بين الحلم والتطبّيّق هل يبدأ لبنان عصر “الحشيشة الطبّيّة”؟

بين الـ 28 من أيار (مايو) 2020 تاريخ إقرار قانون الترخيص بزراعة نبتة القنّب للاستخدام الطبّيّ والصناعيّ، الرقم 178 في المجلس النيابيّ، وبين العام 2025 تاريخ تعيين الهيئة الناظمة لإدارة القطاع، تكون قد مرّت خمس سنوات ما بين إقرار القانون والشروع في البدء بتنفيذه؛ في كلّ تلك المدّة الشاسعة يُصبح السؤال بديهيًّا عن المدّة التي ستستغرقها الهيئة الناظمة كي تأخذ بيد القانون نحو تنفيذه، وتُعيد تلك الزراعة “المشاغبة” إلى بيت الطاعة الزراعيّ، بعد أن وسمت منطقة بعلبك الهرمل بالخارجة على القانون، وأدّت إلى تراكم جيش من الطفّار والمطلوبين بمذكّرات عدليّة. فهل اقترب الحلم من التحقّق فعلًا؟

خطوة على طريق التنفيذ

يقول رئيس اللجنة الناظمة، الدكتور داني فاضل، لـ “مناطق نت” إنّ “نصّ القانون يفرض إصدار المراسيم التطبيقيّة خلال ستّة أشهر من تاريخ صدوره”. يتابع: “بعد أن باشرنا عملنا الرسمي منذ أسبوعين، تقدّمتُ إلى المستشار القانونيّ بالمسودّة التي أعددناها لمراجعتها قبل رفعها إلى مجلس شورى الدولة، ومن ثمّ إلى مجلس الوزراء خلال فترة قصيرة”.

قانونيًّا، كما يؤكّد فاضل المهلة محدّدة بستّة أشهر، لكن عمليًّا “يبقى التنفيذ رهنًا بإرادة الحكومة وسرعة البتّ في مواضيع كهذه”.

كيف تُطبَّق الزراعة القانونيّة؟

تقوم آليّة تطبّيّق القانون 178 على سلسلة خطوات متكاملة تبدأ بتشكيل الهيئة الناظمة المستقلّة، مرورًا بإعداد المراسيم واللوائح التفصيليّة التي تحدّد أنواع الرخص، وشروط الإنتاج والتصنيع والتصدير، ومعايير الجودة والاختبار، وأنظمة التتبّع والرقابة. بعدها تُحال هذه المراسيم إلى مجلس الوزراء للموافقة عليها، قبل أن تُفتح أبواب التراخيص رسميًّا.

مساحات مزروعة بالحشيشة في منطقة بعلبك الهرمل

يوضح فاضل “نحن الآن في مرحلة بناء القدرات: تجهيز مختبرات لفحص العيّنات، إنشاء مراكز رقابة، وتدريب المزارعين والمصانع. ثمّ ننتقل إلى منح التراخيص تدريجًا- لمصانع محدّدة أو لمناطق أولى- قبل التوسّع على نطاق وطنيّ”.

المزارعون الموقوفون والقانون

على رغم أنّ التشريع طال انتظاره، لم يتضمّن القانون 178 أيّ إشارة إلى العفو عن المزارعين المطلوبين، أو الموقوفين بتهمة زراعة الحشيشة، وهم الذين يشكّلون العمود الفقريّ لهذه الزراعة. في هذا الإطار يقول فاضل “القانون نفسه لا يمنح عفوًا عامًّا عن المخالفات السابقة، وفكرة العفو تحتاج إلى تشريعٍ منفصل أو قرارٍ سياسيّ”.

ويأسف فاضل إذ “حاولتُ كرئيس للهيئة إدراج بند لتخفيف العقوبات في حال امتثل المزارع لقرارات الهيئة وسلّم إنتاجه وفق القانون، لكن الاقتراح لم يُعتمد”.

أمّا بالنسبة إلى المزروعات القائمة قبل تشكيل الهيئة، فقد نُوقشت داخلها، بحسب فاضل، و”رُفع القرار إلى مجلس الوزراء للتصرّف بالمحاصيل القائمة، لكنّ ذلك لا يُعدّ عفوًا جنائيًّا ما لم يُقرّ تشريع مستقلّ”.

فاضل: الهدف هو تحويل الزراعة من نشاط غير قانونيّ إلى قطاع منظّم يخضع للترخيص والرقابة، مع الحفاظ على الطابع المحلّيّ والاقتصاديّ للمزارعين

تحديات التطبّيّق

يُجمع المراقبون على أنّ أبرز العقبات أمام تطبيق القانون هي البيئة الأمنيّة والسياسيّة في البقاع. فمناطق مثل بعلبك- الهرمل لطالما “نُمّطت” على أنّها خارجة على سيطرة الدولة، وهو ما يجعل التنفيذ صعبًا دون حلول سياسيّة وأمنيّة شاملة. في هذا الإطار يقول فاضل “نحن نعمل على التنسيق الوثيق بين الهيئة ووزارتي الداخليّة والزراعة والأجهزة الأمنيّة والبلديّات والمزارعين. كذلك ندرس إطلاق التجربة في مناطق محدّدة أوّلًا لتجنّب أيّ احتكاك أمنيّ”.

ويؤكّد أنّ “الهدف هو تحويل الزراعة من نشاط غير قانونيّ إلى قطاع منظّم يخضع للترخيص والرقابة، مع الحفاظ على الطابع المحلّيّ والاقتصاديّ للمزارعين”.

من البقاع إلى لبنان كلّه

لطالما ارتبطت الحشيشة في البقاع، لكنّ القانون الجديد لا يحصرها في هذه المنطقة. يوضح فاضل أنّ “نطاق القانون يشمل جميع الأراضي اللبنانيّة”، وأنّ “التوسّع في مناطق أخرى مرهون بسياسات الترخيص والبيئة الملائمة ورغبة المستثمرين”.

ومع ذلك، يُرجَّح أن تبدأ المرحلة الأولى في البقاع، لما تمتلكه من خبرة ومقوّمات طبيعيّة تناسب المحصول، على أن يُصار إلى التوسّع تدريجًا إذا نجحت التجربة.

بعد خمس سنوات من التأخير، أُعلنت أولى خطوات التنفيذ في صيف 2025 مع تشكيل الهيئة الناظمة، ما يُبشّر بانطلاق مسارٍ جديد قد يُعيد تعريف علاقة البقاعيّين بأرضهم

هل يولد احتكار جديد؟

على غرار احتكار إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) لزراعة التبغ، يثير بعض المزارعين مخاوف من أن يتحوّل القنّب الهنديّ إلى قطاع محتكَر. وفي هذا الإطار يوضح فاضل أنّ “القانون 178 أنشأ هيئة ناظمة مستقلّة تمنح التراخيص وتشرف على القطاع. هذا يختلف عن نموذج الريجي، إذ لا تملك الهيئة صفة تجاريّة أو احتكاريّة”. ويؤكّد أنّ الهيئة تعمل على إنشاء منصّة رقميّة تضمن الشفافيّة وتربط المزارعين مباشرة بشركات الأدوية والتصدير “من دون أيّ وساطة سياسيّة أو بلديّة”.

من الملاحقة إلى الشراكة

لضمان إشراك المزارعين وتأهيلهم، يؤكّد وزير الزراعة نزار هاني أنّ الوزارة تعمل على سلسلة خطوات عمليّة أبرزها: تشكيل تعاونيّات متخصّصة تضمّ المزارعين الراغبين في العمل ضمن أطر قانونيّة واضحة، وتشجيع التصنيع الأوّليّ في المناطق الزراعيّة، لإضافة قيمة محلّيّة وخلق فرص عمل واعتماد الزراعة التعاقديّة، بحيث لا يُسمح لأيّ مزارع في الزراعة من دون عقد مسبق مع مصنع، أو مصدر معتمد لضمان تسويق منظّم.

يضع القانون 178 الإطار التشريعيّ لزراعة القنّب الهنديّ في لبنان، لكنّه يبقى نصًّا مؤجّل التنفيذ ما لم تتوافر الإرادة السياسيّة والقدرة الإداريّة والأمنيّة.

بعد خمس سنوات من التأخير، أُعلنت أولى خطوات التنفيذ في صيف 2025 مع تشكيل الهيئة الناظمة، ما يُبشّر بانطلاق مسارٍ جديد قد يُعيد تعريف علاقة البقاعيّين بأرضهم، من الملاحقة إلى الشراكة القانونيّة، إذا صدقت النوايا وتحقّقت العدالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى