تربية الكلاب واقتناؤها في شمسطار ظاهرة تتسع وتنتشر
يعكس ارتفاع منسوب الرفق بالحيوان في المجتمعات، رقيًّا وتطورًّا وحسًّا إنسانيًّا عاليًا تجاه مخلوقات تعيش معنا على هذا الكوكب ولها حقّ في ذلك. ويؤشّر أيضًا إلى الوعي للتوازن البيئيّ والطبيعيّ وقد بدأت الطبيعة تفقدهما منذ سنين طويلة.
تأتي ظاهرة انتشار اقتناء الحيوانات، وخصوصًا الكلاب، في منطقة بعلبك ضمن هذا السياق وتؤشّر إلى تحوّلات في الثقافة المجتمعيّة التي كانت أريافنا ومنها بعلبك، سبّاقة إلى الحفاظ على الحيوانات والتعامل معها برفق، حيث كانت شريكة في دورة الإنتاج التي كانت تعتمد في جزء كبير منها على الحيوانات.
لم يعد مستغربًا في منطقة بعلبك أن تشاهد مواطنين رفقة حيواناتهم، خصوصًا الكلاب المهرولة إلى جانب أصحابها، أو الخارجة إلى الفسحة.
لم يعد مستغربًا في منطقة بعلبك أن تشاهد مواطنين رفقة حيواناتهم، خصوصًا الكلاب المهرولة إلى جانب أصحابها، أو الخارجة إلى الفسحة.
تأصيل النسل الأجنبي
حسين دياب المقيم في بلدته شمسطار البقاعيّة من بين هؤلاء، انتقل من رغبته في اقتناء الكلاب، إلى التخصّص في شؤونها ورعايتها ومن ثمّ عرضها للبيع للمهتمّين بذلك. بدايةً اشترى دياب واحدًا منها من فصيلةٍ أجنبيّةٍ، ليأتي لاحقًا، بواحدةٍ أخرى بهدف تزويجها والتكاثر لتأصيل النسل الأجنبيّ. وبعد أن تحقّق له ما أراد بولادة ثلاثة جِراءٍ، قرّر الاهتمام بها وتربيتها وتدريبها وفق خبرته الناتجة عن حبّه وولعه باقتناء الكلاب لأكثر من هدفٍ.
هكذا بدأت تجربة حسين دياب في التعبير عن حبّه واهتمامه بهذا النوع الوفيّ من الحيوانات، ثمّ راحت مع الوقت تأخذ منحى آخرَ لتصبح مهنةً دائمةً بكلّ تفاصيلها ودقائقها ويغدو متفرّغًا دائمًا للاعتناء بها وتقديم كلّ ما يلزم لها من وسائل حمايةٍ وسلامة وعلاج.
يقول دياب لـ”مناطق نت”: “إنّ الكلاب، لا سيّما المؤصّلة منها، مخلوقات ذكيّة وقادرة على التكيّف مع الإنسان القادر بدوره على تعليمهاب ما يريد، لذلك بدأتُ بهذه التجربة واقتنيتُ عديدًا منها بهدف تعريف الناس على أهمّيتها ودورها، وبالتّالي الوصول إلى مرحلة نشر ثقافة الرفق بالحيوان وضرورة الحفاظ عليه كونه متعدّد المهام والأدوار الغرائزيّة التي تصبّ جميعها في خدمة الإنسان والبيئة”.
المرحلة الأولى
يضيف دياب “إنّ المرحلة الأولى من تجربتي هي اقتناء الكلاب الأجنبيّة، لأنّ غالبيّة النّاس تقتنيها بالمنزل كونها قادرةً على التفاعل وتلقّي التدريبات بسهولةٍ وتقوم بمهامّ محدّدةٍ خدمةً لأصحابها”. وأمّا عن أنواعها فيقول “لديّ حاليًّا أجناس أعمل على تربيتها وهي: البيغ بول، التشاو تشاو، البيرجيه والميلانوار، وكلّها أحضر لها إناثًا للتزاوج والاستفادة من الجراء في البيع والتدريب والاستخدامات الشخصية”.
ويشير دياب إلى أنّه أنشأ مزرعةً خاصّةً بتربية الكلاب وفق المواصفات العلميّة المتّبعة في هذا المجال “حيث لكلّ كلبٍ غرفته ومأكله ومشربه ومكان لعبه الخاصّ به، مع إجراء كشفٍ طبيٍّ دوريّ عليه من خلال طبيبٍ بيطريٍّ متخصّص تعاقدنا معه لهذه الغاية، إلى جانب الاهتمام بنظافة كلّ كلبٍ من خلال تغسيله بدواء خاصّ، وتسريح شعره وتقليم أظفاره حتّى يبدو في أحسن منظر”.
نطاق العمل
ويؤكّد دياب إلى أنّ خوضه هذا المضمار فتح أمامه أفقًا واسعًا في تكوين علاقاتٍ لتبادل الخبرات في هذا المجال، إذ اتّسع نطاق عمله ليشمل عكّار في الشّمال والغازيّة في الجنوب، فضلًا عن بعض مناطق البقاع كزحلة وريّاق. يقول: “هذا ما أعطاني دفعًا مضاعفًا من أجل الثّبات والمثابرة في تجربتي هذه كونها تعمل على تعريف الفرد وبالتّالي المجتمع على أهمّيّة التعامل مع المخلوق الثاني في حياتنا الذي هو الحيوان وتقديم له احتياجاته من جانبٍ إنسانيّ نبيل”.
ويضيف: “وبعد أن لمست تجاوب الناس، لا سيّما في محيطي، لأهمّيّة التعامل مع الكلاب من الناحيتيْن الإنسانيّة والخدماتيّة وجدتُ ضرورةً لتطوير عملي وافتتاح مركزٍ يحتوي على كلّ احتياجات ولوازم الكلاب من طعامٍ ودواءٍ وأدوات تنظيف ووسائل أخرى خاصّةٍ بالحيوان، منها بعض أدوات الترفيه الخاصة بهذه الحيوانات، فكان ذلك ضمن الإمكانيّات الفرديّة وصرت مقصدًا لمربّي الكلاب في المنطقة، وقد فاجأني نسبة المهتمّين بهذا النطاق وبات تعدادهم يزيد على ستّين مربّيًا في نطاقٍ جغرافيٍّ محدود”.
مرحلة الكلاب الشاردة
ويشير دياب الحائز على شهادة تقديرٍ من “جمعيّة الاهتمام والتربية والتدريب للكلب الألمانيّ” إلى أنّ المرحلة الثانية من مشروعه ستكون باتجاه العمل على الاهتمام بالكلاب الشاردة “عن طريق وضع خطّةٍ شاملةٍ لذلك، وهو أمرٌ يتطلّب جهودًا جماعيّةً لا فرديّةً، اوّلها نشر التوعية في أوساط المجتمع الأهليّ حول هذا الموضوع وتدريبه على كيفيّة التعامل مع الكلاب المحلّيّة وإيوائها في مراكز خاصّة مع الاعتناء بها على اعتبارها عنصرًا بيئيًّا ضروريًّا”.
ويضيف: “من واجب الجميع في كلّ المجتمعات النظر إلى الحيوان على أنّه مخلوقٌ بيئيّ ويصلُح لأن يكون رفيقًا أليفًا للإنسان إن هو أراد ذلك، أمّا النظر إليه بأنّه مخلوقٌ مؤذٍ وضارّ بالبشر سيجوّله إلى كائنٍ غريب ويفضي إلى التعامل معه بقسوةٍ وعنفٍ، وهو أمرٌ مرفوض بالمعيار الإنسانيّ والطبيعيّ”.
التكامل مع الجمعيّات المهتمّة
ويفيد دياب بانّه بدأ منذ مدّة التواصل مع جمعيّات محلّيّة تُعنى بتربية الحيوانات من أجل الدعم وتبادل الخبرات وتشكيل خطّةٍ موحّدةٍ ماليًّا وخدماتيًّا للوصول إلى ما يشبه التكامل في هذا المجال “لتطوير مشروعي في المنطقة كون المشروع جديدًا على مجتمعنا ويحتاج إلى دعمٍ وتعاونٍ ومشاركةٍ من قبل الجميع”. ويشير إلى أّنّه تواصل مع جهاتٍ خارجيّةٍ تهتم كثيرًا في تربية الكلاب بهدف الدّعم واكتساب خبراتٍ جديدةٍ، لأنّ الخارج متقدّم علينا بمراحل عديدةٍ في هذا الشأن ونحن بحاجةٍ ماسّةٍ إليه لتطوير عملنا وتحقيق الهدف الإنسانيّ والبيئيّ الذي نصبو إليه.”
ويُبدي دياب استعداده الكامل في أن يقوم بتدريب الكلاب المنزليّة، إذا أراد أصحابها ذلك، من خلال مركزه القائم في بلدته وتقديم ما تحتاجه من دواءٍ وعلاجٍ وعنايةٍ خاصّةٍ بها بهدف الحفاظ على البيئة الحيوانيّة وتنمية ثقافة الرفق بالحيوان وتقديم الصورة الإيجابيّة له”.
ويُبدي دياب استعداده الكامل في أن يقوم بتدريب الكلاب المنزليّة، إذا أراد أصحابها ذلك، من خلال مركزه القائم في بلدته وتقديم ما تحتاجه من دواءٍ وعلاجٍ وعنايةٍ خاصّةٍ بها
ويختم دياب بدعوة وزارة الزراعة إلى تقديم المساعدة اللاّزمة إلى ما أسماه “قطاع تربية وتدريب الكلاب” في المنطقة “كون هذا القطاع من ضمن القطاعات الزراعيّة الأخرى، كقطاع تربية الدواجن والأبقار والنّحل” واعدًا بإضافة أنواعٍ أخرى من الحيوانات إلى مشروعه كالقطط وأصنافٍ محدّدة من الطّيور
أنس في البيوت
يلفت محمد حميّة في حديث لـ”مناطق نت” إلى إنّه اقتنى كلبًا من مصدر ألماني، منذ ثلاثة أشهر،ٍ بعد أن قرأ عن أهمّيّة تربية الكلاب المنزليّة في منح المنزل حياةً جديدةً مع مخلوقٍ ليس من جنسنا “إلاّ انّه يعطينا شيئًا من الأُنس فضلًا عن دوره في تقديم بعض الخدمات الخاصّة ما يجعله صديقًا وفيًّا مخلصًا في ما يقدّم.”
ويضيف: “لم يكن اقتناء الكلاب المنزليّة في ما مضى أمرًا مألوفًا نتيجة النظرة الاجتماعيّة الخاطئة تجاه ذلك، أمّا اليوم، فإنّه صار أمرًا شبه ضروريّ بالنسبة للعارفين بأهمّيّة دوره ولمساته الروحيّة الخاصّة التي يتركها في البيت وفي نفوس أصحابه، وذلك ضمن شروط الصحّة والسلامة الخاصّة به لنكون بمأمن من الأمراض التي قد تنجم من الاقتراب منه ومداعبته.”
أمّا محمد الحسيني الذي اقتنى كلبًا منذ سنةٍ لاستخدامه في الحماية والحراسة فيشير لـ”مناطق نت” إلى “أنّ تربية الكلاب لها أبعادٌ متعدّدةٌ “أوّلها الجانب الإنسانيّ كونه مخلوقًا كسائر المخلوقات وعلينا رعايته والاعتناء به رِفقًا به لأنّ واجبنا الدينيّ والأخلاقيّ يفرض علينا ذلك. وثانيها الجانب الخدماتي الذي يوفّره لنا من خلال تدريبه على القيام بمهامٍ مختلفةٍ”.
ويتابع: “لقد وجدت في الكلب الحارس الأمين، والمدافع المخلص عنّي وعن منزلي وممتلكاتي؛ فهو يحمي مزرعة الدجاج التي املكها من السرقة وهجمات الحيوانات التي عانيتُ منها طويلًا قبل اقتنائي الكلب إلى أن أصبحت في أمانٍ بوجوده أمام الدار والمزرعة.”
وختامًا، شجّع الحسيني جميع المواطنين على اقتناء الكلاب وتغيير النظرة المتوارثة عنها “لأنّ الكلاب، في معظم الأحيان هي صديقةً وفية حتّى أكثر من بعض البشر، يكفي أنّها لا تغدر بمن ربّاها أو اقتناها أو صادقها وأطعمها وداعبها.”