تشريع نازي.. عطالله يعاقب الضحايا الأجانب في انفجار بيروت
لا تقتصر سياسة التمييز العنصري التي يمارسها بعض اللبنانيين تجاه الأجانب على حالات فردية، بل الخطير في الأمر أنها تجد لها مكاناً في بيت التشريع اللبناني (مجلس النواب) وعلى لسان أحد أعضائه. ما جرى بالأمس هو قتل متعمّد آخر لضحايا انفجار بيروت ولحقوقهم لا سيما الأجانب منهم. تجلّى ذلك بوضوح عندما تقدّم النائب جورج عطالله من كتلة لبنان القوي باقتراح قانون يستثني ذوي ضحايا تفجير المرفأ غير اللبنانيين من التعويضات المقرّرة قانوناً لجميع الضّحايا. تذرّع عطالله بأنه يفترض أن يكون غير اللبنانيين مؤمنين على حياتهم وأن بامكان ذويهم الاستفادة من التأمين.
كان ينقص ضحايا انفجار مرفأ بيروت من الأجانب وخصوصا النازحين السوريين، أن يدفع ذويهم كلفة جمع أشلاءهم ونقلها وأجرة ثلاجات الموتى في المستشفيات. كيف فاتت هذه الفكرة اقتراح نائب العهد القوي جورج عطالله؟ لا ضير في ذلك، فضياع هذه الفكرة لم تنتقص من نازية اقتراحه ولم تقلل من الصدمة الإنسانية، بأن هناك أناسا يفكرون بهذه الطريقة المخجلة.
ووفق “المفكرة القانونية” هنا اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدم من النائب جورج عطالله في 17/12/2020 والرامي إلى إضافة عبارة “اللبنانيون” كما واستبدال عبارة “الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي” ب”وزارة الشؤون الإجتماعية” في الفقرتين 1 و2 من قانون مساواة شهداء انفجار المرفأ بشهداء الجيش (القانون رقم 196/2020).
تبرر الأسباب الموجبة تقديمه بتمتّع “الأجانب الشهداء والمتضررين من جنسيات أجنبية” بتأمين صحي وتأمين على الحياة بموجب قانون العمل إذا كانوا عمّالا، أو بتأمين سفر شامل إذا كانوا سياحا وبالتالي “لا داع لمساواتهم بشهداء الجيش اللبناني” وإفادتهم من المنافع الناتجة عن القانون وبالتالي “تكبيد الخزينة اللبنانية أية الزامات مالية إضافية”. وهذه الحجة خاطئة طالما أن العديد من الضحايا الانفجار الأجانب توفوا على المراكب الراسية في المرفأ أو كانوا أطفالا.
كما يعمد الاقتراح إلى التراجع عن “شمول اللبنانيين المصابين بالانفجار مدى الحياة بتقديمات الضمان غير ممكن” لكون هذه التقديمات محفوظة فقط للمشتركين فيه، الأمر الذي “يوجب حصول المتضررين على التقديمات والمنافع من وزارة الشؤون الاجتماعية وليس من الضمان”.
المؤسف والخطير هو أن هذا الاقتراح يعمد إلى حرمان الشهداء والمتضررين الأجانب من الإستفادة من أحكام القانون رقم 196/2020 متحججا بعدم وجوب “تكبيد خزينة الدولة اللبنانية أية إلزامات مالية إضافية”.
المفكرة القانونية دحضت بالارقام هذه الحجة ووضعت الاقتراح في خانة التمييز غير المبرّر والذي يقرب من التمييز العنصري. وقالت: “الموقف السّليم رفض هذا الاقتراح الذي يعرض اليوم على الهيئة العامة لمجلس النواب”.
ضحايا انفجار بيروت
بلغ عدد الضحايا الأجانب في تفجير الرابع من آب 51، بينهم 30 من الجنسية السورية أحدهم بحّار قضى على إحدى البواخر الراسية في المرفأ ولم تكن أوراقه قانونية وبالتالي لم يكن مشمولاً بالتأمين.
وذكرت المفكرة أن من بين الضحايا السوريين أيضاً طفلتان أكد أهلهما أنهما غير مشمولتان بالتأمين، بالإضافة إلى حوالى ستة أشخاص من العمّال الموظفين والمياومين وحجّاب عمارات أكّدوا أن لا تأمين لديهم.
ومن بين السوريين الضحايا من دخل لبنان بصورة غير شرعية (لم تتمكّن المفكرة لغاية اللحظة من إحصاء عددهم) وبالتالي لا يستفيدون من التأمين. أما أهل الضحية الفلسطينية الوحيدة فأكدوا للمفكرة أنّه لم يكن مشمولاً بالتأمين.
ليس مفاجئاً ما تقدم به عطالله بالأمس، فممارسات التيار الذي ينتمي إليه النائب المذكور عديدة، لم تقتصر على الأجانب وتحديداً النازحين السوريين، بل تعدتها إلى لبنانيين هم معهم على قدم المساواة أمام القانون والدستور، وكلنا يذكر قضية بلدية الحدث عندما تم منع العديد من اللبنانيين خلافاً للقانون من الاستئجار فيها. والسبب فقط بسبب الانتماء الطائفي المختلف. الأمر ينسحب على قضايا أخرى تجلّت فيها سياسة التيار التمييزية عندما صوت التكتل على استثناء المرأة اللبنانية المتزوجة من فلسطيني من حق منحها أطفالها الجنسية اللبنانية.
سياسات عنصرية
سياسة التمييز التي ينتهجها التيار منذ سنوات لم تقف عند حدود خرق القوانين، بل تعدتها إلى ممارسات أقل ما يُقال فيها إنها عنصرية، وهي تجلّت بوضوح مع بداية النزوح السوري عندما لجأت العديد من البلديات التي يهيمن عليها التيار باتخاذ إجراءات تقضي بمنع النازحين السوريين من التجوّل ليلاً، من خلال الإعلان عنها جهاراً من خلال يافطات تُعلّق في الشوارع ومن خلال قرارت بلدية تأخذ الطابع الرسمي.
التيار الذي يمارس سياسات تمييزية واضحة بحق الأجانب وخصوصاً النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، يتباهى في الوقت نفسه بعظمة “الدياسبورا” اللبنانية وإنجازاتها وإشعاعاتها في العالم. لكنه ينسى في الوقت نفسه أن تلك “الدياسبورا” لم تكن لتحقق تلك الانجازات لو لم تحتضنهم تلك الدول، وتعاملهم على قدم المساواة مع مواطنيها وتمنحم جنسيات وحقوق وفرص، يفتقدونها بالتأكيد في وطنهم الأم.
وتتناسى هذه السياسات أيضاً أن حال “الدياسبورا” اللبنانية لحظة خروجها إلى العالم، كانت تتشابه كثيراً مع حال اللاجئين الذين يستضيفهم لبنان اليوم. وهم خرجوا في ظروف لم تكن أفضل من ظروف ممن يمارسون عليهم الآن أبشع السياسات التمييزية.
الملفت في تبرير النائب عطالله اقتراح القانون هو “تكبيد الخزينة اللبنانية أية الزامات مالية إضافية”. ونسي عطالله أن الخزينة التي يتحدث عنها ويريد أن يبعد عنها أية إلتزامات مالية إضافية، هي خاوية بفعل السياسات التي انتهجها فريقه السياسي وأرهقها بسوء إدارته مع شركائه من الطبقة السياسية. واليوم يناشد العالم متسوّلاً لكي ينتشل تلك الخزينة من الغرق.