انتخابات بلديّات بعلبك الهرمل بين التزكية والمواجهة

منذ تاريخ عودة الانتخابات البلديّة والاختياريّة في العام 1998 وبعد انقطاع طويل، جرت العادة أن تنبثق معظم البلديّات في منطقة بعلبك الهرمل عن لوائح توافقيّة، باستثناء بعض البلدات القليلة التي كانت تشهد مواجهات، ومعظمها خارج “البيئة الشيعيّة”. لكنّ الأمور اليوم تبدّلت، ففي قرى قضاء بعلبك مثل مقنّة، شعت، البزّاليّة، الرام، زبود، العين، حربتا، عرسال، رأس بعلبك، الفاكهة- جديدة، النبي عثمان، القاع، وقرى في قضاء الهرمل مثل القصر، الشواغير، الكواخ، والشربين، جميعها تستعدّ لخوض معارك انتخابيّة غير مسبوقة. معارك يمكن أن تُفضي إلى واقع متبدّل في المشهد البلديّ، تفتح أفقًا جديدًا لروح التغيير التي تنشدها المنطقة بأسرها.

من التوافق إلى التنافس

في بعض القرى، تتقدّم أكثر من لائحة لخوض معركة تُوصف بأنّها مفصليّة، ليس على صعيد المجالس البلديّة وحسب، بل أيضًا في ما تحمله من إشارات لتبدّل المزاج الشعبيّ وموازين القوى. نموذج هذا التحوّل يبدو جليًّا في مقنّة وشعث، حيث بدأت المنافسة تخرج من عباءة الأحزاب الكبرى لتأخذ طابعًا محلّيًّا بامتياز، تغذّيه ديناميّات اجتماعيّة وطائفيّة وسياسيّة.

في مقنّة، لا مكان في هذا الاستحقاق للائحة توافقيّة تُعيد ما حصل في الانتخابات الأخيرة 2016. إذ تتنافس لائحتان، الأولى يقودها ممدوح المقداد، في مقابل لائحة ثانية يرأسها فادي المقداد. واللافت في هذه المعركة الانتخابيّة هو ما أعلنه حزب الله عن رفع يده عن ملف الانتخابات في مقنّة، وأصدر بيانات عدّة تؤكّد أنّه يقف على مسافة واحدة من جميع المرشّحين.

تشير التوقّعات إلى أنّ معركة الانتخابات في معركة ستكون حامية بين لائحتين قويّتين، وبخاصّة أنّ مرشّحي اللائحة المنافسة سبق أن خرقوا لوائح الثنائيّ في دورات سابقة

في شعث، تتشابه الصورة إلى حدّ بعيد، حيث تتحضّر لائحتان إلى خوض المعركة الانتخابيّة. الأولى مدعومة من “حركة أمل” و”حزب الله”، والثانية وبعد تضافر جهود عدّة يتولّاها كلّ من أديب حرب ومحمّد ونجيب شمص وعلي أحمد الحجّ حسن وعبد الحكيم العرب.

تشير التوقّعات إلى أنّ هذه المعركة ستكون حامية بين لائحتين قويّتين، وبخاصّة أنّ مرشّحي اللائحة المنافسة سبق أن خرقوا لوائح الثنائيّ في دورات سابقة، لا سيّما وأنّ البلدة تضمّ في نسيجها الاجتماعيّ مكوّنًا سنّيًّا وازنًا تتميّز به بلدة شعث عن سواها من البلدات، ومن المتوقّع أن يصبّ المكوّن السنّي بنسبة 80 في المئة لصالح اللائحة المنافسة للثنائيّ، وهو ما قد يغيّر مسار الانتخابات، إذ يشترط “السنّة” أن تكون رئاسة البلديّة كجزء أساسيّ من أيّ تسوية محتملة.

معركة بلديّة الرام الجوبانيّة

من شعث باتّجاه الرام صعودًا، يستمرّ المشهد الانتخابيّ ذاته إذ يُسجّل على لوائح الشطب في بلديّة الرام – الجوبانيّة ما مجموعه 1595 ناخبًا (1235 للرام و360 للجوبانيّة)، لكن وبحسب أحد فعاليّات بلدة الرام عبد المولى محسن نون، فإنّ هذا العدد يتقلّص عند استبعاد العسكريّين والمسافرين والمتوفّين. وبناءً عليه، سيتوجّه الناخبون إلى اختيار 12 عضوًا، تسعة منهم لبلدة الرام التي يتشكّل معظم ناخبيها من آل نون باستثناء 30 ناخبًا من آل أمهز، وثلاثة أعضاء لبلدة الجوبانيّة وتضمّ عائلة واحدة هي آل رباح، مع تخصيص مختار لكلّ حيّ.

اليوم، تتنافس لائحتان في الرام تمثّل كلّ منهما العائلات في البلدة. اللائحة الأولى هي “لائحة الإنماء والتغيير” التي يقودها محسن علي نون وغسّان فؤاد نون، بينما تتكوّن اللائحة الثانية من 11 عضوًا، بالإضافة إلى مرشّح منفرد.

وفي هذا الصدد يقول نون لـ “مناطق نت”: “على رغم مساعي الثنائيّ لتحقيق التوافق، فقد فشلت هذه المحاولات في البلدة ورفضت بعض الأطراف الخضوع لها، ممّا دفعهم إلى خوض معركة انتخابيّة مفتوحة”.

منافسة متشعّبة

لا يختلف المشهد كثيرًا في البزّاليّة، إذ لا توافق انتخابيًّا فيها، على رغم الثقل السياسيّ لحزب الله في البلدة. ونتيجة ذلك تستعدّ البزّاليّة التي يتألّف مجلسها البلديّ من 12 عضوًا، لخوض معركة انتخابيّة عبر لائحة واحدة ومجموعة من المرشّحين المنفردين.

في حربتا، يتّسع المشهد إلى ثلاث لوائح، الأولى يرأسها محمّد يوسف المولى وتحظى بدعم الثنائيّ الشيعيّ والمحافظ السابق محمود المولى. أمّا الثانية، فيقودها علي حسن محسن المولى وتضمّ أربعة أعضاء حتّى الآن، وتبرز لائحة ثالثة لا تزال بدورها غير مكتملة، ما يوحي بمنافسة متشعّبة ربّما تحمل مفاجآت في صناديق الاقتراع.

معارك حزبيّة وعائليّة

في بلدة النبي عثمان، تتّجه المعركة الانتخابيّة نحو تصعيد بين لوائح حزبيّة وأخرى عائليّة. ثلاث لوائح رئيسيّة تتنافس: الأولى تمثّل الثنائيّ (حزب الله وحركة أمل)، والثانية للحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ، أمّا الثالثة فمستقلّة. هذا الانقسام انعكس بوضوح داخل العائلات، إذ تفرّق أفرادها تبعًا لانتماءاتهم الحزبيّة، على رغم مساعٍ سابقة لتشكيل لائحة موحّدة، اصطدمت بخلافات حالت دون ولادتها.

الانقسام في بلدة النبي عثمان انعكس بوضوح داخل العائلات، إذ تفرّق أفرادها تبعًا لانتماءاتهم الحزبيّة، على رغم مساعٍ سابقة لتشكيل لائحة موحّدة، اصطدمت بخلافات حالت دون ولادتها.

في بلدة العين، التي كانت تأمل التوافق على لائحة واحدة شاملة، تبدّد الحلم أمام ترشّح عدد من الأفراد بشكل منفرد. ومع ذلك، تخوض البلدة الانتخابات بلائحة مكتملة تضمّ جميع الأحزاب الرئيسيّة: حزب الله، حركة أمل، الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ، الحزب الشيوعيّ، إلى جانب تمثيل العائلات، في مقابل خمسة مرشّحين منفردين يخوضون المعركة.

أمّا بلدة الفاكهة– جديدة، فتسجّل رقمًا قياسيًّا بعدد اللوائح المتنافسة، إذ تخوض خمس لوائح المعركة الانتخابيّة المنتظرة يوم الأحد المقبل، في مشهد غير مسبوق من التنافس العائليّ المحض. تتوزّع اللوائح بين اثنتين لعائلة محي الدين، واثنتين لعائلة سكّريّة، وواحدة لعائلة عبد الواحد، في حين يغيب التمثيل الحزبيّ عن السباق، ويصوّت نحو 6050 ناخبًا لاختيار 18 عضوًا للمجلس البلديّ المقبل.

مواجهات حزبية محتدمة

من الفاكهة إلى رأس بعلبك، تستعدّ البلدة ذات الغالبيّة المسيحيّة لخوض انتخابات بلديّة تتنافس فيها لائحتان: الأولى مدعومة من حزب القوّات اللبنانيّة، والثانية تمثّل العائلات. وسيصوّت نحو 5000 ناخب لاختيار 15 عضوًا للمجلس البلديّ، في مشهد يعكس انقسامًا واضحًا بين التوجّه الحزبيّ والانتماء العائليّ.

أمّا في بلدة القاع، في أقصى البقاع الشماليّ، فالصورة أكثر تعقيدًا مع وجود لائحتين مكتملتين: واحدة تمثّل القوّات اللبنانيّة ويقودها الرئيس السابق للبلديّة بشير مطر، وهي لائحة مكتملة من 15 عضوًا. ولائحة أخرى مكتملة للتيّار الوطنيّ الحرّ يرأسها شادي نصرالله. يتأهّب حوالي 6933 ناخبًا للمشاركة في هذا الاستحقاق الذي سيؤدّي إلى رفع عدد أعضاء المجلس البلديّ إلى 18 عضوًا، نظرًا إلى ارتفاع عدد الناخبين.

قضاء الهرمل والمعركة الكبرى

في قضاء الهرمل، الذي يضمّ ثماني بلديّات، تستعدّ ستّ منها لخوض غمار الانتخابات البلديّة، وهي: الهرمل، القصر، الشواغير، فيسان، الكواخ والشربين.

لكنّ الأنظار تتّجه إلى بلديّة الهرمل نفسها، حيث تحتدم المنافسة على نحو غير مسبوق بين لائحتين قويّتين، في مشهد انتخابي يحمل ملامح التغيير. اللائحة الأولى “الهرمل للجميع”، تشكّلت باكرًا وتضمّ 16 عضوًا يمثّلون ائتلافًا من العائلات والفعاليّات في البلدة. في المقابل، تقف لائحة “التنمية والوفاء” المدعومة من “الثنائيّ” وهي مكتملة بـ21 عضوًا.

ومع انقسام العائلات بين اللائحتين، وانضمام 11 مرشحًا منفردًا إلى السباق، يبلغ عدد المرشّحين في الهرمل 48 يتنافسون على 21 مقعدًا، بوجود 24,700 ناخب.

في حديثٍ إلى “مناطق نت” يقول المرشّح المهندس علي عبد علي شمص، أحد أعضاء لائحة “الهرمل للجميع”، إنّ ترشّحه خطوة جريئة لكسر الاحتكار وإعادة الحياة السياسيّة إلى الشارع الهرمليّ، موضحًا أنّ “معركتنا ليست ضدّ المقاومة كما يُروَّج، فنحن أبناء المقاومة نخوض معركة إنمائيّة للتغيير”.

شمص: المعركة الانتخابيّة في الهرمل تمثّل شكلًا من أشكال التعبير الديمقراطيّ وحرّيّة الرأي، وأنا لم أتعرّض لأيّ ضغوط من أيّ جهة. هدفنا ليس مواجهة أحد

كفاءة وإنماء

يضيف شمص: “المعركة الانتخابيّة في الهرمل تمثّل شكلًا من أشكال التعبير الديمقراطيّ وحرّيّة الرأي، وأنا لم أتعرّض لأيّ ضغوط من أيّ جهة. هدفنا ليس مواجهة أحد، بل بناء بلديّة حقيقيّة فاعلة، تنبض بالحياة، تجتمع وتتناقش على الأرض لا عبر مراسيم جوّالة”.

ويعدّد شمص أولويات اللائحة قائلًا: “مشاريعنا تبدأ من الأساسيّات، أيّ النظافة مثل إزالة النفايات، الصرف الصحّيّ، تحسين الجباية، مشاريع الإنارة، وقبل كلّ شيء إعطاء العمّال حقوقهم”. ويعتبر أنّ الانطلاق سيكون من الصفر بهدف تحقيق إنماء حقيقيّ، حتّى وإن أزعجت فكرة الجباية بعض الأهالي، فإنّها شرط أساسيّ لنهضة البلديّة.

ويختم شمص: “إنّ اختيار مرشّحي اللائحة تمّ على أساس الكفاءة، فـهم أفراد مؤثّرون وفاعلون في مجتمعهم، ولم ينضمّوا فقط لأنّهم على خلاف مع اللائحة الأخرى”. ويشدّد على أنّ رضى العائلة يبقى معيارًا أساسيًّا، فـ “لا مكان لمرشّحين مفروضين على عائلاتهم”.

تنافسات عائلية في قرى الهرمل

في بلديّة الشواغير المنقسمة إلى الشواغير التحتا (12 عضوًا) والفوقا (ثلاثة أعضاء)، يستعدّ 3153 ناخبًا لاختيار 15 عضوًا من بين ثلاث لوائح، اثنتان منهما يرأسهما وجهان معروفان سبق أن تولّا رئاسة البلديّة في دورات سابقة: الأولى برئاسة علي خضر الحاج حسن والثانية برئاسة محمّد فندي الحجّ حسن، فيما تبقى ملامح اللائحة الثالثة غير مكتملة حتّى الساعة.

في بلدة القصر، يتهيّأ 9586 ناخبًا للاقتراع واختيار 18 عضوًا بين لائحة مكتملة وعدد من المرشحين المنفردين، ما يفتح المجال أمام معركة مفتوحة على كلّ الاحتمالات.

أمّا في الشربين، التي تضمّ حوالي 2708 ناخبًا، غاب التوافق بين آل ناصرالدين، ما أدّى إلى تشكيل لائحة مكتملة من 15 عضوًا يرأسها خضر ناصرالدين، في مقابل ستّة مرشّحين منفردين يتنافسون على مقاعد المجلس البلديّ.

وفي بلدة الكواخ، التي تضمّ 2285 ناخبًا، أخفقت العائلات أيضًا في تشكيل لائحة موحّدة، ما أدّى إلى تنافس لائحتين تنتميان كلتاهما إلى آل الهقّ.

تزكيات خجولة ومحاولات للتوافق

على رغم الجهود المبذولة لتجنّب المعارك الانتخابيّة، تبدو حظوظ التزكية في انتخابات الـ 2025 ضعيفة نسبيًّا، إذ تشهد أكثر من 19 بلدة من أصل 27 معارك انتخابيّة، فيما تفوز التزكية في بعض البلدات الصغيرة كالحرفوش (15 عضوًا)، نبحا (15 عضوًا)، قرحا (تسعة أعضاء)، مقراق (تسعة أعضاء)، جوار الحشيش (12 عضوًا)، مزرعة سجد (تسعة أعضاء)، اللبوة (15 عضوًا)، حلبتا والقدّام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى