بلديّات الجنوب في مهبّ الأزمة الاقتصاديّة والحرب المستجدة
فرضت الحرب الدائرة على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة، همومًا إضافيّة على كاهل البلديّات الواقعة جنوب البلاد، التي هي في الأصل، بلديّات متهالكة وغير قادرة على القيام بمهامها الرئيسيّة، جرّاء الأزمة الاقتصاديّة والنقديّة التي تعصف بالبلاد منذ خريف العام 2019.
فور بدء الحرب على غزّة في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، تصاعد التوتّر على الحدود اللبنانيّة التي تعرٌضت لاعتداءات إسرائيليّة طاولت العديد من القرى والبلدات، مثل: ميس الجبل ورميش وطيرحرفا وعيترون والناقورة وحولا والخيام وكفرشوبا وغيرها الكثير. هذه الاعتداءات وصلت إلى العمق الجنوبيّ، وخلّفت أضرارًا كبيرة على الإنسان والحجر والشجر، حيث استشهد على أثرها العديد من المدنيّين العزّل، بينما نزحت عائلات كثيرة تحسّبًا لأيّ حرب محتملة.
أرخى هذا الواقع بظلاله على البلدات والبلديّات التي أصابها القصف ونزح عنها السكّان، وكذلك تلك التي شكّلت قبلة النزوح (من لبنانيّين وجنسيّات أخرى) كصور وصيدا وإقليم الخرّوب، فوقف بعض هذه البلديّات عاجزًا عن القيام بما هو مطلوب، وحاول بعضها الآخر تسيير الأمور بالقليل المتوافر. لذا نحاول من خلال هذا التحقيق، إلقاء الضوء على واقع البلديّات في الجنوب، كيف أثّرت عليها الأزمة الاقتصاديّة والنقديّة السائدة في لبنان طوال السنوات الأربع الأخيرة، وما عانته وتعانيه جرّاء الأحداث “الحدوديّة” الطارئة.
بلديات مفلسة شبه مشلولة
سببان رئيسيّان أدّيا إلى انهيار الخدمات البلديّة في الجنوب راهنًا، كما في غالبيّة المناطق اللبنانيّة، الأوّل، انهيار العملة المحلّيّة وبالتالي فقدان البلديّات قيمة مواردها، والثاني، توقّف معظم الناس والمؤسّسات عن تسديد الرسوم المترتّبة عليها تجاه البلديّات، مقارنة مع أعباء كثيرة تدفعها البلديّات وبـ”الفريش” دولار، حتّى إنّ بعض البلديّات باتت عاجزة عن دفع رواتب وأجور العاملين لديها.
“البلديّات تصارع الموت” هكذا يصف رئيس بلديّة صور حسن دبوق واقع البلديّات في حديث مع “مناطق نت”، ويقول: “البلديّات باتت بحكم المفلسة رسميًّا نتيجة انهيار الليرة ورفع الدعم الرسميّ عن السلع والخدمات، وكذلك بسبب تأخّر دفع مستحقّات البلديّات من الصندوق البلديّ المستقلّ”. يضيف: “قبل أسبوعين تمّ تحويل الدفعة الثانية منها عن العام 2021 وقد انخفضت قيمتها جدًّا حتّى إنّها لم تعد تساوي إلّا القليل”.
يؤكّد دبوق أن أثر الأزمة كبير وواضح على البلديّات، ويشير إلى أننا “اضطررنا إلى خفض مستوى الخدمات البلديّة واقتصارها على الأساسيّة منها، مثل جمع النفايات وتنفيذ أعمال الصيانة الحيويّة ودفع رواتب العاملين وشرطة البلديّة”. مع العلم أنّ البلديات رفعت الرسوم التي تحصّلها من العامّة وأصحاب المؤسّسات، ومع ذلك لم تحقّق هذه الزيادة عائدات تغطّي كامل نفقاتها.
هذا ليس سوى نموذج عن واقع ماليّ مؤسف تعيشه البلديّات اليوم، ولو تفاوتت الظروف بين بلديّة وأخرى. في هذا السياق، يروي رئيس بلديّة رميش (قضاء بنت جبيل) ميلاد عَلَم كيف سعت البلديّة منذ بداية العام 2020 إلى تدبير أمورها بنفسها عبر صندوق أنشأته بالتعاون مع المجتمع المدنيّ “لتلبية حاجات البلدة الأساسيّة على مستوى الصحّة والمياه والكهرباء والتربية وغيرها الكثير من الأمور. وهي اليوم في صدد تنفيذ مشروع زراعيّ يؤمّن العمل للنساء على مستوى القرية، وهنّ في منازلهنّ، ويتضمّن صناعة المؤونة البلديّة وبيعها عبر الخطوط المفتوحة، أونلاين”.
وفي حديث إلى “مناطق نت” يوصّف علم واقع البلديّة، فيقول: “العبء كبير جدًّا علينا كبلديّة لا يمكنها الاتّكال على الدولة في تقديم أيّ خدمات لحوالي عشرة آلاف نسمة، والأسوأ أنّ عائدات البلديّات التي تُدفع على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، لم تعد تساوي شيئًا. في وقت تتقاضى الدولة أموالها على أساس سعر مغاير”.
إلى جانب أزمته الاقتصاديّة، يعاني لبنان أزمة سياسيّة حادّة، حيث فشل البرلمان اللبنانيّ منذ أيلول/ سبتمبر 2022 في انتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفًا للرئيس السابق، ميشال عون، الذي انتهت ولايته في 31 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022، وكان واقع البلديّات في حينه أقلّ سوءًا، لكنّه لم يكن على القدر المطلوب قبل تأزّم الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة في لبنان.
بلديّات اللون الواحد
ببساطة، يمكن تعريف البلديّة أنّها إدارة محلّيّة، تقوم ضمن نطاقها، بممارسة صلاحيّات يخوّلها إيّاها القانون. وهي تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة والاستقلالين الماليّ والإداريّ، وفق ما جاء في نصّ المرسوم الاشتراعيّ الرقم 118 للعام 1977 وتعديلاته.
تتمتّع البلديّة بجملة صلاحيّات، في مجالات مختلفة وواسعة، منها، إنشاء ساحات ومتنزّهات ومرافق عامّة، ومعالجة أمور النظافة العامّة، وتنفّيذ مشاريع المياه والإنارة ودُور الحضانة والمدارس وإقامة المتاحف والمكتبات العامّة وكذلك مراقبة تنفيذ القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وغيرها الكثير الكثير.
لكن، جميع هذه الصلاحيّات لا تمارسها غالبيّة البلديّات، حتّى إنّها تصل إلى حدّ عدم عقد اجتماعات دوريّة لمجالسها، وبالتالي عدم رغبة الأعضاء بفعل أيّ شيء على المستوى البلديّ.
تتمتّع البلديّة بجملة صلاحيّات، في مجالات مختلفة وواسعة، منها، إنشاء ساحات ومتنزّهات ومرافق عامّة، ومعالجة أمور النظافة، وتنفّيذ مشاريع المياه والإنارة ودُور الحضانة والمدارس وإقامة المتاحف والمكتبات العامّة.
“لا نية لديهم” يقول المتابع لملفّ البلديّات المحامي علي عبّاس لـ”مناطق نت”، ويضيف “للأسف معظمهم يأتي إلى البلديّات بهدف الوجاهة السياسيّة والحزبيّة، ليس أكثر ولا أقلّ. يعتقدون بأنّ تسيير أمور البلديّة يكون بتوظيف شخص أو اثنين، وهذا الأمر غير صحيح، هناك الكثير من الاختصاصات التي ذكرها القانون وتقع ضمن مهام البلديّات في الصحّة والأمن والرقابة. وهناك خصوصيّة لبعض البلديّات كأن تكون ذات وجهة سياحيّة”.
للأسف هكذا تتشكّل المجالس البلديّة في الجنوب، كما في غالبيّة المناطق اللبنانيّة، ولكن ما الذي يميّز الجنوب تحديدًا؟
للجنوب خصوصيّة ملفتة، “بسبب سيطرة حزبين سياسيّين هما: حزب الله وحركة أمل، على البلديّات ومجالسها، واحتكار تمثيلها، إذ يتمّ خوض الانتخابات للسيطرة على القرار البلديّ، لتصبح بلديّات حزبيّة لا تمثّل المواطنين، يستفيد منها أبناء البلدة الذين ينتمون أو يتبعون لهذا الحزب أو ذاك”، وفق عبّاس الذي يؤكّد “أنّ هذا الواقع كان له تداعياته السلبيّة على كلّ من يعارض أو لا ينتمي إلى الحزبين المذكورين، إذ يواجه هؤلاء صعوبة في إنجاز معاملاتهم البلديّة (رخصة بناء مثلًا)، مقابل تسهيل معاملات الموالين لهم، وقد تتمّ مخالفة القانون من أجلهم”.
مسألة أخرى يتحدّث عنها عبّاس، “هي استنسابيّة إدارة “حصر التبغ والتنباك اللبنانيّة” (الريجي) في توزيع تقديمات البلديّات المفروضة بموجب القانون من أجل تطوير المناطق وإنماء البلديّات، على اعتبار أنّ رئيس هذه المؤسّسة ينتمي إلى فريق حزبيّ معيّن، وهنا تكون اللّا عدالة في التوزيع”.
تفاوت بلديّ ساحق
محدودة هي البلديّات التي تشكّل أنموذجًا مميّزًا للعمل البلديّ الفاعل، مثال بلديّة عين إبل جارة بنت جبيل، نتيجة الدور الخدماتيّ والتعليميّ والسياحيّ والمعيشيّ والزراعيّ الذي تقوم به على مستوى البلدة هناك، إذ باتت على الخارطة السياحيّة في لبنان.
المؤسف أيضًا، أنّ عشرة في المئة من بلديّات لبنان باتت منحلّة، وفق برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ، لأسباب عادة ما تكون سياسيّة، ومن أجل تكريس النفوذ المحلّيّ، بعيدًا عن الفكر القائم على الدور المحوريّ والأساسيّ للعمل البلديّ. هذا ما حصل في بلدة المنصوري (صور)، حيث قدّم أعضاء لائحة الثنائيّ استقالاتهم وتمّ حلّ البلديّة بسبب ترجيح فوز رئيس من اللائحة المنافسة. نذكّر هنا، أنّ أيّ مجلس بلديّ يعتبر منحلًّا حكمًا، في حال فقد نصف أعضائه على الأقل.
مع الإشارة إلى أنّ المادّة 24 من قانون البلديّات نصّت صراحة على وجوب انتخاب مجلس بلديّ جديد في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحلّ، لكن لم يحصل ذلك في القرى التي خسرت بلديّاتها بحجّة الأزمات المتتالية، بدءًا من التحرّكات الشعبيّة والأزمة النقديّة، ثمّ جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت وغيرها.
بلديّات زمن الحرب
راهنًا، لا تزال الحرب دائرة في الجنوب. بلديّات كثيرة اقتصرت جهودها على التنسيق مع جهات دوليّة وإنسانيّة من أجل تدبير أمور الناس وتقديم المعونة وفق المتاح والممكن، وبلديّات أخرى وقفت عاجزة كلّيًّا عن القيام بأيّ فعل.
لكنّ نصّ القانون ذكر صراحة “أنّ على البلديّات تنظيم أعمال الإسعاف والإنقاذ وإعانة المعوزين وإطفاء الحرائق وإنشاء الملاجىء العموميّة”. ومن واجبها القيام بأكثر من دورها الحاليّ، والسؤال الأهمّ: ما الذي ستفعله بالأضرار التي خلّفتها الاعتداءات في أملاكها وعلى مستوى الخدمات؟
يقول المحامي علي عبّاس: “كذلك لم تفعل أيّ شيء في خلال السنوات السابقة حين أصابتنا جائحة كورونا وفي أثناء الزلازل التي ضربت مناطق عدّة من لبنان وفي ملاحقة المخالفات وغيرها الكثير من الأمور”.
عشرة في المئة من بلديّات لبنان باتت منحلّة، وفق برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ، لأسباب عادة ما تكون سياسيّة، ومن أجل تكريس النفوذ المحلّيّ، بعيدًا عن الفكر القائم على الدور المحوريّ والأساسيّ للعمل البلديّ.
ووفق الباحث في شركة “الدوليّة للمعلومات” اللبنانيّة محمّد شمس الدين، “بلغ عدد النازحين بسبب الأحداث الأمنيّة عند الحدود، نحو خمسة وسبعين ألف شخص، وأنّ نحو عشرة آلاف طالب باتوا خارج المدارس التي أقفلت أبوابها”.
في مدينة صور، فتحت مراكز لإيواء النازحين، وقدّمت لهم الحاجات الأساسيّة، وكان اتّحاد بلديّات صور قد أسّس في العام 2010، وحدة للتصدّي للأزمات والكوارث، تجتمع راهنًا في مقرّ الاتّحاد، لمتابعة أوضاع النازحين، وأوجدت في غالبية القرى مندوبًا يسمّى بـ”المستجيب الأوّل” حيث يقوم بتسجيل أسماء النازحين الواصلين إلى البلدة، ويزوّد غرفة العمليّات بها، وتقدّم الجمعيّات مساعدات مباشرة إلى النازحين.
من جهته، يشير حسن دبوق إلى “أنّ الحرب فاقمت من أزمة البلديّات بسبب توقّف الحياة والحركة الاقتصاديّة في صور، حيث أصيبت المؤسّسات لا سيّما السياحيّة منها كالمطاعم والفنادق بشلل خلال الشهرين الأخيرين، ما ساهم بتراجع إيرادات البلديّات أكثر”. في حين يؤكّد عَلَم “أن البلديّة، وفق القدرات المتاحة، ساعدت في تأمين الحاجيّات الأساسيّة للنازحين الذين قدموا إلى البلدة وكذلك للذين نزحوا إلى مناطق بعيدة مثل العاصمة بيروت”.
فراغ السلطة المحلّيّة
جرت آخر انتخابات بلديّة في العام 2016، وكان يفترض أن تتمّ في العام 2022، لكن، تمّ تأجيلها عامًا واحدًا بسبب تزامنها مع الانتخابات النيابيّة في أيّار/ مايو من العام نفسه، وبحجّة المعوّقات التقنيّة واللوجستيّة وعدم تأمين التمويل اللازم. وللمرّة الثانية على التوالي، أقرّ مجلس النوّاب، في نيسان/ أبريل 2023، تأجيل الانتخابات البلديّة والاختياريّة مدّة اقصاها سنة (أيّ إلى 31 أيّار/ مايو 2024).
في الحقيقة، إنّ ذريعة الكلفة الماليّة المتوجّبة لإجراء الانتخابات، التي قدّرتها الحكومة اللبنانيّة آنذاك بنحو 8.9 ملايين دولار أمريكيّ، لم تكن مقنعة لتأجيل الانتخابات، لو لم تترافق مع غياب الإرادة السياسيّة في إنجاز الاستحقاق الانتخابيّ، خصوصًا أنّ هذا الأمر تزامن مع الإضراب المستمرّ لمعظم موظّفي القطاع العام ممّن يطالبون بتحسين رواتبهم، في وقت كانت العمليّة الانتخابيّة تحتاج إلى نحو اثني عشر ألف موظّف، وثمانمائة قاض للجان القيد، كان من الصعب تأمين حضورهم إلى أماكن الاقتراع.
نظرة تاريخيّة وإحصائيّة
يوجد في لبنان راهنًا، 1062 بلديّة، تتوزّع على جميع الأقضية والمحافظات، تبلغ حصّة الجنوب منها (في أقضية صيدا وصور وجزين) 153 بلديّة، ومجموع محافظة النبطية (في أقضية النبطية وبنت جبيل وحاصبيّا ومرجعيون) 119 بلديّة، بحسب ما أكّد شمس الدين لـ”مناطق نت”.
تعدّ الانتخابات البلديّة والاختياريّة الاستحقاق الديمقراطيّ الثاني في البلاد، يُنجز بالاقتراع. جرى للمرّة الأولى في لبنان في العام 1963، على أساس أربع سنوات، لكن مُددت لتصبح ولاية مجالسها ستّ سنوات، ولم تجرِ أيّ انتخابات حتّى العام 1998، أيّ بعد 26 سنة، صدر في خلالها 21 قانونًا يقضي بالتّمديد، وكان بعضها ذا مفعولٍ رجعيّ، وكان أطول تمديد عرفته البلديّات بسبب أحداث الحرب الأهليّة.
في التجربة الأولى للانتخابات شرّعت 339 بلديّة، وفي الثانية بلغ عددها 700 بلديّة ليرتفع في انتخابات العام 2004 إلى 904 بلديّات، وفي الانتخابات الرابعة في العام 2010 إلى 964 بلديّة.
الخاص في خدمة البلديّات
في ظل الوضع الراهن، برز أخيرًا الحديث عن أهمّيّة تلزيم خدمات البلديّة الأساسيّة إلى قطاع خاصّ، بحيث يسدّد المواطن بدل اشتراك شهريّ مباشر للشركات الخاصّة مقدِّمة الخدمات على المستوى البلديّ والتي بدورها تسدّد جزءًا منها للبلديّة، على اعتباره النظام الأنسب في ظلّ عجز السلطة المركزيّة.
يعدّد الخبير الاقتصاديّ ورئيس المعهد اللبنانيّ لدراسات السوق، باتريك مارديني، المشاريع التي يمكن للقطاع الخاصّ تنفيذها على مستوى البلديّات، كإنشاء معامل لمعالجة النفايات وتأمين كهرباء بكلفة أدنى ومزارع للطاقة الشمسيّة والصرف الصحّيّ وغيرها العديد من الأمور.
ويطرح نموذج مزرعة الطاقة الشمسيّة في تولا (قضاء زغرتا) التي تؤمّن راهنًا 24 ساعة من الكهرباء، وقد أُطلق المشروع في العام 2019 جرّاء أزمة المازوت وتقنين الكهرباء، وتمّ جمع كلفته التي بلغت 150 ألف دولار أمريكيّ آنذاك من مغتربي البلدة.
برز أخيرًا الحديث عن أهمّيّة تلزيم خدمات البلديّة الأساسيّة إلى قطاع خاصّ، بحيث يسدّد المواطن بدل اشتراك شهريّ مباشر للشركات الخاصّة مقدِّمة الخدمات على المستوى البلديّ والتي بدورها تسدّد جزءًا منها للبلديّة.
نحو تفعيل العمل البلديّ
أطلقت جمعيّة “نحن” أخيرًا مسودّة قانون مقترح لتفعيل العمل البلديّ في لبنان. يقول رئيس الجمعيّة محمّد أيّوب لـ”مناطق نت”: “لقد طرحنا السؤال الآتي: على أيّة معايير علميّة يجب أن تنشأ البلديّات؟ مهنيّة، ماليّة، ثقافية؟ وهي معايير متوافرة في غالبيّة دول العالم”. أمّا القانون فسيكون عصريًّا يعالج نقاطًا مختلفة تتعلّق بالرقابة والجباية والتمثيل والروتين الإداريّ.
يتضمّن القانون تقسيم اللامركزيّة الإداريّة إلى مستويات ثلاث، هي: البلديّات واتّحاد البلديّات الإلزاميّ، والمجلس الأعلى للإدارة المحلّيّة، ودوره التنسيق والتخطيط والموافقة على الخطط التي تضعها البلديّات والمواءمة بينها وبين الخطط الوطنيّة.
ما يميز هذا العمل، وفق أيّوب “أنّه مبنيّ على دراسات وتوصيات نتجت عن عدّة لقاءات وجلسات نقاش مع بلديّات واتّحادات بلديّات وجمعيّات ومتخصّصين بالعمل البلديّ”. وقد دوّنت ملاحظات المشاركين من أجل إجراء التعديلات اللازمة، كي يتمّ التواصل مع النوّاب لتبنّي القانون.
لكن، في ظلّ الانحدار المزري للبلديّات على المستوى الوطنيّ، ومنها بلديّات المناطق الجنوبيّة، لا سيما تلك التي تقع في مواجهة النار والاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة، المتجدّدة كلّ فترة من الزمن، هل تنفع الأحلام والمخطّطات والدراسات التي تبقى دائمًا حبرًا على ورق؟ هل تجدي سياسة الترقيع والقوى السلطويّة الحزبيّة، ومنها الثنائيّ المسيطر جنوبًا وحدودًا، تقبض على أعناق البلديّات لتسيّرها وفق أهوائها وتستخدمها في المزايدة وسوق الدعاية الحزبيّة والارتهان الانتخابي؟ هل ستتركها تتحرّر من سطوتها التي تتحكّم بدورها في قرارات الناس وخياراتهم بالرغم من كلّ الفشل الذي منيت به وعجزها عن إدارة البلديّات وشؤون الناس، إذ أتت بالمحازبين إلى مجالسها ورئاستها، متجاهلة أصحاب الشأن والاختصاص والخبرات؟
هذا التحقيق أُعدّ بالشراكة مع: