تركوا ذكريات وأشجار توت وكنيسين.. أرمن صور على لوائح الشطب فقط
أربعة افراد وبيت واحد وكنيسين وذكريات، هو ما تبقى من طائفة الأرمن، التي حطت رحالها في مرفأ صور العام 1939، هربًا من البطش التركي، في ذروة الحرب العالمية الثانية.
ما هو على أرض الواقع، يختلف تمامًا على ما تحتويه سجلات النفوس في صور، لا سيما سجل البص والرشيدية، اللذين تحوّلا من سكن “مؤقت” للاجئين الأرمن، إلى مخيمين يضمان اليوم ما يناهز الأربعين ألف لاجيء فلسطيني من لاجئي العامين 1948 و1969، فتلك السجلات (البص والرشيدية) ما تزال تضم زهاء الألف وخمسماية ناخب أرمني إلى اليوم، وقد غادروا المنطقة في ظروف مختلفة (قدوم اللاجئين الفلسطينيين 1948، الحرب الأهلية 1975، الاجتياحات الاسرائيلية وسواها) إلى مناطق البقاع “عنجر” وبيروت “برج حمود” وخارج البلاد.
في وسط مخيم البص للاجئين الفلسطينيين، عند المدخل الشرقي لمدينة صور، تصمد عائلة أطاميان في بيت يعود بناؤه إلى أكثر من سبعة عقود، تزنره أشجار التوت، التي غرس منها اللاجئون الأرمن المئات في أرجاء المخيم على حدود البحر، وما زالت إلى يومنا تدر الرزق من صنفي التوت الأحمر والأبيض لعائلات فلسطينية عديدة، تتوارث هذه الاشجار المعمرة. إضافة إلى شهرتهم في زراعة البطاطا الحلوة في سهول الشواكير على تخوم مخيم الرشيدية.
وعلى بعد عشرات الأمتار، من منزل عائلة أطاميان أشهر العائلات الأرمنية القادمة إلى صور العام 1939، ينتصب كنيس للطائفة الأرمنية وسط باحة فسيحة، ولا تفتح أبوابه إلا قليلًا، بعدما فرغت المنطقة من الأرمن، وقد جرى ترميم هذا الكنيس الصغير، على نفقة دولة قطر في أعقاب عدوان تموز – آب 2006 على إثر تضرره من العدوان الاسرائيلي.
لا يعكر صفو هذه العائلة المؤلفة من سيروك طوكميان وأولادها الشبان الثلاثة أي قلق، فيعيشون أيامهم في ظروف اقتصادية صعبة، بعدما فقدت العائلة معيلها الاساسي جوني أطاميان “زوج سيروك” منذ سنوات وقبله شقيقه مختار الأرمن إلى العام 2004 رافي أطاميان، والذي نافسه على المقعد الاختياري ابن قرية “قديثا” في فلسطين سعيد دقور، وهو يتحدر من عائلة فلسطينية (جدته لبنانية من يارون) حصل والده على الجنسية اللبنانية، بعد نكبة العام 1948 بفترة وجيزة، وما يزال في هذا المنصب منذ ذلك التاريخ (2004) ويعتزم خوض الاستحقاق الاختياري المقبل المزمع في أيار 2022
سيروك أطاميان آخر الأرمن في صور
جاءت سيروك طوكميان عروسًا من بيروت إلى البص، مقترنة بـ جوني أطاميان وأنجبا أربعة أولاد، ثلاثة شبان وفتاة. وكانوا يعيشون في بيت واحد مع المختار رافي الذي ولد وأخوته في البص.
تقول سيروك لـ “مناطق نت” إننا نعيش كل يوم بيومه من القلة، التي يعاني منها غالبية الناس، ولم نتعرض لأي مضايقات من جيراننا الفلسطينيين الذين عانوا مثلنا من المجازر والاحتلالات.
تضيف “أعيش هنا منذ حوالي أربعين عامًا، وبعد وفاة زوجي وشقيقه المختار، أكمل حياتي مع أولادي الثلاثة، فيما إبنتي التي تزوجت قبل مدة تعيش في منطقة البقاع. لا تعني الانتخابات شيئأ لـ سيروك. فتقول “إن همنا الرئيسي هو كيف نؤمن معيشتنا جراء هذه الظروف القاسية جدًا”.
تاريخ الهجرة الأرمنية إلى صور
يسرد المختار رافي أطاميان الذي توفي على مشارف العام 2005 تاريخ هجرة الأرمن إلى المنطقة من “كيليكيا” ومن ثم هجرتهم المعاكسة من البص والرشيدية إلى أرمينيا وبرج حمود والبقاع “عنجر” في كتاب صدر حديثا بعنوان “مصابيح الذاكرة، وجوه الرحلة ومطارحها”
ويقول فيه “إن هجرة الأرمن من كيليكيا في تركيا إلى صور، كانت مع بدايات الحرب العالمية الثانية عام 1939 حيث لجأ اليها بواسطة مراكب شراعية نحو 1800 شخص من أعمار مختلفة. ولحظة وصولهم إلى ميناء صور، تم نقل هؤلاء إلى المراكز الحكومية وخانات صور القديمة ومخازن وقف الكاثوليك ومراكز الأوقاف الدينية الأخرى”.
ويتابع اطاميان “لم تمضِ سنة حتى تأمنت منازل للعائلات الأرمنية، أقيمت على أراضي تابعة للدولة اللبنانية في البص على مدخل صور الشرقي، والرشيدية على شاطىء المدينة الجنوبي، بمعدل غرفة ومطبخ وحمام لكل عائلة وسقفوها بالاسمنت “جملون”، ودفعت آنذاك ثمن هذه المنازل الجمعية الخيرية الأرمنية، وهناك إيصالات ما تزال موجودة صادرة عن بنك سوريا ولبنان.
البص “نوبارفان”
ويتذكر أطاميان أن الأرمن عملوا أشهرًا طويلة في نقل الرمول على ظهور الحمير من محيط الآثار، إلى المنطقة المحاذية للشارع العام حاليًا، لردم المستنقعات الموجودة في المنطقة، وقد استمروا في عملهم الزراعي حتى العام 1983 حيث كانت تقيم في البص 239 عائلة مسجلة في نفوس صور و190 عائلة في الرشيدية وكان يطلق على البص “نوبارفان” نسبة إلى المتبرع الأكبر في الجمعية نوبار باشا.
ويتناول أطاميان في سرده العائلات الأرمنية ومنها ميناسيان وديمرجيان وكوستنيان وأطاميان، مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة من العائلات كانت تذهب إلى بيروت للعمل العام 1948 نتيجة عدم وجود فرص عمل في المنطقة وكانوا “العائلات” تأتي الى منازلها أيام العطل وتزامن ذلك مع تهجير الفلسطينيين، فجاءت عائلات من حيفا سكنت منازل الأرمن وغالبية العائلات من المسيحيين لكنها لم تستمر طويلًا في المخيم نتيجة نمط عيشها، فغادرت المنطقة وسلمت المنازل التي سكنتها الى عائلات مهجرة من الجليل، وفي ثورة العام 1958 التي كان زخمها في صور غادرت عائلات أخرى إلى برج حمود وتبعتها هجرة ثانية بداية الحرب عام 1975، ولم يبق إلى اليوم سوى أفراد في البص والمدينة الصناعية.
ويلفت أطاميان أنه سُجل في الانتخابات النيابية العام 1992 اقتراع 130 أرمنيًا قدموا معظمهم من بيروت وفي العام ألفين لم يتجاوز الخمسين. وأن ما بين 700 إلى 800 أرمني حضروا للمشاركة في الانتخابات البلدية والاختيارية سنة 1998 فانتخبوا المختار “أطاميان”
المختار سعيد دقور
يتابع المختار سعيد دقور شؤون وشجون الأرمن وأبناء البص والرشيدية، لا سيما المسجلين على لوائح الشطب ويناهز عددهم الألفي ناخب.
ويؤكد دقور لـ “مناطق نت” إن عدد الأرمن اللبنانيين على لوائح الشطب في البص – الرشيدية يزيد على الـ 1500 غالبيتهم في البص، إلى جانب أكثر من 300 ناخب من اللبنانيين، لكن على الأرض لم يعد يوجد في المنطقة سوى عائلة أرمنية واحدة مؤلفة من أربعة أفراد يعيشون بحب وسلام مع جيرانهم الفلسطينيين.
ويضيف دقور أن الأرمن، الذين تركوا المنطقة في مراحل زمنية مختلفة هم أحبتنا، وهناك تواصل مع عدد كبير منهم مقيم في بيروت وعنجر، وقلوبنا وبيوتنا مفتوحة لهم على الدوام.