انتخابات الـ 2022.. الجنوب يطوي زمن الزعامات التقليدية نيابة وترشيحًا
وحده النائب الحالي علي عادل عسيران، ما يزال يحتل مقعدًا نيابيًا، من بين جموع العائلات التقليدية و”بكاوات” الجنوب، الذين أفُلت نجومهم، بعدما بقيوا في سدة رئاسات المجالس النيابية والندوات البرلمانية والحقائب الوزارية لاكثر من ثمانية عقود. بدأت مع مرحلة الاحتلال التركي واستمرت مع الانتداب الفرنسي وصولاً إلى استقلال لبنان العام 1943.
“خمدت” زعامة آل الأسعد وآل الخليل وحلفائهما التقليديين من آل الزين وعسيران وصفي الدين وشرف الدين وعرب والفضل والخطيب وشاهين والصباح وبيضون وسواهم في مناطق الجنوب. ولم يبقَ من تلك الزعامات على مستوى القرار السياسي الرسمي أي نفوذ، وتحديدًا منذ ما بعد اتفاق الطائف في العام 1989، حيث شارك العديد منهم بحكم وجودهم في المجلس النيابي في هذا الاتفاق (كاظم الخليل، عادل عسيران)، بعدها انتقلت الزعامة في انتخابات العام 1992 الأولى بعد انتهاء الحرب اللبنانية، إلى شبه مطلقة، لرئيس مجلس النواب رئيس حركة أمل نبيه بري، فشكل بالشراكة مع حزب الله لائحة في محافظتي الجنوب والنبطية، ضمت 23 مرشحًا فازوا جميعهم.
“خمدت” زعامة آل الأسعد وآل الخليل وحلفائهما التقليديين من آل الزين وعسيران وصفي الدين وشرف الدين وعرب والفضل والخطيب وشاهين والصباح وبيضون وسواهم في مناطق الجنوب.
وطعّم الرئيس بري آنذاك، اللائحة بوجوه تقليدية، كانت جزءاً من تحالفات آل الأسعد والخليل (عادل عسيران، عبد اللطيف الزين) ووجوهًا يسارية (حبيب صادق، أحمد سويد). ووجه معركته حينها باتجاه من أسماهم بالاقطاع السياسي الذي حكم الجنوب لعقود من الزمن، وخصوصًا آل الأسعد والخليل، الذين خاضوا الانتخابات برموزهم الأساسية، فترشح الرئيس كامل أحمد الأسعد عن دائرة قضاء النبطية، والمحامي ناصر الخليل، نجل النائب السابق كاظم الخليل، عن قضاء صور، فحصلا على أصوات، لم تتناسب مع أحجامهم السابقة خلال وجودهما في السلطة. وكانت هاتان العائلتان تتقاسمان النفوذ السياسي على امتداد الجنوب وخاصة في البيئة الشيعية، وكانتا خصمان لدودان لبعضهما البعض.
ولكن الفارق الكبير بين هذه المرحلة الممتدة من العام 1992، وبين سلطة ونفوذ الاقطاع والبيوتات السياسية، أن لوائح الأخيرة، كانت تخرق في معظم الجولات الانتخابية، وعلى سبيل المثال، فإن النائب الأسبق المرحوم علي بزي، فاز على كامل الأسعد، نجل أحمد الأسعد في مرجعيون في إحدى الدورات في الستينيات، بعدما كان نجح في أواخر الخمسينيات، ضمن لائحة أحمد الأسعد، التي فازت بكافة مرشحيها الـ 14، والنائب المرحوم علي الخليل نجح أيضًا مع بدايات المد اليساري العام 1972، خارقًا لائحة قريبه النائب كاظم الخليل، الذي فاز حينها عن مقعد صور مع حليفه النائب المرحوم يوسف حمود. أما لوائح حزب الله وحركة امل التي يترأسها الرئيس بري، لم يسجل فيها أي خرق أو خدش إلى الآن.
آل الأسعد “التيار الأسعدي”
تجذرت عائلة الأسعد، لعقود طويلة في الحياة السياسية اللبنانية، ومرت في حقبات مختلفة قبل تبوأ شخصيات منها، سدة المجالس النيابية، منذ بدايات القرن العشرين، فعبد اللطيف الأسعد، انتخب نائبًا في المجلس النيابي الأول والثاني، كما انتخب نجله أحمد بك الأسعد نائبًا للمرة الأولى العام 1937 عن دائرة الجنوب، ثم أعيد انتخابه في الأعوام 1943 ،1947، و1951 وانتخب رئيسًا للمجلس النيابي خلفًا لصهره صبري حمادي وأيضًا أعيد انتخابه رئيسًا للمجلس عامي 1952 و1953 وبقي نائبًا حتى وفاته العام 1961. وعرف عنه معارضته للانتداب الفرنسي، أما نجله كامل الأسعد (2010 – 1932 ) فهو رئيس المجلس النيابي السادس بعد الاستقلال، وتولى رئاسة المجلس ثلاث مرات، ووصل عدد سنوات فترة رئاسته أربعة عشرة عامًا وتسعة أشهر، وكان انتخب نائبًا للمرة الأولى العام 1953، وأعيد انتخابه خمس دورات.
لعب الأسعد دورًا في وصول الرئيس بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية العام 1982، عندما كان رئيسًا للمجلس النيابي الذي وافق على إتفاقية 17 أيار مع اسرائيل.
ترشح الأسعد إلى الانتخابات النيابية مجددًا في مواجهة تحالف حزب الله وحركة امل وحلفائهما من أحزاب وعائلات في الأعوام 1992 و1996 والـ 2000 ، كما ترشح نجله أحمد دورات عدة في الأعوام 2000 و2005 ،2009 و2018. حيث نال في الأخيرة 165 صوتاً فقط.
شهد التيار الأسعدي منذ أكثر من ثلاثة عقود تراجعًا سياسيًا وشعبيًا كبيرين، في المناطق التي كانت تعد نفوذًا شبه مطلق مع حلفائه في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات، إلى أن وصل الأمر في الانتخابات الحالية (2022) عدم ترشح أي فرد من العائلة.
ويعيد سامي الجواد، الذي شغل منصب المستشار الإعلامي للرئيس كامل الأسعد من العام 2000 حتى وفاته أسباب هذا التراجع والانكفاء إلى عدم انخراط الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي أسسه الأسعد العام 1970، في العروض السخية التي قدّمت له ورفضها الأسعد، ومواجهته للنفوذ السوري المتزايد آنذاك، وعدم انصياعه لشروطه كمدخل إلى الاستمرار بالحياة السياسية، إلى جانب استعار الخطاب الطائفي والفئوي الذي يتعارض مع منطق الأسعد، كما سود الزبائنية السياسية كوسيلة للاستقطاب الانتخابي إضافة إلى صنوف الترهيب بكل أشكاله. وضعف الإمكانات المالية، لا سيما وأن الأسعد دخل الحياة السياسية وريثا للاراضي وخرج شبه فقير منها.
الجواد: الأسعد دخل الحياة السياسية وريثا للاراضي وخرج شبه فقير منها
علي مهنا أسعدي أباً عن جد
لم يهجر علي مهنا 77 عامًا، انتماؤه الأسعدي، ورغم كل المتغيرات بقي إبن بلدة كونين المجاورة لبنت جبيل، وفيًا ولصيقًا للرئيس كامل الأسعد، منذ انتخابات العام 1972، متوارثًا هذه العلاقة من جده وأبيه، الذين عايشوا الحقبة الأسعدية على مدى عقود من الزمن.
ترشح مهنا عن دائرة الجنوب العام 1996 ضمن لائحة الرئيس الأسعد، كما ترشح العام 2005 مع نجله أحمد.
كان مهنا في انتخابات العام 1972، التي فاز فيها الأسعد إلى جانب عبد اللطيف بيضون وأنور الصباح، في صلب النشاط الانتخابي في منطقة بنت جبيل.
يؤكد مهنا لـ “مناطق نت” أنه كان يشارك في الجولات الانتخابية انذاك، من بلدة إلى أخرى. يضيف لقد عايشت الرئيس كامل الأسعد عن قرب، فعرفت معدنه وأصالته وصلابة مواقفه وانتمائه للناس. مؤكدًا شتان بين تلك المرحلة وهذه المرحلة القائمة على التزييف.
آل الخيل
كان كاظم اسماعيل الخليل (1990 – 1902) واحدًا من رموز ما يطلق عليهم “التقليد السياسي” وهو من عائلة صورية، يعود جذورها إلى بلدة شحور، وقد دخل المعترك السياسي من بابه الواسع، حيث كان والده وجده، من الشخصيات البارزة في المنطقة، وكان مناهضًا للحكم العثماني.
ناصر الخليل: الانتخابات الحالية، هي محطة مهمة، لمواجهة المنظومة الفاسدة والاقطاع الجديد، وأن إتحاد المعارضة في الجنوب، لا سيما دائرة صور الزهراني، هو أمر مهم وضروري، سواء كنا مرشحين مباشرة أو غير مباشرة
دخل الخليل الندوة البرلمانية للمرة الأولى في العام 1937، وانتخب نائبًا في دورات 1943، 1953، 1972، وشغل مناصب وزارية عدة، ونيابة رئيس المجلس النيابي العام 1946. التصق التصاقًا قويًا بالرئيس الراحل كميل شمعون، وأسس معه حزب الوطنيين الأحرار، وكان خصمًا سياسيًا لآل الأسعد.
تيار آل الخليل في الجنوب وصور، حيث كان ثقلهم السياسي والشعبي، قد ذبل بشكل كبير، حتى أنه لم يجد حلفاء، لمعاركه الانتخابية في مواجهة حركة أمل وحزب الله.
عمل هذا التيار الذي لم يخرج من العباءة العائلية الاستمرار بنشاطه السياسي، عبر المشاركة في الانتخابات النيابية الأولى العام 1992 بعد وقف الحرب الأهلية، فترشح المحامي ناصر الخليل، عن أحد مقاعد صور الشيعية الأربعة، إذ نال 13 ألف صوتًا على مستوى محافظتي الجنوب والنبطية، اللتين كانتا دائرة واحدة، ثم ترشح شقيقه السفير خليل الخليل في دورة العام 1996.
يؤكد المحامي ناصر الخليل لـ “مناطق نت” أن والده كاظم الخليل، كان قاضيًا في محكمة جبل لبنان “الدامور” وهناك تعرّف إلى الرئيس كميل شمعون وإميل إدة، الذي عرض عليه الترشح على لائحته. وتعهد له بحمل الفرنسيين على الرضوخ. على الرغم من مقاومة ونضال والده ضدهم. وهكذا انتخب كاظم الخليل أول مرة نائبًا وذلك في العام 1937.
ويضيف الخليل أن الانتخابات الحالية، هي محطة مهمة، لمواجهة المنظومة الفاسدة والاقطاع الجديد، وأن إتحاد المعارضة في الجنوب، لا سيما دائرة صور الزهراني، هو أمر مهم وضروري، سواء كنا مرشحين مباشرة أو غير مباشرة، مضيفًا لقد أثبتت جميع كتل التسلط على اللبنانيين فسادها أو أقلها التغطية على الفساد الذي ذهب ببلدنا إلى الإضمحلال وبأموال مغتربينا إلى جيوبهم وبأبنائنا إلى التشرد.
ويلفت الخليل إلى أن جذور العائلة تعود إلى بلدة شحور وكان تمردها، بتسميتيها الخليل والزين وهي عائلة واحدة على النير التركي ووقوفها إلى جانب الفلاحين بوجه ضراوة محصّلي الأعشار من الإقطاع وعماله، فكان أن وجه الوالي أحمد باشا الجزار عليهم من جيشه فأنزلوا بهم مذبحة غدت أسطورة فتوزع منهم فرعنا إلى صور ومنهم إلى الشياح واللوبية وغيرها. فلم يكن آل الخليل من الإقطاع بل بنوا قاعدتهم وتيارهم على مناهضته والاستعمار العثماني والفرنسي إلى جانب المستضعفين من الناس.
آل عسيران
دخلت عائلة عسيران الحياة السياسية اللبنانية بشكل كبير ، وهي عائلة تخلت عن جنسيتها الايرانية العام 1930 وقد برز اسم عادل عسيران (1998 – 1905) قويًا في المعترك السياسي، وهو كان واحدًا من رجالات الاستقلال، الذين تم سجنهم في قلعة راشيا من قبل الانتداب الفرنسي. تولى رئاسة المجلس النيابي من العام 1953 وحتى العام 1959 وانتخب مرات عدة في المجلس النيابي، كان آخرها ضمن لائحة الرئيس نبيه بري العام 1992. وبعد وفاته حل نجله النائب الحالي علي عسيران في المقعد النيابي الشيعي عن دائرة الزهراني وما يزال إلى تاريخه.
وفي وقت سابق كان آل عسيران حلفاء انتخابيين لآل الخليل والزين، وكانوا يفوزون معًا في دورات مختلفة، في مواجهة لوائح آل الأسعد، الذين كان يتحالف معهم آل صفي الدين وشرف الدين وبيضون وآخرين، وعند فوز الثلاثي كاظم الخليل وعادل عسيران ويوسف الزين العام 1957، أنشد المختار الأسبق لقرية طيردبا المرحوم الحاج خليل حمود، وفق ما يروي أحد معمري البلدة الحاج موسى حيدر سعد بيتًا من الشعر جاء فيه:
من عاداتنا نحمي الدخيل من بلاد الأرز لبلاد النخيل
بالسيف خشوا البرلمان عسيران والزين والخليل
آل الزين
هي واحدة من العائلات السياسية الشيعية النافذة في الجنوب، لا سيما في منطقة النبطية، مسقط رأسها في بلدة كفرمان، ويقال إن جذورها من بلدة شحور أيضاً، وهم أبناء عمومة آل الخليل.
ولد يوسف بك الزين العام 1882، تم اختياره في المجلس الاستشاري للنبطية، وانتخب بالاقتراع بعضوية أول مجلس تمثيلي في عهد الانتداب الفرنسي العام 1922، ثم عضوًا في المجلس النيابي في انتخابات العام 1926، بعدما حل المفوض السامي الفرنسي المجلس الاستشاري، وبقي نائبًا حتى وفاته في العام 1962. بعده توالى على عضوية المجلس النيابي عن دائرة النبطية أبنائه عبد المجيد وعبد الكريم وعبد اللطيف 1932 – 2019 الذي انتخب تسع دورات متتالية في المجلس النيابي، منها خمس دورات في لائحة حركة أمل وحزب الله بدأت في العام 1992.
ومع وفاة عبد اللطيف الزين، لم تجدد ولاية آل الزين في المجلس النيابي، ولم يسجل ترشح أي من أفراد العائلة، وبهذا تكون صفحة آل الزين قد طويت بعد مجد دام عقودًا.