الوطن في الطريق إلى الموت
طانيوس وهبي
وإن بخطى بطيئة. إلا أنه يسلك طريق الهلاك. وطني لبنان يتدحرج نحو الهاوية. ويسير نحو الموت.
والكل يصوب أسلحته باتجاه الوطن. وإن بنسب متفاوتة بدءاً بالخنجر الجارح وصولا إلى الصاروخ المدمر مرورا بالمسدس والبندقية والمدفع الرشاش وكل سلاح متوفر.
فالدولة بكافة أجهزتها ودوائرها ومؤسساتها. وعلى كل المستويات ابتداءً من الرئاسة الأولى وانتهاءا بآخر دائرة رسمية بآخر قرية نائية. فإنها تستهدف الوطن اهمالا وحرمانا وفسادا وهدرا لمقدراته المالية وزعزعة لأمنه واستقراره وهروبا من تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتق كل منها وضربا لموازين العدل والعدالة واستخفافا بالمقاييس القانونية والشرعية واحتكارا للمواقع الوظيفية واستخفافا بالقيم الأخلاقية والمعاني الإنسانية والمفاهيم الرسالية واحتقارا للنفوس الأبية وتهاونا بالأرواح البشرية. وكلها جرائم موصوفة بحق الوطن.
على أن الطرف الآخر الذي لا يقل اجرامه بشاعة هو الأحزاب والتنظيمات والميليشيات بكافة مستوياتها وتنوعاتها الدينية وانتماءاتها الطائفية والمذهبية. فإنها تستخدم معاويلها الهدامة في تدمير بنيان الوطن وزعزعة الأسس والركائز التي قام عليها.
فهذه المجموعات الحزبية المارقة التي تسللت خلسة إلى مواقع الحكم وهيمنت على مفاصل السلطة وقدمت نفسها بأطروحات سياسية براقة. على أنها هي الجهات الصالحة والوحيدة الجديرة بإنقاذ البلد من براثن الفوضى الأمنية والنهوض به إلى مصاف الدول الراقية. فأمسكت بقرار البلد ومصيره بكل حزم وشدة. واحتكرت مواقع النفوذ. مستغلة ارتباطاتها بقوى إقليمية ودولية والدعم الذي يأتيها من الخارج كامتداد للدعم المالي واللوجستي والعسكري والأمني الذي كانت تحصل عليه أثناء قيادتها للمعارك خلال الحروب الأهلية التي شهدتها البلاد. وهو ما ساعدها على الامعان في ضرب مقومات الدولة بكل تفاصيلها وتخريب كافة البنى الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية. ففرضت نفسها كقوى أمر واقع في السلم كما في الحرب. وبرز قياديوها كأمراء للسلام تماما كما كانوا أمراء في المتاريس. وتمكنت من الإحاطة بمقدرات البلد وموارده المالية وتنافست فيما بينها لتقاسم الغنائم حربا وسلما. فيما غالبية اللبنانيين تئن من الفقر.
وبعد الدولة والأحزاب يأتي دور الشعب الذي يساهم عن قصد أو غير قصد وعن غباء أو دهاء وكما يسميها البعض شطارة. فإن شرائح واسعة من المجتمع اللبناني شاركت في توجيه سهام الموت إلى الوطن. عندما ارتضت لنفسها عيشة الذل والهوان. وانساقت كالقطعان وراء زعامات طارئة استغلت حاجة الناس وفقرهم وجوعهم واكتفت هذه الشرائح الاجتماعية بالنذر اليسير من حقوقها. وعاشت وهي مسلوبة القوة والحرية وإرادة التغيير. فهانت عليها كرامتها الشخصية وكرامتها الوطنية عندما تقاعست عن الانتفاض والنهوض للمطالبة بحقوقها المسلوبة على أيدي الطغمة الحاكمة الفاسدة والفاقدة لكافة المعاني الأخلاقية والإنسانية.
فالوطن المحاصر بمثلث. رأسه قوى سياسية وحزبية انتهازية واستغلالية. وإحدى قائمتيه دولة فارغة من اي مضمون وتحكم ببعض القشور من المسؤولية. وقائمته الأخرى شعب فاقد للحس الوطني فتأقلم مع الاستهانة بكرامته وحقوقه. والوطن الملقى على قارعة النزاعات والخلافات والمحاصصة فإنه لا زال يستمد الحياة من بعض المقويات والجرعات المخدرة فإنه يسير نحو الموت وإن بخطى بطيئة لكنه في الربع الأخير من عمره وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.