تراجع زراعة الحشيشة في البقاع والجنوح نحو “الماريجوانا”
منذ فترة ليست قليلة، غابت نبتة الحشيشة وزراعتها وإتلاف حقولها، عن نشرات الأخبار والتداول الإعلاميّ، بعدما كانت تحتلّ حيّزًا لا بأس به من تلك النشرات، حتّى يخال المتابع أنّ تلك الزراعة انقرضت، ولم يعد لها من وجود في منطقة بعلبك، التي تشكّل زراعتها تاريخيًّا، مورد رزق لكثير من العائلات فيعتاشون منها ويعتمدون عليها في حياتهم.
بين الانطباع حول غياب الزراعة، وبين زحمة أخبار الحرب والأزمات التي طغت على ما عداها، حافظت زراعة الحشيشة على حضورها في منطقة بعلبك، لكنها تراجعت هذا العام بشكل لافت، إذ انخفضت نسبة المساحات المزروعة بالقنّب إلى مستويات قياسيّة مقارنة مع السنوات الماضية، لتحلّ مكانها زراعة نبتة “الماريجوانا” لتنافس نظيرتها بقوّة وتصير أكثر رواجًا واستعمالًا من الحشيشة، داخليًّا وخارجيًّا، وذلك لأسباب عديدة منها سهولة التصريف وسعرها المرتفع، وغزارة إنتاجها، ما جعلها تنافس الحشيشة على نطاق واسعٍ، وتحتلّ مكانها في القيمة والأهميّة نظرًا لخصائص مميّزة فيها من نواحٍ متعدّدة.
بقيت نبتة القنّب الهندي، أو ما يُعرف بصيغته المصنّعة بـ”الحشيش”، أو “الحشيشة”، والتي تشكّل جزءًا من الدورة الاقتصادية في عدد كبير من قرى منطقة بعلبك الهرمل، نشطةً طوال السنوات الأخيرة الماضية، على الرغم من تأكيد الدولة اللبنانيّة مكافحتها وإتلاف مساحاتها في حال زراعتها، إذ إنّ مزارعي الحشيشة في المنطقة، يجدون في هذه الزراعة مورد رزقٍ وعيش لهم، في ظلّ غياب الدعم الرسميّ للمزروعات الأخرى، وبعدما تخلّت الجهات المعنيّة عن دورها في دعم المزارع ومواكبته في جميع خطواته الزراعيّة.
تراجع مساحات الحشيشة
تقلّصت جذريًّا مساحات شاسعة من الأراضي الزراعيّة في البقاع كانت تُزرع بالحشيشة هذه السنة، وهذا ما أكّده عدد من المزارعين. يقول عبدالله (اسم مستعار) لـ”مناطق نت”: “كنت مع مجموعة من شركائي نزرع الحشيشة على مدى سنوات طويلة، ونبيع محصولها لتأمين معيشتنا في ظلّ الأزمات الاقتصاديّة والماليّة القاسية، التي يمرّ بها الوطن، وفي ظلّ تخلّي الدولة عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها، ومحاربتهم بالقهر والتجويع، فكانت هي السبيل الوحيد في تحدّي ظروف الحياة”.
يتابع: “المساحات التي كنّا نزرعها كانت مئات الدونمات، وكنّا نجني منها محصولًا وافرًا، نبيعه في الأسواق المحلّيّة عبر وسطاء، في حين كان بعضها يُصدّر إلى الخارج عبر وسائل خاصّة. لقد وفّر هذا الأمر موردًا اقتصاديًّا يضمن لنا معيشة مريحة، ويجعلنا لا نمدّ أيدينا لأحدٍ أو نطلب مساعدة من أيّ كان”.
ويضيف: “في السنوات الثلاث الأخيرة، بدأنا نلاحظ تراجعًا في نسبة تصريف الإنتاج، وذلك بسبب المضايقات الأمنيّة والتشديد الرقابيّ في أماكن السّفر، أيّ التصدير، ما أدّى إلى ضيق المساحة في حركتنا التصريفيّة، والتي انعكست بدورها على نسبة الأرباح، وهو ما ساهم في تكديس المحاصيل في وسط أجواءٍ أمنيّةٍ خطيرة”.
ويشير عبدالله إلى أنّه وأمام هذا الواقع “كان لا بدّ لنا من أن نعيد حساباتنا، ونرسم خططًا جديدةً كي لا نقع في الخسارة أو نعرّض محاصيلنا للحجز أو التلف، فعمدنا إلى التراجع التدريجيّ على اعتبار أنّ الأمور قد تعود إلى وضعها السابق، وبدأنا بتقليص المساحات الزراعيّة من 500 دونم مثلّا إلى 100 دونم، مسجلين بذلك تراجعًا بلغ 80 بالمئة، إلى أن أدخلنا إلى خطّتنا نبتة الماريجوانا لتكون هي البديل الزراعي الذي يحقّق ما كانت الحشيشة تحقّقه بضماناتٍ أكثر وخسائر أقلّ”.
انخفضت نسبة المساحات المزروعة بالقنّب إلى مستويات قياسيّة مقارنة مع السنوات الماضية، لتحلّ مكانها زراعة نبتة “الماريجوانا” لتنافس نظيرتها بقوّة وتصير أكثر رواجًا واستعمالًا من الحشيشة
تأثير “الماريجوانا” على “الحشيشة”
أمّا رامي (اسم مستعار) فيرى أنّ الأسباب الموضوعيّة التي أصابت نبتة الحشيشة، وأجبرت المزارعين على انكفاء شبه كامل عن زراعتها، كانت سببًا في انتعاش نبتة الماريجوانا، الموجودة منذ زمنٍ، واعتمادها من قبل مزارعي المنطقة وسيادة زراعتها على ما عداها من مزروعات. يقول رامي لـ”مناطق نت”: “صحيح أنّ الماريجوانا حلّت مكان الحشيشة وجعلتها تتراجع، لكن كان لا بدّ من هذا الحلّ، الذي أحيا الأمل في نفوس المزارعين، وأعطاهم دفعًّا كبيرًا نحو عدم اليأس من التعاطي بهذا النوع من المزروعات وقد أضحى خيارًا وحيدًا أمام أبناء منطقة محذوفة من خريطة الدولة”.
ويضيف: “إنّ اختيار الماريجوانا، واعتمادها من المزارعين، أصاب زراعة الحشيشة ذات المكانة التاريخيّة والسمعة الزراعيّة الطويلة بنوعٍ من الشلل، وهذا ليس كرهًا بها بل لأنّ البديل أفضل وأربح وأسهل”.
لماذا الماريجوانا؟
يشير رامي إلى أنّ “الماريجوانا تفوّقت على الحشيشة لأسبابٍ مختلفةٍ؛ منها أنّها نبتة لا تحتاج إلى مساحات واسعة جدًّا كالحشيشة لتعطي محصولًا كبيرًا، كونها نبتة غزيرة الإنتاج بمساحات متوسّطة، وهذا ما يسهّل زراعتها ويوفّر كُلفًا مادّيّةً على زارعيها. ومنها أنّ سعرها يفوق سعر الحشيشة بعشرات الأضعاف ما يجعلها نبتةً مربحةً تؤمّن لمعتمدها أموالًا طائلةً فيما لو جرى بيعها وتصريفها كما يجب”.
يتابع: “بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الماريجوانا يمكن تخزينها في أماكن صغيرة، على عكس الحشيشة التي تحتاج إلى مساحات كبيرة لتجميعها وحفظها وتصنيعها، وهذه الميزة تسهّل عمليّة إخفائها والاهتمام بها بأقلّ الصعوبات”.
ويشرح بلال أنّ “هذا الأمر شكّل عنصر أمانٍ للمزارعين إلى جوانب أخرى تحقّق الهدف من زراعتها واعتمادها على المدى الطويل، وتضع المزارع على سكّة الزراعات البديلة، بغضّ النظر عن قانونيّتها التي نسعى كي تصبح مقوننة، ونطالب الدولة بذلك لأنّها أثبتت فائدتها الماديّة وبالتالي الاقتصاديّة للمزارعين، وللاقتصاد الرسميّ لو شاء المعنيّون ذلك”.
ويشرح بلال (اسم مستعار) لـ”مناطق نت” الفرق بين الماريجوانا والحشيشة من حيث خاصّيّة البيع والوحدة المعتمدة في أسلوب الوزن بالقول: “تباع الحشيشة بوحدة وزن تبدأ من كيلوغرامٍ واحدٍ وما فوق لتصل إلى الأطنان، وهذا يزيد من حجمها عند الشراء، ويتطلّب وسائل كبيرةً بعض الشيء لحملها، في حين أنّ الماريجوانا تباع بالغرامات أو ما يعرف بالأونصة، وهي وحدة وزن دقيقة وصغيرة الحجم، ويمكن حملها وإخفاؤها باليد، وهذا يشكّل عاملًا مساعدًا في الاستفادة منها. إنّ ذلك يسهّل نقلها من مكانٍ إلى آخر ويحميها إلى حدٍّ كبيرٍ من افتضاح أمرها أو وجودها الذي هو أساس في المتجارة بها”.
عن الفرق في الأسعار ونسبة الأرباح يشرح بلال “إنّ التجارة بالماريجوانا أربح بكثير من التجارة بالحشيشة، فالغرام الواحد منها يساوي بسعره سبعين كيلوغرامّا من الحشيشة، لذلك فإنّ غرامات معدودات منها، كافية لبيعها بمبلغ مادّيّ مقبول، ويحقّق هدف الربح ضمن مدة زمنيّة محدّدة”.
ويلفت بلال إلى أنّ الأسواق الداخليّة لشراء الماريجوانا مزدهرة، “فمنها الفرديّ ومنها الجماعيّ وذلك تبعًا للحاجة والغرض ووجهة الاستخدام”. ويؤكّد “أنّ التعاطي بهاتيْن المادّتيْن خاضع للمزاج الشخصيّ المتفاوت بين شخصٍ وآخر. وإنّ بعضهم قد يلجأ إلى الحشيشة لتدنّي سعرها، مع الفرق في تأثير كلّ منهما على النفسيّة والأعصاب والحالة المزاجيّة.”
ويختم بدعوة المسؤولين إلى تبنّي زراعة الماريجوانا وتشريعها والسماح للمواطنين بزراعتها وشراء محاصيلهم لتصنيعها في لبنان إلى جانب الأدوية الأخرى الخاصّة بالأعصاب والاكتئاب والتخدير “ما يؤمّن مردودًا اقتصاديًّا للمواطن وللدولة على حدّ سواء، ويعالج أزمة الزراعة في البقاع الذي كان في السابق يُسمّى بـإهراءات روما، نظرًا إلى غناه بزراعة القمح”.