الواقع الأمنيّ في بعلبك الهرمل حرب وسرقات ومشاكل حدود

أرخت الأحداث المتلاحقة عند القرى الحدوديّة المتداخلة مع سوريّا بثقلها على المشهد الأمنيّ في منطقة بعلبك الهرمل الذي يعاني أصلًا من ترهّلٍ تاريخيّ نتيجة غياب الدولة، والذي تفاقم مع سقوط نظام الأسد في سوريّا، حيث أدّى إلى موجة نزوح معاكسة غصّت بها قرى وبلدات بعلبك الهرمل. سبق ذلك الحرب الإسرائيليّة التي استمرّت شهرين وأكثر ولم يسلم منها البقاع الشماليّ وأدّت إلى دمار هائل في القرى، نتج عنها سقوط مئات الشهداء والجرحى ونزوح مئات الآلاف عن منازلهم، في ظلّ وضع أمنيّ واقتصاديّ هشّ زاد من معاناة سكّانه.
يُلقي هذا التحقيق الضوء على المشهد الأمنيّ في البقاع الشماليّ، بدءًا من السرقات التي عانت منها القرى والبلدات في أثناء الحرب الإسرائيليّة وبعدها، وصولًا إلى المعابر التي كانت مشرّعة على الفوضى والتهريب والتي لم يُعرف حتّى الآن مصيرها مع الحملة التي قالت إدارة العمليّات السوريّة أنّها قامت بضبط كلّ معابر التهريب في منطقة الهرمل وبعلبك، وقابلها الجيش اللبنانيّ بإجراءات مماثلة، لم تتّضح نتائجها حتّى الآن.
البداية من عمليّات السرقة
بالعودة إلى فترة الحرب الإسرائيليّة، فقد عاشت منطقة البقاع وخصوصًا بعلبك الهرمل وضعًا أمنيّا صعبًا في ظلّ العدوان الإسرائيليّ، الذي لم يُشرّد سكّان المنطقة ويجبرهم على النزوح فحسب، وإنّما فتح باب السرقة والتهريب ولو بأوجه مختلفة عمّا كان سائدًا في فترات السلم.
ففي ظلّ الضربات الإسرائيليّة التي كانت تتعرّض لها القرى والبلدات البقاعيّة، تخلّل مشهد الرعب هذا سرقات متاجر ومنازل مواطنين نزحوا بسبب الحرب. وهذا ما حصل مع المواطن “علي مظلوم” الذي تعرّض منزله بعدما غادرته العائلة بفعل الغارات الجوّيّة المتكرّرة التي استهدفت محيطه في مدينة بعلبك للسرقة.

يصف مظلوم المشهد لـ “مناطق نت” من داخل منزله قائلًا: “لم يُبقِ السارقون شيئًا في المنزل إذ أخذوا الأواني والمؤونة وفرش المنزل، ولم يوفّروا أسلاك الكهرباء والنحاس، ما يدلّ على أنّ العصابة محترفة. كلّ ذلك جاء في ظلّ غياب قوى الأمن الداخليّ وتواجدٍ خجول لعناصر الجيش اللبنانيّ مع اختلاف مهامّهم”.
يتابع مظلوم: “أمّا بعد الحرب فعادت عمليّات النشل والسرقة الليليّة المعتادة على الطرقات العامّة ومنها أوتوستراد بعلبك حيث يعترض السارقون أيضًا السيّارات المتوجّهة من بعلبك إلى بيروت أو قرى البقاع الأوسط”.
استمرار المعابر وغياب القوى الأمنيّة
يكاد لا يمرّ يوم إلّا ويطالعنا خبر حادث أمنيّ في البقاع، سواءً عمليّة قتل أو سرقة سيّارات، أو سطو أو خطف للمطالبة بفدية، على رغم استنكار أهالي المنطقة لهذه الأعمال، التي تزايدت أخيرًا بشكل كبير مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة وخلال الحرب الإسرائيليّة على لبنان.
فلقد نشطت عصابات السرقة في الأماكن التي تعرّضت للقصف الإسرائيليّ، وتحديدًا المنازل التي تضرّرت أو تدمّرت بفعل ذلك والمحال التجاريّة القريبة في أحياء مدينة بعلبك – دورس، من خلال كسر الأبواب وسرقتها. يعود ذلك بحسب رئيس اتّحاد بلديّات بعلبك شفيق شحادة إلى غياب دور الأجهزة الأمنيّة باستثناء الجيش، حيث اقتصر تواجد قوى الأمن الداخليّ على المخافر وبأعداد قليلة.
نشطت عصابات السرقة في الأماكن التي تعرّضت للقصف الإسرائيليّ، وتحديدًا المنازل التي تضرّرت أو تدمّرت بفعل ذلك والمحال التجاريّة القريبة في أحياء مدينة بعلبك – دورس
يتابع شحادة لـ “مناطق نت”: “الوضع الأمنيّ كان مضبوطًا إلى حدّ ما باستثناء بعض عصابات السرقة التي نشطت خلال القصف الإسرائيليّ، إذ كانت تلقي مخابرات الجيش القبض على عشرات من المرتكبين، لكنّه كان يخلي سبيلهم بعد أيّام معدودة على توقيفهم، والسبب في ذلك يعود إلى عدم وجود قضاة وضابطة عدليّة”.
وبرأي شحادة فإنّ “ضبط نطاق اتّحاد بلديّات بعلبك يستلزم دعم المنطقة بثلاثة آلاف جنديّ لمراقبة البيوت، لأنّ البلديّات كانت غائبة بشكل أكيد بسبب نزوح موظّفيها، كذلك كان هناك غياب للشرطة البلديّة والحرس الليليّ الذين من المفترض أن يقوموا بالمراقبة وبضبط الوضع الأمنيّ”.
وردًّا على هذه المعلومات يجيب مصدر في قوى الأمن الداخليّ في حديث لـ “مناطق نت”، بالقول: “إنّ قوى الأمن الداخليّ حافظت على تواجدها في البقاع خلال الاعتداءات والمخاطر، واستمرّت في القيام بالمهام الموكلة إليها ومتابعة شكاوى المواطنين بما يتوافق مع واقع الحال. علمًا أنّه تمَّ كشف وتوقيف مرتكبي عمليّات سرقة على عكس ما يقال”.
بيانات قوى الأمن الداخلي سرقة وتهريب
ويضيف المصدر “أنّ قوى الأمن الداخليّ لم تتوقّف يومًا عن القيام بمهامها وممارسة صلاحيّاتها في مختلف الظروف، بكشف الجرائم وضبط الممنوعات وملاحقة المشتبه بهم وتوقيفهم بالتنسيق مع القضاء المتخصّص، وأنّ معدَّل الجريمة خلال فترة الحرب انخفض مقارنةً بالسنوات السابقة”.

ويرى المصدر أنّ “النقص في عناصر قوى الأمن الداخليّ يعود إلى الظروف الصعبة التي تمرّ بها بقيّة المؤسّسات في البلاد، لكنّ ذلك لم يمنعها من القيام بمهامها في حفظ الأمن، ومكافحة الجريمة وقد تظهَّر ذلك بانخفاض معدّلات الجريمة. في حين يعتبر أنّ الفرق بين دور الجيش اللبنانيّ وقوى الأمن الداخليّ خلال فترات السلم والحرب يكمن في المهمّة الأساسيّة للجيش وهي الأمن وحفظ الحدود والدفاع عن الوطن بالتنسيق مع قوى الأمن الداخلي”.
التهريب على الحدود: ماذا تغيّر؟
لم تمنع الحرب الإسرائيليّة الأخيرة، استمرار التهريب بين سوريّا ولبنان، فعائلات تلك المناطق تعيش على التهريب، ولو كان بشكل أقلّ خلال الحرب، بسبب الضربات الإسرائيليّة المكثّفة على الحدود.
وبحسب رئيس اتّحاد بلديّات بعلبك شفيق شحادة، فالتهريب ينشط في نطاق اتّحاد بلديّات بعلبك حصرًا في جرود يونين ونحلة، والجيش المنتشر على الحدود يقوم بدوره في محاولة ضبط المعابر قدر الإمكان، لكنّه منتشر أكثر في القرى الحدوديّة في قضاء الهرمل على الحدود السوريّة.
وحول المجريات الحاليّة، من اشتباكات مع الإدارة السوريّة الجديدة، فالسبب بحسب شحادة “يعود إلى نيّة هيئة تحرير الشام طرد سكّان قرى “حاويك” و”القصر” و”أكروم” اللبنانيّة بعد سقوط نظام الأسد، والحلّ يكمن بترسيم الدولة اللبنانيّة الحدود بين البلديّن”.
في المقابل، يشرح رئيس اتّحاد بلديّات الهرمل نصري الهقْ في حديث لـ “مناطق نت”، “أنّ معابر التهريب موجودة منذ 50 عامًا وتنشط من عكّار إلى العريضة وصولًا إلى قوسايا، بحيث يصعب ضبطها بشكل كامل لأنّ المنطقة حدوديّة والمهربون يعتمدون عليها بشكل أساس كمصدر للعيش بسبب الحرمان الذي تعاني منه المنطقة. ولكن خلال الحرب وخلافًا لعمليّات السرقة، تراجعت حركة التهريب بسبب تعرّض المعابر للقصف الإسرائيليّ إذ سقطت عائلات أثناء محاولتها الهروب عبر تلك المعابر”.

أنواع التهريب وموادّه
ويرى أنّه خلال الفترة الأولى من سقوط النظام السوريّ، “أُقفلت المعابر من قبل الإدارة السوريّة الجديدة، وبالنتيجة توقّفت عمليّات تهريب السيّارات المسروقة التي كانت تديرها مجموعات بعلم من النظام السوريّ. في المقابل حافظت العشائر المدعومة من الإدارة السوريّة الجديدة على معابرها في وادي خالد”. ويوضح الهق أنّ “الاشتباكات التي حصلت بين العشائر وقوّات الإدارة السوريّة الجديدة منذ فترة، كانت ذريعتها تحرير القرى السوريّة التي يقطنها سكّان لبنانيّون لمكافحة التهريب، إذ يوجد 25 قرية حدوديّة سوريّة سكّانها لبنانيّون والاشتباكات دارت مع من رفض إخلاء هذه القرى، إلى حين هدوء الوضع حتّى اليوم بعد تدخّل الجيش اللبنانيّ والسيطرة على الحدود”.
في السياق، يرى “م. د.”، 40 عامًا من منطقة الهرمل، والذي رفض ذكر اسمه كونه مطلوبًا بمذكّرات توقيف، في حديث لـ “مناطق نت” أنّ “عمليّات التهريب هذه لا تزال مستمرّة في كلا الحالتين ولم تتوقّف على رغم القصف الإسرائيليّ، بل نشطت أكثر خلال الحرب وبعدها. صحيح أنّ تهريب السيّارات توقّف بالكامل بعد إغلاق الحدود بين البلديّن، إلّا أنّ أنواع تهريب أخرى بقيت ناشطة ومنها تهريب البشر والدخّان والمعسّل، والموادّ الغذائيّة والمحروقات، مثلما كان نشطًا قبل الحرب تهريب المخدرات”.
أمّا الموادّ المهرّبة التي باتت أكثر رواجًا بعد سقوط النظام في سوريّا فهي تجارة وتهريب السلاح من سوريّا إلى لبنان حيث تباع قطعة السلاح بما يقارب الـ 50 دولارًا، وفق المهرّب “م. د.”.
أكبر من سوريا ولبنان
ويضيف: “ملفّ التهريب أكبر من سوريّا ومن لبنان، وهو موجود منذ عشرات السنين لأنّنا أبناء منطقة مهمّشة تعيش على هذا المنفذ الوحيد، يمكن أن تتوقّف تجارة الكبتاغون، أمّا التهريب الآخر كالموادّ الغذائيّة والمحروقات فلا أظنّ على الرغم من الاشتباكات الدائرة بين العشائر اللبنانيّة والإدارة السوريّة الجديدة، هذه الاشتباكات هدفها المعلن إغلاق معابر التهريب إلّا أنّ سببها هو إخلاء القرى السوريّة التي يسكنها لبنانيّون”.
الموادّ المهرّبة التي باتت أكثر رواجًا بعد سقوط النظام في سوريّا فهي تجارة وتهريب السلاح من سوريّا إلى لبنان حيث تباع قطعة السلاح بما يقارب الـ 50 دولارًا، وفق المهرّب “م. د.”.
ويكشف أنّ “التهريب استمرّ بعد سقوط نظام الأسد، فهناك عشائر سوريّة محسوبة على الإدارة الجديدة، نزحت إلى لبنان بعدما ضيّق عليهم النظام السوريّ السابق، ومع سقوطه عادوا إلى مناطقهم الحدوديّة من الجانب السوريّ وانتشر تهريب السلاح أخيرًا. في المقابل، توقّف عمل المهربّين اللبنانيّين الذين كانوا يعملون مع النظام السوريّ السابق، إلى حين اندلاع الاشتباكات بين العشائر اللبنانيّة والإدارة السوريّة الجديدة”.
ويتابع: “قبل الحرب كان عدد المعابر بين البلديّن لا يُعدّ ولا يُحصى، وخلال الحرب الإسرائيليّة كانت تتمّ الاستعاضة عن المعابر بوضع جسور حديديّة للتهريب من سوريّا إلى الهرمل. والمشكلة كانت في كيفيّة إرسالها من الهرمل إلى سوريّا بسبب انتشار الجيش اللبنانيّ في الجرود، فضلًا عن حواجزه في العاصي وحربتا والمحطّة. وبالتالي فإنّ تهريب السيّارات كان متاحًا عبر معابر الهرمل بتغطية من عناصر في الجمارك في حين أنَّ تهريب الركّاب من وإلى سوريّا كان يتمّ عبر طرق قريبة من وادي خالد ومن ثمّ عبر عبّارات”.
ويشرح المهرب “م. د.”، أنّ عمليّات التهريب كانت “تتمّ قبل الحرب عبر معابر العريضة- حيدر مخيبر- الحوش- عبّارة الحاج محمّد جعفر- عبّارة جرماش وعبّارة جوسيه، وهي عبارة عن أراضٍ لعشائر وعائلات كلّ منها يدير عبّارة يفتح منها خطّ تهريب إلى سوريّا وفي الاتّجاه المعاكس عبر مدّ جسور حديديّة صغيرة”.

ويلفت في حديثه إلى أنّه يملك بالقرب من منزله الحدوديّ مع سوريّا عبّارة تهريب إلى سوريّا عبر جسرين حديديّين، يتمّ عبرها وصل الأراضي اللبنانيّة – السوريّة لمرور الشاحنات من الطرفين بأيّ حمولة كانت. وأنّ هذه الطريقة كانت حلًّا بديلًا عن مواجهة الجيش اللبنانيّ عبر المعابر الرئيسة من الهرمل الواصلة إلى مدينة حمص السوريّة.
في الجهة المقابلة، لا ينفي مصدر في مخابرات الجيش وجود نقص في عديد الجيش في منطقة بعلبك والهرمل لكنّه يؤكّد أنّ “أفواج الجيش اللبنانيّ المنتشرة على الحدود كبيرة وتقوم بمهمّتها في ضبط الحدود، أمّا في الداخل فلدينا ألوية منتشرة وحواجز، وقد قمنا بواجباتنا ضمن الإمكانات”.
ويكشف المصدر لـ “مناطق نت” عن أنّ الجيش واصل مهامه في ضبط التهريب وملاحقة المخلّين بالأمن خلال فترة القصف الإسرائيليّ على منطقة البقاع، وتمّ تسليم الموقوفين إلى قوى الأمن الداخليّ في المنطقة.
بيانات مخابرات الجيش
أمّا عن استمرار السرقات ما بعد الحرب فيضيف المصدر عينه أنّه “خلال فترة وقف إطلاق النار أجرينا حملة توقيفات لأشخاص تبيّن أنّهم يسرقون أعتدة عسكريّة في مدينة بعلبك من مخازن حزب الله، وهؤلاء أنفسهم كانوا يسرقون البيوت خلال الحرب. علمًا أنّ اهتمامات الجيش خلال الحرب صبّت بغالبيّتها في المجال الإنسانيّ إن كان لمساعدة النازحين في البقاع عبر تأمين نقلهم خلال القصف من مكان إلى آخر، أو لإيصال المساعدات، مع الإشارة إلى أنّنا داهمنا تجّار مخدرّات في بلدة حورتعلا وبعض المناطق الأخرى خلال فترة الحرب وبعدها”.
ويتابع: “بعد انتهاء الحرب عدنا إلى الوتيرة الطبيعيّة، واهتماماتنا الأساسيّة هي المداهمات والملاحقات، علمًا أنّ مهام الجيش هي بالأساس أمنيّة وقد كلّفه مجلس الوزراء في التسعينيّات بمهمّة الحفاظ على الأمن في البقاع لكنّه يؤازر القوى الأمنيّة في ضبط الأمن الداخليّ”.
وحول أمور التهريب والمعابر غير الشرعيّة فقد أشار المصدر الأمنيّ إلى أنّ الغارات الإسرائيليّة على البقاع دمّرت جميع معابر التهريب. أمّا بعد انتهاء الحرب فقد عاود الجيش انتشاره وأغلق ما يمكن إغلاقه من معابر غير شرعيّة فتوقّف تهريب السيّارات بالكامل. أمّا تهريب الموادّ والدخان والمحروقات فيتمّ عبر عبّارات مياه سيرًا على الأقدام مقابل استمرار تهريب البشر بين سوريّا ولبنان ولا سيّما النازحون السوريّون الذين وصلت أعدادهم إلى 120 ألفًا إبّان سقوط النظام. فإنّ ضبط مساحة 370 كيلومترًا بأربعة أفواج حدود وحدها أمر مستحيل وهو يستوجب تعاونًا من قبل الجانب السوريّ، وكذلك تظافر كلّ الجهات، من الشرطة البلديّة وقوى الأمن الداخليّ والجمارك المسؤولة عن ضبط المعابر هو أمر أساس.
وعقب انتهاء الحرب الإسرائيليّة، وسيطرة الجيش اللبنانيّ على المعابر الرئيسة، تزامنًا مع سقوط نظام الأسد، أطلقت الإدارة السوريّة الجديدة، منذ أسابيع عمليّة هدفها ضبط الحدود غير الشرعيّة، لتشهد منطقة البقاع الشماليّ مع حدود مدينة القصير اقتتالًا عنيفًا مع العشائر اللبنانيّة.
وبحسب “ن. ج.”، أحد أبناء العشائر في مدينة الهرمل، فإنّ هذا ليس الدافع الوحيد والرئيس لاشتداد الاقتتال الأخير، إذ يعود أيضًا إلى خلافات بين عشائر لبنانيّة وسوريّة مدعومة من قبل الإدارة السوريّة الجديدة، على معابر التهريب والنزاع على قريتي حاويك والقصر، اللتين تربطان عمليّات التهريب بين سوريّا ولبنان، نتج عن ذلك موجات نزوح جديدة لسكّان هاتين القريتين من الجنسيّة اللبنانيّة.
بدوره، ردّ الجيش اللبنانيّ الذي انتشر على الجانب اللبنانيّ للحدود على القصف من الجانب السوريّ، حيث سقطت قذائف عدّة على مدينة القصير الأحد. نتج عنها سيطرة الإدارة السوريّة الجديدة على على أكثر من سبع قرى ذات غالبيّة لبنانيّة في ريف حمص الغربيّ المتداخلة مع لبنان منها: حاويك وأكوم، وزيتا وتلالها، ومطربا وجرماش وبلوزة، ضمن حملة تمشيط استهدفت تجّار المخدّرات وعصابات التهريب في تلك المناطق، بحسب ما ذكره مصدر أمنيّ سوريّ لصحيفة الشرق الأوسط.
في المقابل، أفاد مصدر أمنيّ في الجيش اللبنانيّ لـ “مناطق نت”، بأنّ “الإدارة السوريّة الجديدة شنّت حملة مكثّفة لإنهاء ملفّ التهريب داخل الأراضي السوريّة والتي سكانها لبنانيّون بهدف ضبط الحدود؛ واستطاع السيطرة على القرى الداخليّة الخاصّة به أيّ القرى اللبنانيّة داخل الأراضي السوريّة، نتج عن ذلك إطلاق نار من قبل الجانب السوريّ نحو الأراضي اللبنانيّة ممّا أدّى إلى تحرّك الجيش اللبنانيّ نحو الحدود بردّ على النيران السوريّة وضبط الوضع، وتعزيز نقاط إضافيّة نحو الحدود السوريّة”.
ويرى المصدر أنّ “القرى الحدوديّة سكّانها لبنانيّون، ولكنّ الإدارة السوريّة الجديدة ادّعت أنّ هذه القرى تحتوي على معامل كبتاغون وهذا ما تمّ عرضه على شاشات التلفزيون، لكن نحن نعتبر أنّ هذه المعامل داخل المناطق السوريّة، وكان من المفروض معالجة مشاكلهم بأنفسهم وليس أن نقوم نحن بمعالجتها. أمّا بالنسبة للخلاف اللبنانيّ السوريّ حول تواجد السكّان اللبنانيّين الذين يملكون أراضٍ داخل الحدود السوريّة، فهذه الأمور يتمّ حلّها عبر اتّفاق لبنانيّ سوريّ ومفاوضات بين الدولتين”.
حلول مع بداية العهد الجديد
منذ خمسين عامًا ومعابر التهريب بين لبنان وسوريّا ناشطة من دون إيجاد أيّ حلول حتّى يومنا هذا. تتعدّد الأسباب في هذا الإطار وأبرزها تهميش الدولة لمنطقة الهرمل والوضع الاقتصاديّ المنهار في البقاع وفقًا لما يؤكّده المحامي والناشط الحقوقيّ علي عبّاس، معتبرًا أنّ الأمر يعود إلى غياب دور الدولة وسيطرة أحزاب قوى الأمر الواقع.
“أمّا اليوم فنيّة ضبط الحدود موجودة وهو ما تجلّى في خطاب رئيس الجمهوريّة جوزاف عون الذي تناول مكافحة موضوع التهريب عبر الحدود اللبنانيّة السوريّة” وفقًا لعباس. لكنَّ الأمر يبدأ “بتجهيز الجيش اللبنانيّ عسكريًّا ولوجستيًّا وتحصينه سياسيًّا لتمكينه من القيام بهذه المهام الصعبة ووضعه في مناخ اكتفاء مادّيّ في مواجهة المهرّبين والمطلوبين للعدالة، إضافة إلى خلق بيئة حاضنة له من أبناء المنطقة والعشائر عبر خلق الدولة اللبنانيّة بدائل تنمويّة لهم”.
في السياق عينه يرى عبّاس، أنّ الأمر لا يتوقّف على الجيش فحسب وإنّما ثمّة مسؤوليات أيضًا تقع على عاتق الجمارك. ويقول في حديث لـ “مناطق نت”: “لا بدّ من زيادة عدد المعابر الشرعيّة بهدف تقليص المسافات بين المعابر غير الشرعيّة حتّى تتمكّن الجمارك من ضبط الحدود بشكل أفضل، إضافة إلى تعزيز دوريّات الجمارك عند تلك المعابر لمراقبة عمليّات التهريب والكشف عن عمليّات النقل عبر هذه المعابر وفي المقابل ضبط التهريب العكسيّ من سوريّا إلى لبنان وبالتالي منع دخول البضائع غير المجمركة.
كذلك يطالب عبّاس “بمكافحة الفساد في سلك الجمارك عبر توقيف الضبّاط الفاسدين وعدم السماح لأيّ عنصر بإدخال هاتفه المحمول خلال تأديته الخدمة، وهي خطّة متكاملة سبق أن قدّمناها إلى البرلمان اللبنانيّ، لكنّ النيّة لم تكن موجودة لتطبيقها، ونأمل تطبيقها اليوم في العهد الجديد”.

أمّا بخصوص السرقات التي حصلت في منطقة البقاع والهرمل في ظلّ الحرب الإسرائيليّة واستمرّت بعدها، فيرى المحامي عبّاس، أنّ مكافحة هذا النوع من الجريمة تقع في صلب مهام قوى الأمن الداخليّ. أمّا في حال كانت العصابات مسلّحة وتشكّل خطرًا على السلم الأهليّ فعندها يتدخّل الجيش، لأنّ قوى الأمن لا تملك الإمكانات لمواجهة هذه العصابات، وعليه يجب وضع خطّة أمنيّة متكاملة تترافق مع تحسين رواتب عناصر قوى الأمن الداخليّ وخدمة الطبابة من أجل تحفيزهم على القيام بهذه المهام الصعبة في مناطق ذات حساسيّة أمنيّة.
يُنشر هذا التقرير في إطار البرنامج التدريبي حول “أسس ومبادئ التغطية الإعلاميّة لقضايا الأمن في لبنان” الذي نظّمته مؤسّسة “مهارات” بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن “DCAF”. هذا المحتوى لا يعكس بالضرورة آراء مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن.