بمساعدة إيطالية حملة لتنظيف قاع البحر في صور

“قلعة بحر صور وصخرة جبل عامل”، يقينا، أنّ فيروز ما كانت تغنّي، بل كانت ثمة صلاة وترتيلة حبّ أودعتهما ذاكرتنا الخضراء، العصيّة على النسيان، صوتًا بهيًّا على امتداد هذا المدى المتوسّطي، وجمالًا دائم البوح إلى أن “يعتق الغيم وتبرد الشمس وتوقف الأيام”، وها هي صور اليوم رابضة عند تخوم الوجع تتحدّى بالعمل وتبذر الفرح لموج بحرها العتيق.

يستدعي فيض الجمال في بحر صور الحفاظ على خصائصه، على جماله وتنوّعه الحيويّ، على نظافته، وأيضًا على دراسة كائناته، لذلك أطلقت بلديّة المدينة حملة “معاً لبحر أنظف” برعاية وزارة البيئة، وبالتعاون مع مبادرة Blue Tyre و”المركز اللبنانيّ للغوص” و”محميّة شاطىء صور الطبيعيّة”.

انطلقت الحملة من محيط قلعة بحر صور، وانتشر غوّاصون من المركز اللبنانيّ للغوص في مساحات واسعة من البحر، ليعودوا بكمّيّات كبيرة من المخلّفات وبعض العيّنات لفحصها ودراستها في المختبرات، وذلك بحضور ومواكبة وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين، رئيس اتّحاد بلديّات قضاء صور رئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق، النائب الدكتورة عناية عزّ الدين ممثّلة بمدير مكتبها علوان شرف الدين، قائد القطاع الغربي في “اليونيفل”، قائد الكتيبة الإيطاليّة، مدير مشروع Blue Tyre ألبرتو بيتشيني، مدير الجامعة الإسلاميّة فرع صور الدكتور غسّان جابر، مدير محميّة صور الطبيعيّة علي بدر الدين، رئيس بلدية العبّاسيّة علي عزّ الدين، فعاليّات اجتماعيّة وبيئيّة.

فريق حملة “معًا لبحر أنظف” لتنظيف قاع البحر في صور
وزارة البيئة

وفي مواكبة من “مناطق نت” لهذه الحملة، كان لنا لقاء مع وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين، الذي أشار إلى “أنّنا جئنا مع الإيطاليّين وبالتعاون معهم لنقوم بتنظيف قاع البحر من بعض الرواسب، من شبك قديم ومخلّفات معيّنة، ما يعيد إحياء البحر”، ورأى أنّ “أهمّيّة هذه الحملة في أنّها تتيح للصيّادين ولكلّ محبّي البحر التعرّف على أهمّيّة الحفاظ على البيئة البحريّة”.

ولفت ياسين إلى أنّ “البيئة البحريّة تمثّل غنى مهمًّا جدًّا للبنان”، منوّها عن أنّ “محميّة صور من أعرق المحميّات على شاطئ المتوسط ونحن نظهر الوجه الجميل للبنان عبر صور ومحميّتها”.

وأكّد “سعينا لتحقيق الهدف العالميّ من ناحية الوصول إلى حدود 30 بالمئة من الأماكن المحميّة لكلّ من البرّ والبحر، والتي تخلق مساحة سياحيّة وبيئيّة”، جازمًا أنّ “النجاح في تحقيق هذا الهدف هو نتيجة التعاون بين الجميع”.

وأشار ياسين إلى أنّ “هذا البلد جميل وهناك طاقة إيجابيّة على رغم العدوان والظروف الصعبة”. وإذ تحدّث عن وجوب “إظهار هذا الوجه الجميل للبلد وأهله”، شكر “كلّ من شارك في هذا العمل البيئيّ الهادف”.

انطلقت الحملة من محيط قلعة بحر صور، وانتشر غوّاصون من المركز اللبنانيّ للغوص في مساحات واسعة من البحر، ليعودوا بكمّيّات كبيرة من المخلّفات وبعض العيّنات لفحصها ودراستها في المختبرات

بلدية صور

ونوّه رئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق “بهذا العمل الجبّار”، وأشار إلى أنّ “البشر بلا بيئة لا يستمرّون والكلّ يتكامل مع بعضه”، مصوّبًا “أهمّيّة هذا التعاون والمشاركة في هذه النشاطات البيئيّة، خصوصًا أنّ الاهتمام واحد والأرض واحدة والبيئة واحدة”.

واعتبر دبوق أنّ “موسم السلاحف حافل هذا العام وبحاجة إلى حماية ونقوم بكلّ ما يمكن في هذا الإطار”، مؤكّدًا أنّ هذا “العمل يتطلّب حبّ البيئة وحبّ العطاء والتطوّع”.

Blue Tyre

أمّا مدير مبادرة Blue Tyre ألبيرتو بيتشيني، فقد عبّر عن سعادته “في القدرة على الاهتمام بالبيئة في ظلّ الاوضاع الصعبة”، لافتًا إلى أنّ ذلك “دليل على مدى محبّة البحر واستمراريّة الحياة”، منوّها عن أنّ “هذا المشروع هو لتنمية المناطق الساحليّة والمناطق الريفيّة”، مشدداّ على “أهمّيّة خطوات التطوير التي تمّ القيام بها بالتعاون مع الخطّة البيئيّة التي تقوم بها البلديّة”.

بعض العيّنات المأخوذة من قاع بحر صور للدراسة في المختبرات
المركز اللبناني للغوص

وقال مدير المركز اللبنانيّ للغوص يوسف الجندي لـ”مناطق نت”: “هذه ليست الحملة الأولى التي نقوم بها كمركز لبنانيّ للغوص بالتعاون مع شركائنا”، لافتًا إلى أنّه “منذ أن انطلقنا في سنة 2015 أخذنا عهدًا على أنفسنا بأنّ الموضوع البيئيّ البحريّ هو من مسؤوليّتنا، خصوصًا في بحر صور، وبدأنا بالحملات بالتعاون مع البلديّة والمحميّة، ورحنا نطوّر يومًا بعد يوم، إلى أن أصبحت هناك أزمة في البلد، الأمر الذي حال دون تحقيق ما كنّا نطمح إليه على صعيد هذه الحملات”.

وأضاف الجندي: “بعد ذلك كان هناك اتّفاق مع مشروع Blue Tyre في لبنان لإزالة المخلّفات من أماكن عميقة بالتعاون مع الشركاء الموجودين، وقمنا بنحو خمسين غطسة ورفعنا من قاع البحر أكثر من طنّين اثنين من شباك الصيد البحريّة”.

وتابع: “اليوم قمنا بهذا النشاط لنوجّه رسالة بأنّه على رغم الحرب وعلى رغم كلّ شيء نحن موجودون لنكمل رسالتنا والثورة التي انطلقنا بها، أيّ الثورة البيئيّة، لجهة أنّنا نعيش في مدينة صور، ومن المستحيل أن نهدأ قبل تنظيف آخر شبر من قاع بحرها”.

وختم الجندي: “هذه الحملة برعاية وزير البيئة، وأنا لا أعرف عنه بأنّه وزير بيئة فحسب، وإنّما هو وزير مقاوم، لأنّه في زمن الحرب جاء ليشاركنا هذه المهمّة، وهذا النشاط بحدّ ذاته نشاط مقاوم في زمن الحرب في جنوب لبنان”.

بحوث ودراسات علميّة

وقالت رنيم طحان المتخصّصة في علوم البحار: “في سياق هذه الحملة نقوم بإجراء بحث علميّ يعنى بالتنوّع البيولوجيّ في بحر صور، وقد أخذنا عيّنات من شباك أخرجناها من المياه ومن إطارات وعبوات زجاج وبلاستيك ومن جميع أنواع النفايات التي قمنا باستخراجها من قاع البحر، وما نقوم به هو دراسات علمّيّة من شأنها أن تساعدنا في معرفة ما لدينا من تنوّع بيولوجيّ، ولدينا أيضًا صدفيّات وكائنات أخرى، وكلّ شيء في موضوع التوازن البيولوجيّ مهمّ يساعدنا في الحفاظ على البيئة، بمعنى أنّنا نحافظ على البيئة والبيئة أيضًا تحافظ علينا”.

ولفتت طحان إلى أنّه “تمّ أخذ عيّنات من الشبك ووجدنا في الشبك أنواعًا من الكائنات وضعناها في الكحول لنحافظ عليها، ولنعرف نوعيّتها”، وأضافت: “هذه العيّنات سنقوم بإرسالها إلى جامعة سالينتو في إيطاليا وهناك خبراء متخصّصون بكلّ نوع من هذه العيّنات، وستتمّ دراستها”.

وذكرت طحّان أنه “في دراسات سابقة تبيّن لنا أنّ لدينا كائنات جديدة لم تكن معروفة في لبنان والبحر المتوسّط”. وأضافت: “هذا النشاط يأتي في سياق مشروع Blue Tyre وهو يمثّل تعاونًا بين بلديّة صور وبلديّة تريكازي، وهي شراكة محلّيّة من أجل التنمية البحريّة والساحليّة المستدامة بين بلديّة تريكازي الإيطاليّة وبلديّة صور اللبنانيّة المموّلة من الوكالة الإيطاليّة للتنمية والتعاون”. وتحدثت كذلك عن تعاون مع جامعة سالينتو لاستكمال الدراسات حول هذه الكائنات.

نغادر بحر صور مملوئين بشعور بالفرح، لأن بمجرّد أن تجتمع السواعد ويكون ثمّة تعاون فذلك يعني أنّ هناك إرادة على مواجهة التحدّيات، وهناك تطلّع إلى المستقبل بعيدًا من هموم اللحظة الضاغطة على الناس، التي تؤرق حياتهم، لكن دون أدنى شعور بالإحباط أو الخوف، انتصارًا للحياة وذودًا عن شاطىء وبحر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى