيس النوادي العلمانية في كل من صور في آذار الفائت وصيدا في حزيران، والنبطية منذ فترة قريبة. نظمت النوادي أولى أنشطتها أمس من خلال ندوة حوارية حملت عنوان “لماذا العلمانية كمشروع سياسي معارض؟” وذلك في قاعة مسرح إشبيلية في صيدا، حضرها حشد من المهتمين والطلاب. تحدث في الندوة الدكتور علي خليفة وهو أستاذ محاضر في كلية التربية في الجامعة اللبنانية.
بين العَلمانية والعِلمانية
استهل خليفة حديثه عن العلمانية كتعريف محدد وفق مفاهيم دقيقة، وأوضح الفرق بين العِلمانية التي عرّفها بالتطرف نحو العلم وتفسيره ودحض كل ما لا يستطيع العلم شرحه، وبين أنها تخلق صراعاً مصطنعاً مع الأديان. فيما العَلمانية، كما شرحها، ترتبط وتشتق من العالم بأفراده ومكوناته، وتستقل دون أن تتعارض مع الدين ومؤسساته، لأن العالم قائم بمعزل عن الدين، ووجد قبله. لذا فالعَلمانية مشروع غايته ليست الصراع مع الأديان أو محاربتها، بل تطرح نفسها مستقلة عنه.
خليفة شرح للتمايز الموجود بين العَلمانية والعِلمانية وكيف يتم استغلاله من رجال الدين لأنه يهدد مصالحهم الخاصة. وأشار إلى أن بعض رجال الدين تصالح مع العلمانية تصالحاً تاماً وأعطى في ذلك أمثلة، السيد محمد حسن الأمين، السيد هاني فحص، والأب غريغوار حداد.
ميز د. خليفة بين أشكال العَلمانية المختلفة، ومن بينها الوظيفية، الشخصية، السياسية والمؤسساتية، لينهي مع العلمانية القيمية، كنقيض لمشروع الطوائف.
العَلمانية كمشروع سياسي بديل
العلمانية هي المشروع السياسي البديل، ولا يجب على من يحمله أن يتحمل مسؤولية سوء فهمه، ليصبح أصحاب هذا المشروع ضحية إسقاطات تُسكِتها قبل أن تطرح ما لديها. الملفت، أنه هنا وكأنه يرفض استعمال مصطلح “الدولة المدنية” الذي يتم اعتماده من العديد من مكونات المجتمع المدني لخوفهم من استعمال المصطلح الدقيق، ويعتبر أننا يجب أن نرفع أصواتنا به، كنقيض لائتلاف الطوائف.
وصف د. خليفة ائتلاف الطوائف بالتوازن الهش، الذي ينقلب كل فترة، من المارونية السياسية إلى السنية، وأخيراً الشيعية السياسية، اذ لم تكن أي من الائتلافات مشاريع وطنية مستدامة، بل على العكس، إتخذت من الانتماء الديني هوية سياسية تؤدي إلى مصلحة خاصة بالطوائف، لا تشكل بتجمع جذرها مصلحة وطنية جامعة.
نوادي الجنوب
عن النوادي العلمانية بالجنوب اعتبر د. خليفة، إنها حدثاً بحد ذاته وهي إن نجحت ستكون نقيض الطوائف. وتابع “حتى لو فشلت، فمجرد التعبير عن التمايز هو خطوة أساسية يتم التراكم عليها. إذ لا يمكن لأحد أن يسلب إرادة طائفة بكاملها، ويجعلها أسيرة مشروع عابر للحدود، يتدخل بالدين والسياسة والاقتصاد والتصويت بالنقابات وحتى بقرار التعبير عن الجوع أو المرض أو الألم.
يعتبر النشاط الأول للنوادي العلمانية في الجنوب والذي أقيم أمس في صيدا خطوة جريئة لما يحمله العنوان من إشكالية. الندوة حضرها عدد لا بأس به من الشابات والشباب حضروا من مناطق جنوبية مختلفة، لا تجمعهم أي علاقة بالنوادي العلمانية، أو معرفة بالمنظمين. حيث جذبهم تنظيم النشاط، وربما أرادوا من خلال الحضور التعرف على الآخر المختلف عن السائد الذي يرزحوا تحت ثقافته منذ وقت طويل.
الكثير من التحديات
تنظيم النشاط في صيدا بوابة الجنوب له رمزيته ودلالاته، وبالرغم من أن تنميط المدينة لفترات طويلة أو على الأقل وسمها بصفات دينية متزمتة، إلا أنها باستقبال أول نشاط للنوادي العلمانية يعتبر خطوة إيجابية، على أن تستكمل تلك الخطوة بالتوغل جنوباً نحو بقية المدن الجنوبية وهنا يبرز التحدي الأكبر حيث الثنائي الشيعي يمسك بقبضة حديدية الأوضاع هناك.
النوادي العلمانية وخاصة في الجنوب هي الحدث، والسبب أنها تمايزت، وفتحت المجال للنقاش والحوار الذي لا يرعاه أي ولي طائفة للتحرير الثاني كما وصفه د. علي خليفة. لأن العلمانية ليست نقيض الطائفية فقط، بل الصهيونية القائمة على الهوية الطائفية بوصفها مشروعاً سياسياً قائماً، إذ تجعل كل المنتمين للطائفة، شركاء في المشروع السياسي لها، بمعزل عن آرائهم ومواقفهم الخاصة. وهي تجربة تستحق التوقف عندها وانتظار ما ستؤول إليه بعد النضوج. ينتظر النوادي العلمانية الكثير من التحديات، لكنها عمل تراكمي تأسيسي لمشروع يبدأ بالجنوب ويستمر ليطاول لكل لبنان.