تعويضات الحرب في البقاع الأوسط مؤجّلة.. تململ وانتظار
بعد أن وضعت الحرب أوزارها منذ نحو الشهر، بدأ الناس في منطقة البقاع الأوسط يعاينون خسائرهم المادّيةّ التي طالت آلاف الوحدات السكنيّة، وتوزّعت بين تدميرٍ كلّيٍّ وآخر جزئيّ، وبعضها اقتصر على أضرار في النوافذ والأبواب والزجاج، إلى جانب الأضرار الجسيمة التي لحقت بآلاف المحال والمؤسّسات التجاريّة والزراعيّة.
وعود بالتعويضات
منذ ما قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، بدأ الحديث عن التعويضات، إذ وُعِد المواطنون المتضرّرون جرّاء الحرب بالمنطقة، من قِبل حزب الله بالتعويض عن الأضرار والخسائر التي لحقت بهم، فباشر الحزب منذ اليوم الأوّل لوقف إطلاق النار بالطلب إلى الناس الذين تضرّرت منازلهم بشكل جزئيّ القيام بما يلزم من إصلاحات في ممتلكاتهم على نفقتهم الخاصّة، على أن يقوم الحزب في ما بعد بدفع ذلك وفق فواتير طبقًا للتصليحات.
وبالفعل فقد شرع كثير من المتضرّرين، ومنذ اليوم الأوّل لوقف إطلاق النار بأعمال الترميم والتصليحات على نفقتهم الخاصّة، وضمن شروط الوعود التي تلقّوها، حتّى أنّ بعضهم لم تكن لديه قدرة مالية على القيام بتلك التصليحات في منزله، وتتعلّق بالنوافذ والأبواب من ألمينيوم وزجاج، أو في محلّه التجاريّ، فاستدان المال من أجل ذلك مستندًا إلى الوعود الحزبيّة.
وبعد مرور ما يقارب الشهر على وقف إطلاق النار، نزلت الفرق على الأرض لإجراء مسحٍ ميدانيّ للأضرار في جميع الممتلكات، ورفعها إلى الجهات المعنيّة في “الحزب”، من دون تحديد مدّةٍ زمنيّةٍ لدفع التعويضات الماليّة، خصوصًا وأنّ كلفة الإصلاحات تختلف بين ملتزم وآخر.
بعد مرور ما يقارب الشهر على وقف إطلاق النار، نزلت الفرق على الأرض لإجراء مسحٍ ميدانيّ للأضرار في جميع الممتلكات، ورفعها إلى الجهات المعنيّة في “الحزب”، من دون تحديد مدّةٍ زمنيّةٍ لدفع التعويضات الماليّة
استياء وتململ
ونتيجةً التباطؤ الحاصل في ملف التعويضات المتعلقة بالأضرار الجزئية وعدم المباشرة بالدفع حتى الآن، بدأ عديد من الأهالي في المنطقة يعبّرون عن استيائهم وتململهم ممّا يحصل معهم، لا سيّما وأنّ بعضهم تحتاج منازلهم إلى إصلاحاتٍ ضروريّةٍ وسريعةٍ، خصوصًا في هذه الأيّام “الكانونيّة” الباردة، وأيّ تأخيرٍ في ترميم المنازل المتضرّرة في أجزائها الرئيسة يصعّب من عملية السكن فيها.
وبناءً على ذلك، بدأوا يرفعون أصوات الاعتراض والتذمّر، إلى مسؤولين حزبيّين مطالبين بالإسراع في دفع المال الذي وعدوا به.
“مناطق نت” جالت على بعض قرى وبلدات البقاع الأوسط واستمعت إلى عددٍ من المتضرّرين في الحرب حول ما وصلت إليه أمورهم بشأن إصلاحات أضرارهم والتعويض عن خسائرهم، وسجّلت الشهادات الآتية:
يقول محمّد (اسم مستعار) من بلدة تمنين، غربيّ بعلبك، إنّ الخسائر التي لحقت به جرّاء الحرب كانت في منزله الذي أصيب بأضرارٍ كبيرةٍ؛ من تحطيمٍ لنوافذه وسقوطٍ لبعض جدرانه وخلعٍ لأبوابه. وقد أكّد المعنيّون في حزب الله “ألّا تخافوا، فكلّ شيء علينا، وما عليكم إلّا أن تقوموا أنتم بالإصلاحات الكاملة مع تسجيل فواتير ماليّةٍ بذلك ونحن نعيد إليكم كلّ المصاريف مباشرةً، وحتّى اليوم لم نرَ منهم ليرةً واحدةً، وردّهم دائمًا أنّهم لن يضيّعوا حقّ أحد.”
يضيف محمّد لِـ “مناطق نت” أنّه استدان مبلغًا من المال لصيانة منزله متّكلًا على وعود الحزبيّين، لكنّه وقع في مصيبةٍ أخرى كما يعبّر. “فمبلغ الثلاثة آلاف دولار جبل على ظهري وحقّ لا يمكنني إنكاره. وأنا وعدت الدائن بإعادة أمواله في خلّال أيام. ويبدو أنّ الدفع من “الإخوة” مؤجّل حتّى إشعارٍ آخر.”
لم أستطع إصلاح الزجاج
ويشير علي (اسم مستعار) من بلدة شمسطار ويملك متجرًا في البلدة إلى أنّه، وعلى الرغم من مُضيّ شهرٍ على الحرب، لم يستطع شراء زجاجٍ لمحلّه المحطّم. “فمسؤول الحزب قال لنا صلحوا عحسابكن وبعدين نحن مندفعلكن مصاري. أنا مش قادر اشتري زجاج بـ500 دولار. لإنّني بالكاد بطلّع مصروفي اليوميّ من المحل”.
ويضيف لِـ “مناطق نت”: “لا أستطيع إبقاء محلّي مفتوحًا على الهواء والبرد والمطر، والدفع يبدو بعيدًا، وقدرتي على الإصلاح معدومة، فكيف يمكن أن يكون الحلّ، على الرغم من المطالبات اليوميّة للحزبيّين في البلدة؟
يشكك علي بوعود التعويضات ويعتبرها تأميلًا وهميًّا للناس. ويختم متسائلًا: “هل هكذا يكافأ الناس الذين صبروا؟”.
اختربت بيوتنا مرّتين
ويقول حسن (اسم مستعار) من بلدة طاريّا إنّ خسائره بالحرب كبيرة إذ دُمّرت خيمته التجاربّة التي كانت مصدر رزقه الوحيد، ولم يبقَ منها أثر، وكلفة إعادة بنائها تتجاوز الـ 10 آلاف دولار، “في وقتٍ لا وجود لدولارٍ واحدٍ خصوصًا وأنّنا كنّا نازحين وجيوبنا فارغة.”
ويشير لـ “مناطق نت” إلى أنّ “الحزب طلب إلينا تخمين قيمة الخسائر ورفع فاتورة بذلك”. يتابع “بيوتنا اختربت مرّتين، مرّة بالنزوح والذلّ، ومرّة هلّق بالمصايب يلّي نتجت عن الحرب”. ويضيف إنّ الخسائر التجاريّة تتفاقم يومًا بعد يومٍ، “فالتوقّف عن عملي في الخيمة منذ ثلاثة أشهرٍ والحبل عالجرّار تزيد من خسارتي اليوميّة، وتضاعف ديوني بشكل مستمرّ، والأمل بدفع التعويضات يتلاشى، لأنّ الوعود بحسب آخر جواب لنا من مسؤولي الحزب إنّو “إن شاء الله بعد شهرٍ”، وهذا يطرح علامات استفهام.”
علي: لا أستطيع إبقاء محلّي مفتوحًا على الهواء والبرد والمطر، والدفع يبدو بعيدًا، وقدرتي على الإصلاح معدومة، فكيف يمكن أن يكون الحلّ، على الرغم من المطالبات اليوميّة للحزبيّين في البلدة؟
نتواصل معكم
وأكثر ما “قهر” فؤاد (اسم مستعار) من بلدة علي النهري عندما تواصل مع “الإخوة” المعنيّين بملفّ التعويضات عن الحرب هو جوابهم له بعبارة “منتواصل معكن.” “من كلامهم أدركت أنّ هناك علامات استفهام حول التعويض عن كلفة إصلاحات بيتي، الذي تضرّر كثيرًا، ولم أتمكّن حتّى اليوم من إصلاح أيّ جزءٍ فيه ونحن في عزّ الشتاء والبرد”.
ويضيف لِـ “مناطق نت” أنّ الوعود أثناء الحرب كانت حتميّة “بس إنتو صبروا وصمدوا. نحن صمدنا وصبرنا فكنا كمثل من قال: ما بعد الضيق إلّا الخنيق الذي نحن فيه الآن.”
ويرى فؤاد أنّ الذي يده في النار ليس كمن يده في الماء. “نحن حقيقةً في مأساة ومن لم يصدّق فليأتِ إلينا ويرى بأمّ العين. والقضية لم تعد تُحلّ بكلمة طوّل بالك أو اصبر علينا، بل القضيّة إنسانيّة بالكامل ولا تنتهي إلّا بمعالجتها.”
مصادر متابعة
من جهته يؤكّد مصدر متابع لملف التعويضات في “حزب الله” أنّ الأموال المخصّصة للتعويضات مؤمّنة ولا داعي للقلق، مشيرًا في حديث لـ “مناطق نت” إلى أنّ “الحزب وضع خطةً على مراحل للتعويضات وبحسب الأولويّات بدءًا من الأضرار الكلّيّة إلى الخسائر الجزئيّة والتجاريّة والمحتويات المنزليّة”. ويضيف “نحن حاليًّا في مرحلة دفع التعويضات الكلّيّة من خلال بدل الإيواء على أن يكون التعويض عن المنزل المدمّر في المرحلة المقبلة”.
ويتابع المصدر أنّ “اللجان الماسحة للأضرار على الأرض، تعمل كخليّة نحلٍ مع توصيات من القيادة بأن يكون رضى المتضرّر هو الأساس في التخمينات للخسائر، وإن كان بعضها من الأضرار غير المباشرة. ويطلب من المتضرّرين مراجعة الروابط الموجودين في كلّ بلدة عند مواجهة أيّ مشكلةٍ أو استفسارٍ وهم في خدمتهم”.
ويؤكّد أنّ “البدء في دفع الأموال للمتضرّرين، من خلال كلّ ما أنجزوه بأنفسهم عبر فواتير ماليّة أو من خلال لجان الكشف الحزبيّة، سيبدأ من الأسبوع المقبل، وأنّ التأخير يعود إلى الضغوط الكبيرة على المسؤولين، بسبب حجم الدمار والأضرار في كلّ مناطق لبنان”.
وفي ما خصّ “منصّة صامدون” يشير المصدر إلى أنّ “الجميع سيصلهم التقديمات، وما حصل من عشوائيّةٍ في التوزيع، في المرحلة السابقة، كان لأسبابٍ لوجستيّةٍ وليس لمحسوبيّاتٍ واستنسابيّة”.
ويختم المصدر عينه بطمأنة أبناء المنطقة من أن “حزب الله” سيقدّم لهم ما أسماها “هديةً عبارة عن بدل مادة المازوت الضرورية لفصل الشتاء وذلك في الأيام القليلة المقبلة”.