بيروت…وقمّة الحضيض العربي!!
زهير دبس
ليس ما آلت إليه حال القمة الاقتصادية العربية المنعقدة في بيروت ما يجب أن يكون مدعاة للسخرية بل هذه الأمة الخاوية التي كلما أمعنت النظر فيها من محيطها إلى خليجها ازدادت خواءً ومدعاة للسخرية. فالجامعة التي يَتعنوَن تحت اسمها الاجتماع العربي هي انعكاساً ورمزاً لهذا الخواء ويفتقد اسمها للحد الأدنى من مقومات ما يسمى «جامعة» ولا ترقى إليها. منذ لاءات السودان وقمم العواصم الأخرى لم تكن الجامعة العربية يوماً سوى عنوان للخيبات وإطارا لم يتسع يوماً إلا للانقسام. في ذروة نهوض الفكر القومي العربي اختلف حاملو لواء ذلك الفكر فيما بينهم حول ما يصح أن يُطلق على مجتمعاتهم ودولهم، فالبعض نادى ب«الوطن العربي» والبعض الآخر ب«العالم العربي» فيما بقيت عبارة «الأمة العربية» تعلو ولا يُعلى عليها، لكن الحقيقة الراسخة والمخزية هي أن تلك المصطلحات لم تكن سوى شعارات خاوية تحلق في الفضاء ولم تتسرب يوماً إلى داخل هذه المجتمعات والدول الهجينة التي أقل ما يُقال فيها إنها ليست سوى «ضياع» متناثرة لا زالت بعيدة كل البعد عن فكرة الدولة كمفهوم حضاري ومؤسساتي، لا يجمعها جامع سوى الانقسام الذي يزداد ترسّخاً كلما أوغلنا تقدماً في الزمن.
لم يشكل الدين كإطار يدين به السواد الأعظم من المجاميع العربية يوماً عاملاً وحدوياً ولم يستطع أن يشكل هوية تحضُّ على الاجتماع. لم تشكل اللغة ولا العادات ولا الحدود المشتركة ولا المصالح ولا القضايا الكبرى على رأسها فلسطين ولا انتشار الفقر وتفشي الأمية وارتفاع منسوب البطالة وانتهاك حقوق المرأة. لم تشكل كل تلك القضايا قاسماً مشتركاً بين الدول العربية ولم تحضها على الاجتماع. بقيت القبيلة كثقافة تغلُّ عميقاً وتحكم منظومة العمل في كل تلك الدول التي تغرّد وحيدة خارج سرب هذا العالم.
سخرية الناس حول ما آلت إليه حال القمة مشروع، وهو ليس سخرية من اجتماع يُعقد في أروقة مغلقة تُسلّط عليها الأضواء، بل من حال وصلت إليه تلك الدول وتعكسه ظروف انعقاد تلك القمة. وسواء تمثّل فيها أعلى الهرم أو انحدرت إلى مستويات دنيا من سلّم المسؤوليات فالأمر سيّان، فلا القرارات التي ستصدر عنها ستنفذ ولا البنود التي ستُوضع على جدول أعمالها سترى النور، بل ستضاف إلى عشرات المقررات التي تنتهي مفاعيلها فور إعلان البيانات الختامية لتلك القمم والتي تبقى طي الأدراج وعودة الوفود كل إلى بلده.
لم يفشل لبنان في تنظيم القمة، بل نجح في إظهار الواقع المأزوم والحقيقي الذي يعانيه العالم العربي حيث شكّل البلد المضيف نموذجاً مصغراً لذلك الواقع، فالنجاح والفشل للقمم العربية يستدعي التساؤل عن المعايير التي توضع لذلك، فهل إذا حضرها الرؤساء والملوك تكون ناجحة، والنجاح بماذا؟ وهل حُسن التنظيم هو معيار النجاح. وهل رفع الأعلام من المطار إلى مكان القمة هو نجاح للقمة. رفع الأعلام ليس مؤشراً على نجاح القمة بل تأمين الطريق الواصلة إليها وتثبيت الأرضية الصالحة لزرع تلك الأعلام هو معيار النجاح أو الفشل؟ وبعيداً عن التحليلات الكثيرة التي حمّلت جهات عديدة سبب الفشل، منها أميركا ومنها السعودية ومنها إيران، تبقى القمة وحدها تحمل أسباب فشلها فالجهات الممثلة فيها دولاً وشعوباً منقسمة على نفسها بدءاً من المكان الذي عُقدت فيه وصولاً إلى آخر بلد ودسكرة من هذا العالم العربي المترامي.
تبقى الأكثر تعبيراً في القمة كلمة الصومال، البلد الذي طاوله الكم الأكبر من النكات والسخرية، وبالمناسبة لم يخجل وزير المال فيها والذي ألقى الكلمة بأن يقول «دولة الصومال الفيدرالية» فيما نحن نعيب على أنفسنا هذه الكلمة بينما نعيش في ظلها بشكل مقنع، وبالمناسبة أيضاً أن الوزير الذي نادى أشقاءه العرب طالباً مساعدة بلاده قائلاً إنه « ضروري وحق اخوي من اجل تحقيق أولويات خطة التنمية ومواجهة التحديات الامنية والاقتصادية والاجتماعية». وبالمناسبة أن عجز ميزانية بلاده يبلغ نحو 145 مليون دولار أميركي سنوياً فقط وهو مبلغ لا يساوي ثمن يخت يملكه أحد الأثرياء العرب من ملوك ورؤساء، بينما يبلغ عجزنا السنوي مليارات الدولارات، وبالمناسبة أيضاً أن ديونه تبلغ حوالى 4.6 مليار دولار اميركي 1.1، مليار منها للدول العربية، فيما تناهز ديوننا الثمانين مليار دولار وهي لا تساوي ثروة الكثيرين من الحاكمين في العالم العربي.
الجامعة شاخت والدول الأعضاء فيها هرمت وانعقاد قممها أصبح لزوم ما يلزم، فهي لن تقدم أو تؤخر في مسيرة الانحدار العربي الذي سنشهد وقتاً طويلاً قبل أن نراه يسير في طور الإتحاد. يبقى ما قاله المفكر العلامة إبن خلدون عن سخرية الناس وضحكها وقت الأزمات خير تعبير عن حالنا حين قال:
«إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فأعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهو قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور”.