بعلبك تطلق صرخة: لا لإطلاق الرصاص في المناسبات
يكاد لا يمرّ شهر دون أن تشهد مدينة بعلبك حوادث واشتباكات، يكون إطلاق الرصاص فيها هو اللغة الغالبة والعادة المستحكمة التي تضع أمن المدينة وسلامة أهلها في مهبّ العبث الذي يفضح غياب الدولة، ويبيّن عجز الجهات الأمنية عن القيام بدورها.
وتعبيراً عن المعاناة الناجمة من ظاهرة إطلاق الرصاص التي باتت مصاحبة ليوميات أهل المدينة، ورفعاً للصرخة في وجه هذه العادة المقيتة، نظّم ملتقى الجمعيات في بعلبك الذي يضمّ مجموعة من الأندية والجمعيات والهيئات الثقافية لقاءه الأول تحت عنوان “لا لإطلاق الرصاص في المناسبات”.
عُقد اللقاء في أوتيل كنعان في ال٢٠ من الشهر الحالي، وحضره محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، واشتمل على مهتمين من كافة الحقول المتنوعة؛ ثقافية، تربوية، دينية وأمنية، إيماناً من هذه الجمعيات، أنه لا يمكن التصدّي لعادة إطلاق الرصاص، والتخلّص منها إلا عبر نشر الوعي والتنبيه إلى مساوئها المادية والمعنوية، من خلال التربية والثقافة والفن، التي تشكّل جميعها الوجه البعلبكي الحضاري.
فعاليات اللقاء
تضمّنت الفعالية مجموعة من المبادرات التي حاولت أن تقارب ظاهرة “إطلاق الرصاص في المناسبات” بطريقة علمية وموضوعية لتحيط بها بكافة جوانبها، وذلك للإلمام بوجوه هذه العادة، لتتمّ قراءتها وبالتالي مواجهتها، بعيداً عن العمومية والتبسيط.
وعرض د. حسين جمال وثائقياً أشار إلى ضرر ظاهرة إطلاق الرصاص وتوصيفها كتقليد مضر وخطير اجتماعياً وصحياً واقتصادياً وثقافياً، وهذا الضرر يطال الجماعة والمجتمع كما الأفراد.
وبحث الوثائقي عن “جذور هذه الظاهرة الثقافية والتاريخية”، وحدّد ثلاثة من أسباب ترسّخها وممارستها، هي: التباهي والتفاخر، ضعف الأمن وعدم تطبيق القانون، وردّها السبب الثالث إلى الموروث الثقافي والاجتماعي. ولعلّ السبب الثاني المتمثّل بغياب القوانين وانتفاء نهج المحاسبة، وتكريس التفلّت من العقاب هو الأقوى والأكثر مساهمة في تشجيع مطلقي الرصاص على التمسّك بهذا السلوك.
أرقام وإحصاءات
وبعد التواصل مع بعض المستشفيات في المنطقة، توضّحت ارقام الإصابات الضحايا التي تصل إلى ٧ قتلى و١٥جريحاً سنوياً، عدا عن الإصابات بإعاقات دائمة والحالات النفسية التي تنتج عن هذه الحوادث.
رصد التقرير بالإضافة إلى حالات الإصابات والإعاقات، تخريباً للممتلكات العامة وأضراراً مادية، واستنزافاً مالياً طال مطلقي الرصاص والمتضررين ومقدرات المجتمع. ولم يكن الضرر أقل على الصعيد السياحي الذي تراجع نتيجة تكريس الصورة النمطية السيّئة عن المنطقة وسلوك أبنائها. والجدير ذكره أن الإعلام يسارع إلى نقل أخبار الحوادث الأمنية المتفلتة، ويغيّب الجوانب الاخرى المضيئة والحضارية للمدينة، مما يساهم في تكوين صورة نمطية سلبية ثابتة عنها.
توصيات وإجراءات
ولقد خلص التقرير إلى عدد من التوصيات العامة التي حثّت الفاعلين كل من موقعه؛ رجال دين، قوى أمنية، تربويين، مثقفين، حقوقيين، جمعيات أهلية على مكافحة هذه الظاهرة من خلال التنبيه إلى عواقبها الوخيمة والمكلفة.
من جهته أمل مهنّد سليمان أثناء تقديمه المحافظ بشير خضر أن تأتي هذه الحملة ثمارها، وأن تتمدد نتائجها إلى معالجة آفة إطلاق الرصاص مستقبلا، ليس في المناسبات فقط وإنما في كل الحوادث الأخرى. وتساءل سليمان:”من أين يأتي مطلقو الرصاص بالذخيرة؟
بدوره شدّد المحافظ خضر على الجانب القانوني الكفيل وحده باجتثاث هذه الظاهرة، ” فمطلقو الرصاص خارجون عن القانون يسرحون ويمرحون ولن يردعهم سوى المحاسبة والامتثال للقوانين. وتمنى خضر على فعاليات المدينة مقاطعة أي مناسبة يتخللها إطلاق رصاص حتى لو كان تشييعا، متمنيا عليهم الانسحاب بشكل علني ودعوة نواب المنطقة للقيام بالمثل.
ورأى خضر أن استمرار ظاهرة إطلاق الرصاص تعرقل قانون العفو العام الذي لن يصل إلى خواتيمه إلا إذا ارتدع المرتكبون، وأبدوا مصداقية في طلب العفو والمغفرة والتراجع عن الخطأ، وهي المعاني التي يتضمّنها قانون العفو العام.
شهادة حيّة
ولعلّ أبرز ما تخلل اللقاء هو شهادة إحدى الضحايا الأحياء، التي غيّرت رصاصة طائشة تسللت إلى بيتها مجرى حياتها، فاستقرّت في جسدها بانتظار أن تضع مولودها لتبدأ رحلة علاجها، مع ما ينتظرها من تكاليف باهظة لا تقوى على تأمينها. وليست هذه الشهادة سوى واحدة من آلاف الضحايا المكتومين، الذين كتبت رصاصة طائشة قصة حياتهم المأساوية، دون أن تلقى أوجاعهم آذانا صاغية من قبل الدولة والجهات المختصّة.
وفي نهاية اللقاء أمل الحاضرون والجمعيات المنظّمة أن تلقى هذه الصرخة صداها في المجتمع البعلبكي، ليتحوّل إطلاق الرصاص تدريجيا عبر التوعية، لاسيّما في المدارس إلى تقليد مكروه ومرفوض من قبل أهل المدينة أنفسهم، كما وستستكمل هذه الحملة بأشكال وأنشطة شتّى حتى نهاية هذه السنة.
إن حملة “لا لإطلاق الرصاص في المناسبات هي مبادرة ملفتة وضرورية، على أمل أن تعمّم هذه الدعوة في كافة أنحاء البقاع والوطن.