تدنّي إنتاج المقتى هذا العام يكبّد مزارعي البقاع خسائر جسيمة
تعُدّ نبتة القثّاء (الفقّوس) أو ما يُعرف بالمصطلح الشعبيّ بالمقتى من النباتات الخُضَريّة التي يشتهر بها البقاع منذ زمنٍ بعيدٍ، إذ يعتمد على زراعتها كثيرون من البقاعيّين ويفردون لها سنويًّا مئات الدونمات الزراعيّة، بغية بيع محاصيلها في الأسواق الداخليّة وحتّى الخارجيّة كمادّةٍ رئيسةٍ من موادّ المخلّلات التي تشكّل عنصرّا أساسًا في وجبات المأكولات والأطعمة لدى كثيرين.
عادت زراعة المقتى بقوّةٍ إلى واجهة المزروعات هذا العام، بعدما تراجعت قليلًا في السنوات الأخيرة لكنّها تمرّ بأزماتٍ عديدةٍ، أبرزها تدنّي الإنتاج وتراجع الأسعار، ممّا تسبّب في خسائر مادّيّةٍ فادحةٍ لمزارعي المنطقة.
موسم مضروب
عن واقع زراعة المقتى في البقاع والمشكلات التي تعاني منها، إلى الحلول المقترحة للنهوض بهذا الإنتاج يقول محمّد حميّة من بلدة طاريّا إنّه زرع هذا العام 30 دونمًا مقتى ليعوّض خسارته من زراعة الخيار السّنة الماضية “على أمل أن يكون هذا الموسم ناجحًا ووفيرًا، لكن لم تكن حساباتنا على قدر أمانينا إذ لم نقطف يوميًّا من المحصول سوى كمّيّاتٍ قليلةٍ جدًّا قياسًا مع المساحة الكبيرة المزروعة”.
ويشير في حديثه لـ”مناطق نت” إلى أنّ “هذا الأمر مستغرب وغير صحّيّ، لأنّ المقتى وبحسب العادة، يفترض أن يعطي الدونم الواحد المزروع بين 100 كيلوغرام و150 كيلوغرامًا في كلّ جولة قطاف، في حين أنّه اليوم لا يعطي الدونم أكثر من 10 كيلوغرامات، أيّ بتراجعٍ كبيرٍ يهدّد بضرب الموسم بأكمله.”
ويضيف حميّة “إنّ الـ30 دونمًا التي زرعتها مهدّدة بخسارة حتميّة مسبقًا، وهذا يظهر من خلال الإنتاج اليوميّ الذي لا يراكم أجرة قطفه وأجرة نقله إلى السّوق، في حين أنّه كلّفني أضعافًا قبل أن يصل إلى مرحلة القطاف. وكما هو معلوم فإنّ قطعة أرض بهذه المساحة الزراعيّة تحتاج إلى كلف وأعباءٍ كبيرةٍ، حتى تصل إلى أوان القطاف، وذلك من خلال حرث على مرحلتين، وكلّ مرحلة تختلف كلفتها عن الأخرى إذ تراوح بين مليون ليرةٍ ومليونين للدونم الواحد، إلى جانب كلف البذور وأجرة الزرع. هذا كلّه لن نحصّل ربعه إذا بقي الإنتاج على ما هو عليه.”
إنذار بكارثة مادّيّة
ويضيف “إنّ الواقع الذي نعيشه في زراعة المقتي حاليًّا مأسويّ، ويُنذر بكارثةٍ مادّيّةٍ علينا، كوننا علّقنا آمالًا كبيرةً على هذه الزراعة، ولم نزرع أيّ نوعٍ آخر. وهذا الموسم طويل، يمتدّ من شهر نيسان (أبريل) إلى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) أيّ أكثر من نصف عام، إذ لا مجال لأيّ زراعةٍ أخرى قبل الانتهاء منه”.
وفي الختام يدعو حميّة وزارة الزراعة إلى “الالتفات إلى وضع المزارعين من خلال تقديم ما يلزم كي لا نقع في مأزقٍ مادّيّ يحرمنا حتّى من تأمين قوت عيالنا”.
أسعار في الحضيض
أمّا حسين محمود من بلدة حزّين فيقول لِـ”مناطق نت”: “فضلًا عن أنّ موسم المقتى في المنطقة هذا العام، جاء على عكس التوقّعات وبدأ ضئيل الإنتاج، إلّا أنّه يعاني أيضًا من تدنّ حادٍّ في أسعاره، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه 15 ألف ليرةٍ في أحسن الأحوال، أيّ أنّه أرخص من كلّ أنواع الخُضَر، وهذا نذير شؤمٍ وخسارةٍ مباشرةٍ لحقت بنا في أوّل الموسم”. ويضيف: “إذا بقيت أسعاره كما هي اليوم في الحضيض، فإنّنا سنواجه معاناةً حتميّةً في فصل الشتاء، لأنّنا كنّا نعوّل على موسم المقتى كذخيرةٍ مادّيّةٍ نستخدمها في الشتاء إذ لا زراعة ولا إنتاج.”
ويشير محمود إلى أنّه زرع 60 دونمًا مقتى هذا العام، متوقّعًا أن يتجاوز إنتاجه اليوميّ الطنّ، مع أسعارٍ معقولةٍ “تقدّم لنا الرّبح الكافي مع حسم كُلَف الزراعة، لكن حسابنا جاء مخالفًا لحساب البيدر وذهبت توقّعاتنا أدراج الرياح.” ويضيف قائلًا “إنّ قلّة إنتاج المقتى هذا العام، ستنعكس على تصنيع المخلّلات، كون هذه المزروعة تعدّ المادّة الأولى في تناول الكبيس لدى غالبيّة المواطنين والمطاعم، حتّى أنّ بعض التجّار يعتمدون عليها في تصدير المخلّلات إلى عدد من الدول العربيّة، إذ إنّ الطلب عليها كبير والأرباح فيها كبيرة”.
حسين محمود: موسم المقتى في المنطقة هذا العام، جاء على عكس التوقّعات وبدأ ضئيل الإنتاج، إلّا أنّه يعاني أيضًا من تدنّ حادٍّ في أسعاره، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه 15 ألف ليرةٍ في أحسن الأحوال
ويرى أنّ إيجاد حلّ لكثافة الإنتاج ليس بيد المزارعين، الذين يؤثرون بقاء هذه الزراعة خارج التلوّث الزراعيّ، الناتج عن تزويد المزروعات بموادّ كيماويّة سامّةٍ وضارّةٍ للمزروعات والإنسان “إذ إنّ قيمة المقتى الصحّيّة، في بقائها محميّةً من أيّ حُقَنٍ صناعيّةٍ، تُفسد طعمها وعناصر فوائدها، وبالتالي تدخلها في عالم الزراعة الصناعيّة القائمة منذ زمنٍ في منطقتنا على الهرمونات والتهجين”.
رأي الخبراء
يشرح الخبير الزراعيّ ياسر الحسيني لِـ”مناطق نت”عن نبتة المقتى وكيفيّة نموها فيقول: “المقتى نوع من الخُضَر الزراعيّة التي تشبه الخيار بعض الشيء، بلونٍ مختلفٍ لكنّها تتمايز عنه بطريقة نموّها وكيفيّة استحصالها على الماء. إذ إنّها بعكس كثير من الأنواع الأخرى تمتصّ الماء من أوراقها وليس من جذورها، لذلك لا تحتاج كثيرًا إلى تربة خصبة بالماء”.
ويضيف: “هي نبتة معروفة في بلادنا منذ زمنٍ بعيدٍ، وزراعتها لا تحتاج إلى كثيرٍ من العناية في حال توافر الظروف الأساسيّة لها، أيّ التربة الصالحة لزراعتها، وقليل من الرعاية بعد أيّام من ظهورها على وجه الأرض. وهي من المزروعات التي تحمل ثمارًا كثيرةً في الشتلة الواحدة، حيث يكون نموّها سريعًا بين يومٍ وآخر”.
أمّا عن سبب ضآلة إنتاجها هذا العام فيرى الحسيني أنّ السبب يعود أوّلًا “إلى جهل بعض المزارعين زراعتها، حيث إنّ الأرض المزروعة مقتى السنة السابقة، يجب أن ترتاح سنةً من الزراعة، كي تستعيد موادّها وعناصرها الغذائيّة من الشمس وعوامل أخرى. بالإضافة إلى سببٍ آخر يتمثّل بفقدان التربة في مناطقنا معادنها لعوامل عديدة، وعدم الاهتمام بها من ناحية دعمها بالأسمدة العضويّة الطبيعيّة كما تفعل الدول في الخارج”.
إبعاد الموادّ الكيماويّة
ويدعو الحسيني مزارعي المنطقة إلى عدم إدخال أيّ مركّبات كيميائيّةٍ على زراعة المقتى، بهدف زيادة الإنتاج واتّباع خطّة إراحة الأرض كتجربة أولى “لأنّ المقتى هي المزروعة الوحيدة المتبقّية بعيدة من التسميم الذي غزا كلّ الزراعات وحوّلها إلى سمومٍ ستظهر كوارثها لاحقًا”.
ويؤكّد “ضرورة فحص التربة قبل الزراعة تجنّبًا للخسائر، وزرعها بمزروعات ملائمة لها، فلكلّ تربةٍ خصائص تختلف عن الأخرى. وهذا يتطلّب سياسةً زراعيّةً ممنهجةً ومدروسةً كي نحمي المزارعين من التلوّث الزراعيّ والخسائر المادّيّة.”
ويختم الحسيني بتوصية المزارعين بوجوب المحافظة على المزروعات “التي لم تلوّثها يد الإنسان من كلّ ما يغيّر جيناتها وتكوينها الربّاني.”