انقطاع الدواء السوريّ المهرّب ينعكس على المرضى في لبنان
انعكس سقوط النظام السابق في سوريّا سلبًا على شرائح واسعة من المرضى في لبنان وتحديدًا البقاع، ممّن كانوا يشترون الأدوية السوريّة كحلٍّ اقتصاديّ لأسعارها الرخيصة مقارنةً بالأدوية اللبنانيّة المنشأ أو المستوردة.
ليس خافيًا على أحد أنّ هناك عددًا من التجّار اللبنانيّين المهرّبين يعملون ومنذ سنواتٍ طويلةٍ، على جلب الأدوية من سوريّا عن طريق التهريب، وعبر معابر كانت مفتوحةً أمامهم بين البلدين، مستغلين حالة الفوضى الحدوديّة، وبعضهم كان محظيًّا بغطاءٍ حزبيّ، من الأحزاب الموالية للنظام السابق، حيث تشكّلت بفعل هذا الأمر فرق تهريبٍ لم تكن في “خدمة” المريض اللبنانيّ فحسب، بل اعتمدها بعض الحزبيّين كمصدرٍ مادّيٍّ مربحٍ، يعود بالنفع على محسوبيات وأزلام لديهم.
وبنتيجةً للأوضاع المتبدّلة التي تشهدها سوريّا منذ سقوط النظام في الثامن من كانون الأول (ديسّمبر) الماضي، توقّف إدخال الأدوية السوريّة إلى لبنان، ممّا ألزم المرضى اللبنانيّين، الذين كانوا يعتمدون بشكلٍ كبير على بعض الأدوية السوريّة، أن يشتروا الأدوية اللبنانيّة مع ما ينتج عن ذلك من أزمةٍ مادّيّةٍ تفوق قدرتهم على الصمود الصّحّي.
تأثير توقّف الدواء السوريّ على اللبنانيّين
يقول علي سيف الدين إنّه مريض بالسكّريّ والضغط ويتناول أربعة أدويةٍ بسبب ذلك. ونتيجة غلاء الدواء في لبنان أصبح يعتمد على الأدوية السوريّة لكون أسعارها أقلّ بكثير من الأدوية اللبنانيّة. “فأنا أشتري الدواء السوريّ منذ أربع سنواتٍ، والحمد لله وضعي الصحّيّ جيد، والدواء يناسبني.”
ويستدرك سيف الدين مشيرًا لِـ “مناطق نت” إلى أنّه أصبح اليوم ملزمًا “بشراء الدواء اللبنانيّ بعد توقّف إدخال الدواء السوريّ إلى لبنان منذ مدّةٍ، وهو ما أثّر على قدرتي الماليّة في شراء الأدوية اللبنانيّة التي تباع دون حسيبٍ أو رقيبٍ، إلى جانب احتكار وكلائها لها وعدم بيعها للصيدليّات لفترة طويلةٍ بذريعة عدم وجودها.”
أوفّر الدواء لمدّةٍ أطول
ويضيف سيف الدين “في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة الراهنة ومحدوديّة المدخول وكثرة المصاريف المنزليّة لا قدرة لدي شراء الدواء اللبنانيّ، إذ يلزمني 60 دولارًا شهريًّا كلفة أدويةٍ، في وقتٍ لا يتجاوز مدخولي الشهريّ الـ 350 دولارًا في أحسن الأحوال، كوني عاملًا بأجرةٍ يوميّةٍ.”
ويؤكّد أنّه يتناول الدواء اللبنانيّ “بالقطّارة”، أيّ “أنّني أحيانًا لا أتناوله وفق الوصفة الطبّيّة حتّى أوفّره لمدّةٍ أطول، وأعرف أنّ هذا الأمر قد يعرّضني للخطر، ولكنّ سعره كفيل برفع ضغطي من دون مرض”. ويعطي سيف الدين مثالًا على بعض الأدوية التي يتناولها ومنها عقار “أتاكاند” وهو “دواء للضغط يتجاوز سعره في لبنان المليون و500 ألف ليرةٍ، بينما السوريّ بـ 150 ألف ليرة، أيّ الفرق بين الدواءين عشرة أضعاف، يعني حرزان.”
من جهته يرى علي حميّة أنّ توقّف إدخال الأدوية السوريّة إلى لبنان “انعكس سلبًا، على شريحةٍ كبيرةٍ من المواطنين اللبنانيّين وبخاصّة في مناطق البقاع حيث الاستهلاك الأكبر للأدوية السوريّة بسبب حال الفقر الكبير والظروف المعيشيّة السيّئة التي يعيشها البقاع وأهله منذ زمنٍ بعيدٍ.”
سيف الدين: أحيانًا لا أتناوله وفق الوصفة الطبّيّة حتّى أوفّره لمدّةٍ أطول، وأعرف أنّ هذا الأمر قد يعرّضني للخطر، ولكنّ سعره كفيل برفع ضغطي من دون مرض
ويقول لِـ “مناطق نت”: إنّني أحتاج شهريًّا إلى جملةٍ من أدوية الأمراضٍ المزمنةٍ كالسكّري والضغط والكلى والأعصاب، وهي بمجملها غالية الثمن في لبنان بحُجّة أنّها مستوردة وتخضع لضرائب عالية. إذ أدفع ثمنها من اللحم الحيّ لأنّني من دونها أعرّض نفسي للموت الحتميّ”.
الدواء السوريّ “سترة إلنا”
ويضيف “منذ سنواتٍ وأنا أشتري الدواء السوريّ، وهو مناسب لحالتي الصحّيّة. وطبيبي قال لي إنّه لا يعتني بمصدر الدواء إنّما النتيجة هي الأساس، لذلك بقيت لسنواتٍ على الدواء السوريّ لأنّه سترة لنا من حيث مقبوليّة كلفته التي لا تقاس بأسعار الدواء اللبنانيّ”. ويشير إلى أنّ كلفة جميع أدويته السوريّة “لم تكن لتتجاوز المليون ليرةٍ لبنانيّة في حين أنّ أسعارها في لبنان تتخطّى الـ 80 دولارًا، وأحيانًا لا نجدها حتّى أنّ بدائلها تكون مقطوعةً.”
ويأسف حميّة لانقطاع الأدوية السوريّة، “خصوصًا في هذه الظروف الصحّيّة الصعبة التي نمرّ بها. حيث إنّنا نرفض الدخول إلى المشفى عند مرضنا هربًا من الفاتورة الصحّيّة التي لا طاقة لنا على دفعها، فنلجأ إلى المعالجة المنزليّة بأدوية سوريّة رخيصة وتقوم بالواجب الطبّيّ.”
ويختم مطالبًا وزارة الصحّة اللبنانيّة “بوجوب وضع أسعار الأدوية تحت سلطتها وحماية المواطن من جشع المستوردين وجعل الفاتورة الدوائيّة تحت إمكانيّة المريض الماليّة أسوةً بجارتنا سوريّا.”
وجوب تشريع الدواء السوريّ
أمّا الصيدلي (م. ح.) فيشير إلى أنّ “توقُّف الدواء السوريّ شكّل أزمةً كبيرةً للبنانيّين من ذوي الدخل المحدود والذين ليس باستطاعتهم شراء الدواء الأجنبيّ لارتفاع سعره”. ويضيف لـ ِ”مناطق نت” أنّ للدواء السوريّ فضلًا كبيرًا في إراحة المريض وتوفير العلاج الرخيص له، إذ يعتمد عليه حوالي 70 في المئة من أصحاب الأمراض الدائمة، على نحو مرضى الضغط، كون الفارق بين سعره وسعر الدواء الأجنبيّ شاسعًا جدًّا إضافةً إلى أنّه يعطي النتيجة نفسها وإن كان بعضه يحتاج إلى مدةٍّ أطول ليبدأ مفعوله.”
ويلفت إلى أنّه “من الصيادلة الذين يعتمدون الأدوية السوريّة تخفيفًا عن كاهل المرضى الأعباء الصحّيّة والمادّيّة. ومنذ الأزمة السوريّة الأخيرة لم يعد يأتينا الدواء من هناك. وأنا لديّ عدد لا يستهان به من المرضى الذين يتناولون العقاقير السوريّة وهم الآن بأزمةٍ ويلجأون إلى التقنين في تناول الدواء لأسبابٍ اقتصاديّة.”
ويرى (م. ح.) أنّ تشريع الدواء السوريّ صار مطلبًا ملحًّا في هذه الظروف. “مثله مثل أيّ دواءٍ آخر مستورَد”. خاتمًا بوجوب “اتّخاذ خطواتٍ سريعةٍ في هذا الشأن من قبل وزارة الصحّة اللبنانيّة إلى جانب العمل على مراقبة أسعار الأدوية الأخرى المستوردة وجعلها تحت سلطة الوزارة مباشرةً”.