إلى ضحايا انفجار الرابع من آب..
سنة مرّت على رحيلكم بتفجير هو الأكبر في التاريخ، هكذا أجمع الخبراء وقالوا. منذ عام وحتى الآن ذكرى رحيلكم، يكاد لا يمر يوم إلا وأنتم وقضيتكم حاضرون، ما غابت وما غبتم أبداً.. في ذكرى انفجار الرابع من اب نحن أسرى الذكرى مكبلين بمأساتها لا نستطيع الخروج منها. ساحة الجريمة لا زالت كما هي تنبض بدمائكم الممزوجة قمحاً وماءً. الأحياء القريبة من المرفأ حيث حلّت الكارثة لا زالت أبنيتها متداعية محطمة كقلوب ساكنيها. كل شيء هنا يدل أن دماؤكم لم تجف بعد، لا زالت حية تستصرخنا. تنادي أجسادنا المتعبة المتهالكة وأرواحنا المتشظية على مدى ركامنا المترامي أمام أعيننا.
في ذكراكم سال الكثير من الحبر، وتدفقت الكلمات غزيرة جداً. كل المحطات الاعلامية المرئية والمسموعة والالكترونية سواء كانت محلية أم عربية أم عالمية حضّرت نفسها منذ شهور للمناسبة. الجميع أعد العدة لمواكبة ذكراكم ليكون مواكباً للحدث الجلل الذي أصاب بيروت قبل عام. الجميع يفتش عن مفردات لم تعد تجد لها طريقاً للتعبير. الكل لا زال مصاباً بالذهول ولم يستوعب بعد هول الجريمة التي أودت بكم وبعاصمتكم بيروت.
حكايا انفجار الرابع من اب غصت بها مواقع التواصل الاجتماعي، فلكل لبناني مع ذلك التاريخ المشؤوم قصة وتفاصيل تفيض حزناً ووجعاً ودمعاً. منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لم يتعب ذووكم، لا زال أنين الألم المكبوت داخل صدورهم أقوى من التفجير. لم يكلوا ولم يستكينوا حاملين قضيتكم ليل نهار.
لستم شهداء بل ضحايا انفجار الرابع من اب
في ذكرى الجريمة التي أودت بكم وببيروت، المحزن والمضحك والمبكي في آن، هو أن المجرمون مشوا في جنائزكم. صرّحوا واستنكروا ونادوا بالحقيقة وبالعدالة. المخزي في هذا البلد أن القاتل يسير جنباً إلى جنب مع الضحية ويطالب بالعدالة وفي الوقت نفسه يمنع إسقاط الحصانة عن المسؤولين الذين تسببوا بالجريمة. ويعمل ليل نهار لطمس الحقيقة وتمييعها.
أطلقوا عليكم صفة “شهداء” وأنتم لم تختاروا أن تكونوا كذلك، والحقيقة أنتم ضحايا. أقاموا نصباً تذكارية صدئة تشبههم وتشبه جريمتهم لا يمكن عند مشاهدتها إلا الشعور بالغثيان. نظموا الاحتفالات الفولوكلورية الهزيلة والعروض “الكليشيهية”. وفي مكان آخر يعرقلون التحقيق ويمنعون على المحقق العدلي استجواب المتهمين.
في يومكم يا ضحايا انفجار الرابع من اب ، وفي يوم بيروت الجريحة. الحقيقة نعرفها جميعاً وهي واضحة وضوح الشمس. نعرف من تسبب وغطى وتساهل وشارك ولم يحرك ساكناً. كلهم كانوا يعلمون بالنيترات وبخطورتها على المرفأ وعلى بيروت وعلى لبنان بأسره. كلهم سكتوا وغطوا وفيما بعد بدأوا بتقاذف المسؤولية. من أعلى الهرم حتى أصغر موظف. كلهم مسؤولون عن الجريمة التي تسببت في مأساة إنسانية سيذكرها التاريخ طويلاً.
انفجار الرابع من اب ليست الجريمة الوحيدة
بعد مرور عام على الجريمة المروعة، كأنها حصلت الآن. دوي التفجير لا زال يصم آذان اللبنانيين والحزن والغضب يحاصرهم ليل نهار. بعد عام من حصول انفجار الرابع من اب لا تعتبر الجريمة التي أودت بحياتكم ودمرت نصف بيروت الوحيدة التي ترتكبها السلطة، فهي موصولة إلى جريمة أكبر من تفجير ٤ آب. السلطة الحاكمة اغتالت بلداً بأسره، دمرته ونهبته وأفقرته وأذلته، وسرقت جنى أعمار الناس.
سلطة أحالت وطناً إلى خراب، بلا كهرباء ولا مياه ولا محروقات ولا دواء. حولته إلى بلد غير قابل للحياة، أبناؤه يفتشون بشتى الطرق عن الهجرة منه والخروج من دوامة الدم.
لا ندري ما الذي سيحصل اليوم أو غداً أو بعده، الذي نعلمه أننا نعيش سوياً مع القاتل. هو بيننا ولسان حاله يقول لنا تعايشوا مع موتكم اليومي، تقبلوا قاتلكم، إصغوا إليه ولكذبه ونفاقه وجرائمه. واعتادوا العيش طويلاً وفق قانون “الإفلات من العقاب”. إمسحوا غبار الجريمة وأزيلوا الركام وتابعوا حياتكم بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يحصل.
أما آن لهذا الليل أن ينجلي
إلى ضحايا انفجار الرابع من آب، لستم وحدكم ضحايا تلك الجريمة، فنحن أيضاً ضحاياها لكننا لا زلنا أحياء. شهدنا موتكم ونشهد موتنا اليومي، نعد المسافة الفاصلة بين موتكم وموتنا. نسقط ثم ننهض من جديد نرمم أرواحنا المتهالكة تحت سياط جلادينا ونقاوم. نصرخ بأعلى ما أوتينا من صوت أما آن لهذا الليل أن ينجلي.
لكن الليل لن ينجلي إلا عندما يرتفع قوس العدالة عالياً ليحاكم ويقتص ممن ارتكب تلك الجريمة المروعة ويقيم العدالة، حينها فقط نستطيع أن نلملم جراحنا وأن نزيل ركامنا، ونمسح دمعة عن وجوه ضحايانا، ونرمي على بيروت وبحرها ألف وردة ووردة.