تقديمات حزب الله الاجتماعية.. سلاح انتخابي دائم بوجه الخصوم
“أوفر بين 30 و40 بالمئة من أسعار السلع التي تؤمنها لي ولعائلتي بطاقة السجاد. فمثلاً بالسكر فقط أوفر قرابة 50 ألف ليرة”، بهذه العبارات تصف ندى العس، وهي أم لأربعة أولاد، مدى أهمية هذه البطاقة بالنسبة لها.
العس التي تعتبر من بيئة حزب الله الحاضنة، ترى أن البطاقة لا تؤثر على المزاج الانتخابي للناس بل تشدد على أن حتى المعارضين استفادوا منها في قرى نفوذ الحزب.
في المقابل، أكدت ناهدة (فضلت عدم الكشف عن اسمها) أن توزيع البطاقات كان انتقائيًا، ومفروزًا على أساس سياسي. وهي يسارية معارضة للحزب، وبالتالي حتى لو حصلت على بطاقة سجاد في موسم الانتخابات فهي لن تنتخبهم لأنها ترى في نواب الحزب نموذجًا عن المنظومة ولم يقدموا أي شيء لإنماء قرى بعلبك.
وبين هذين النموذجين المتناقضين يكشف مصدر بقاعي مطلع على الوسط الاجتماعي لـ”حزب الله” أن الأخير يفرز رواتبًا ومساعدات عينية لما يعرف بعائلات الإمداد (وهم المتعثرين في القرى الشيعية). الأمر الذي يجعل المعركة الانتخابية غير متكافئة من حيث التقديمات بينه وبين خصومه الذين يقتصر اعتراضهم على البرامج السياسية، فيما الحزب يضخ الأموال لجماعته الطائفية على مدى السنوات الأربع التي تسبق كل عملية انتخابية.
البعد التاريخي للنظام الزبائني
الأمثلة الواردة أعلاه تشكل دلالة واضحة على مدى الترابط العضوي بين التقديمات الاجتماعية التي تقدمها الأحزاب المسيطرة في محيطها الاجتماعي، ومدى تأثيرها على عملية اختيار الممثلين في مجلس النواب، بوصفها أموالاً انتخابية مستترة. وبحسب الكاتب والأكاديمي اللبناني وضاح شرارة، فإن المشكلة تكمن في صلب النظام اللبناني الذي لا يعتبر النواب ممثلين سياسيين للجمهور والقواعد، بقدر العلاقة ذات الطابع الولائي الذي جعل من النائب أشبه بمعقب للمعاملات ومُحاصصاً في توزيع المنافع على الجمهور.
حيث ارتكز عمل نائب المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي على تزفيت الطرقات العامة وتمدد إلى تزفيت الطرقات الداخلية، الأمر الذي يأخذنا وفق توصيف الرئيس الراحل فؤاد شهاب إلى أن مهمة النائب الأولى تقوم على توزيع حصص “الجبنة” بالمفهوم التحاصصي على ناخبي الدوائر ووصل أجزاء البلد بعضها بالبعض الآخر.
الأطراف كنموذج متناقض مع الدولة المركزية
لكن وصل أجزاء البلد ببعضها البعض، تعتريه إشكالية ضعف الترابط الوطني على حساب المناطقيات. فالأطراف التي تشكل معظم البلاد من ناحية الأرض والسكان، كان ارتباطها بالجوار أقوى بكثير من ارتباطها بالدولة المركزية. إذ يعطي شرارة مثالاً على منطقة الشريط الحدودي جنوبًا الذي بقي حتى عام 1948 مرتبطاً بقطاعيه الشرقي والغربي بمنطقتي الحولة وطبريا في الشرق، وحيفا ويافا في الغرب. كذلك الأمر بالنسبة لقرى بعلبك الهرمل التي لا تزال حتى اليوم ترتبط دورتها الاقتصادية بالاقتصاد السوري من خلال حمص الملاصقة للهرمل.
شرارة: وصل أجزاء البلد ببعضها البعض، تعتريه إشكالية ضعف الترابط الوطني على حساب المناطقيات. فالأطراف التي تشكل معظم البلاد من ناحية الأرض والسكان، كان ارتباطها بالجوار أقوى بكثير من ارتباطها بالدولة المركزية
حزب الله كنموذج
نجح حزب الله في فهم الذهنية اللبنانية التي تقوم على ارتباطات الخدمات والوساطة في القرى، وأسّس على فكرة أن الموظفين هم العنصر الأساسي في إرساء التمثيل النيابي على شيء من الدوام. وهذا الأمر يعتبره شرارة أنه انتقل إلى “مدينة المهجر التي دخلت في دورة وسطاء الخدمة والمصلحة منذ تأسيس الكيان”، ويؤكد أن “حزب الله أتقن امتلاك ذاكرة مديدة آتية من معرفة قريبة بالناس وتطوع الناس لتعريف الحزب بمشاكلهم ويومياتهم”.
تقسيم العمل بين الحزب وأمل
وفقا لتقسيم العمل بين حزب الله وأمل، فللحزب مصدر موارد مستقل يأتي من إيران، وهو لا يهتم كثيراً لحصته بإدارات الدولة مكتفياً بالتمثيل الشكلي في حين أن “حركة أمل” هي التي تأخذ حصة الشيعة في الإدارات. التقسيم هذا يسمح للحزب التعالي على المحاصصة والوساطة بين الجمهور والإدارة، كون إدارته ذاتية وتمول ذاتياً وهذا التقسيم يسمح له “تمنين” أمل بتركه حصة الإدارة لها فضلًا عن تمنينه لهم بإعطائهم ممثلين في مناطق وجودها به ضعيف كبعلبك- الهرمل وفق ما يراه شرارة.
تماهي المحرومين والمستضعفين
وبالعودة إلى شعار المحرومين الذي حمله الإمام موسى الصدر، يتبين أنها أسست بمكان ما لمصطلح المستضعفين الذي حملته الثورة الخمينية، وهذا يشرح مبرر تفسير سرايا المقاومة اللبنانية التي قامت على فكرة رفع المظلومية وتجعلها رافعة انتخابية للحزب وحلفائه في منطقة مثل صيدا أو مناطق بيروت. ويعطي شرارة مثلاً عن شخصيات من الطائفة السنية يحصلون على مساعدات تموينية عبر بطاقة السجاد كون أحد أقربائهم في فلك الحزب السياسي.
وفي السياق ذاته، يرى شرارة أن مؤسسة ضخمة للحزب كمؤسسة الشهيد التي كانت في منتصف الثمانينيات تشكل 10 % من حجم الميزانية العامة الإيرانية، هي ليست سوى دولة رعاية مصغرة لمنتسبي الحزب ليس فقط أثناء الحياة بل بعد الموت. فهذه الامتيازات التي تلحق عائلات الحزب بعد الموت تشكل كتلة ناخبة لا يمكن لقوى الاعتراض أن تضاهيها في الإمكانيات.
النائب ليس مشرعاً
على الضفة القانونية، تشير أستاذة القانون عزة سليمان، إلى أن اختيار الممثلين لا يتم على أساس انهم مشرعين واجبهم سن القوانين لتنظيم الحقوق، بل الاختيار يكون على أساس فئوي. والفئوية تأتي هنا باستخدام خطابات تاريخية تؤجج مخاوف الناس فضلاً عن الواقع الاقتصادي الصعب الذي برز مؤخرًا. فعلاقة المواطن بالقانون بشكل عام، ليست علاقة متينة لا من حيث كيفية إصدار القانون ولا من ناحية مضمونه ولا من ناحية تطبيقه.
ومن العام تنتقل سليمان إلى الخاص وتقول: “كانت الدولة في بعلبك-الهرمل غائبة بشكل كامل، الأمر الذي غيّب العلاقة الجدلية بين أبناء هذه المنطقة كمواطنين من جهة وبين الدولة من جهة ثانية. وغلّب الإنتماء إلى العصبية العائلية أو العشائرية والمذهبية مؤخراً على الانتماء للدولة.
وفيما تشير سليمان الى أن الفكر الطائفي في بعلبك الهرمل يعتبر حديث الظهور، ترى أن المد الطائفي والمظاهر الدينية في الجنوب كانت سابقة لتلك التي برزت مؤخرًا في البقاع كمظاهر عاشوراء والرايات السوداء وسواها.
فالمحطة المفصلية للتحول الديني في بعلبك الهرمل تزامن مع انتهاء حرب تموز 2006 وما تلاها من إلتفاف شعبي شيعي حول حزب الله. أما المحطة الثانية فتعود لحرب الجرود مع جبهة النصرة وتنظيم داعش عام 2017 التي زادت الانقسام المذهبي في المنطقة والإلتفاف أكثر فأكثر حول حزب الله.
هاتين المحطتين معطوفتين على تعزيز شعارات الخطر الوجودي الذي يلحق بشيعة بعلبك-الهرمل نتيجة وجود الحالات التكفيرية على حدوده راكمت نوع من الضرورة للانتماء إلى الطائفة وحزب الطائفة والشعور بالحاجة للتكتل وفق ما تراه سليمان.
وعليه فإن تعزيز شعور الانتصار استخدم لإذابة القيمة الذاتية للقيم الإنسانية التي كانت موجودة في بعلبك-الهرمل. فلقد نجح حزب الله في هذه المنطقة بربط مفهومي الكرامة والشهامة اللذين يتباهى بهما البقاعيين بوجود الحزب كإطار طائفي علما أنها في عمقهم الوجداني تتماهى بالانتصار على إسرائيل.
وأكثر من ذلك، تعتبر سليمان أن “حزب الله” نجح من خلال مراكز أبحاثه والتغلغل في البيئة الحاضنة بتغيير الوجه الثقافي للناس وتقسيمهم على أساس مقاوم وغير مقاوم.
هذا الأمر لم يقتصر فقط على موسم الانتخابات بل يستخدم طوال الوقت. ما جعل الاختيار في الانتخابات ليس على أساس التشريع ودور الدولة ودور المشرع ومعنى القانون ومعنى الانتخابات التي تتطلب محاسبة الشخص الذي لم ينفذ وعوده السابقة، إنما على أساس الإنتماء لفئة طائفية نجحت في تكريس نفسها كحامية للطائفة.
ضعف خطاب الخصم
يلعب غياب فهم خصوم حزب الله لمزاج منتخبيهم دور أساسي في تقوية حزب الله أيضاً، فالشعارات الانتخابية المستخدمة أشبه بإسقاطات من خارج الكوكب على بيئة طائفية إما تفتقد لوجود الدولة كبعلبك-الهرمل، أو تمجد الزبائنية التي تؤمن لها خدمات أساسية كحركة أمل في الجنوب. فخطاب بناء دولة القانون والحقوق الذي يحمله المعارضين يعتبر هشاً في هذه البيئات وفق ما تراه سليمان. إذ إن مجرد القول للجمهور الشيعي أن “الحزب” يهدد وجود الدولة سيكون رده “إنني أعتاش منه”. وبمعنى آخر إن المناخ الشيعي تحول نحو الفكر القبلي فيما الفكر الحديث يعتبر غير مألوف بالنسبىة إليه. أي أن الفكر الحديث يخاطب الجمهور بأدبيات لا تتماهى معه فيما الحزب يخاطب جمهوره بالأدبيات التي منهجهم عليها خلال العقود الثلاثة الأخيرة والتي أصبحت تتماهى معهم.
سليمان: غياب فهم خصوم حزب الله لمزاج منتخبيهم دور أساسي في تقوية حزب الله أيضاً، فالشعارات الانتخابية المستخدمة أشبه بإسقاطات من خارج الكوكب على بيئة طائفية إما تفتقد لوجود الدولة كبعلبك-الهرمل، أو تمجد الزبائنية التي تؤمن لها خدمات أساسية كحركة أمل في الجنوب
ليس التناقض مع مفهوم الدولة هو المفصل الوحيد الذي يضعف “جماهيرية” خطاب خصوم الحزب. فطرح موضوع ضبط الحدود مع سوريا يشكل “نقزة” لأبناء بعلبك-الهرمل الذين يعتبرون أن الحدود مع سوريا جزء لا يتجزأ من أمنهم الاجتماعي كونهم يجلبون معظم أساسياتهم من هناك. وبالتالي طرح ضبط الحدود يزيد من مخاوفهم ويجعلهم يلتفون أكثر فأكثر حول حزب الله.
استناداً إلى ما تم ذكره سابقاَ، تشدد سليمان على أن تخويف الشيعة من عودة الطبقية ليست عبثية، فالكلام أنكم لولا الحزب أو الثنائي الشيعي ستعودون عمالاً على المرفأ ستجعلهم خاضعين للحزب.
بطاقة السجاد
كل الجماعات تبحث عن التعاضد الإجتماعي فبطاقة السجاد خلقت للناخب الشيعي نوع من التكاتف جعلته يلتف أكثر فأكثر نحو مقدميها أي حزب الله خاصة قي البقاع الذي لا تأتيه مساعدات من مغتربين كما في الجنوب الذي يعج بالإغتراب. فالتعاضد الإجتماعي الناجم عن بطاقة السجاد فعل فعله بقاعا وتمكن من خرق الكتلة الصامتة على قاعدة انهم قدموا لنا مساعدات ملموسة فيما غيرهم يعترض للإعتراض.
إلى ذلك، ترى سليمان أن انتقاد المعارضين للحزب القائم على أن هذا التنظيم يجلب أمواله من الخارج، فإن إبن البيئة الشيعية يرى أن المجتمع المدني يجلب أموالا خارجية أيضا، إلا أن المواطن الشيعي ربما يعتبر أن المال الآتي من “الحزب” يتماهى وثقافته السائدة.
أدلجة أبعد من التقديمات
لا يعتبر الباحث السياسي قاسم قصير أنه بالتقديمات وحدها تحيا صناديق الإقتراع لدى الجمهور الشيعي الممتد من جبل عامل جنوباً إلى بعلبك-الهرمل بقاعاً. ويلفت أنه استناداً لدراسة أجراها معهد أميركي بعيد حرب تموز عام 2006 تمت الإشارة إلى أن الحزب يمتلك عدة عناصر لجذب الجمهور يعتبر الجانب الخدماتي فيها ثانوياً.
فالمقاومة بحسب الدراسة التي يذكرها قصير تأتي في المرتبة الأولى، وهذا الأمر وإن كان على تماس مباشر بأبناء الجنوب الذين كانوا على تماس مباشر بالصراع مع إسرائيل إلا أن عنصر الجذب هذا يمتد أيضًا إلى البيئة الشيعية في قرى بعلبك- الهرمل التي عرفت اصطلاحا بخزان المقاومة وكان أبناؤها أساسيين في العمليات العسكرية في الجنوب. من هنا، فإن العزف على وتر “المقاومة” يبقى ورقة أساسية في صندوق الاقتراع الشيعي.
من العنصر الأول لجذب الجمهور وفق الدراسة آنفة الذكر، ينتقل قصير إلى العنصر الثاني، إذ يقول لـ” مناطق.نت” إن “الشعور بالعزة لدى الجمهور الشيعي الجنوبي والبقاعي يؤدي حتمًا إلى الإلتفاف على خيارات حزب الله السياسية وفقًا للدراسة الأميركية”.
لا يعتبر الباحث السياسي قاسم قصير أنه بالتقديمات وحدها تحيا صناديق الإقتراع لدى الجمهور الشيعي الممتد من جبل عامل جنوباً إلى بعلبك-الهرمل بقاعاً.
تتسلسل عناصر قوة “الحزب”، ليحل في المرتبة الثالثة وفق الدراسة التي يستند إليها قصير عنصر المصداقية التي تقرن الوعود بتنفيذها، على سبيل المثال “الوعد باستقدام المازوت إلى المناطق الجبلية وتنفيذ ذلك بقاعاً، إضافة إلى إعلان حزب الله في بيان الاثنين في 18 نيسان/أبريل، أن “الفرق التابعة لشركة الأمانة للمحروقات باشرت بتوزيع الهبة المجانية من المازوت لآبار المياه التابعة لمؤسسة مياه لبنان الجنوبي في مدينة صيدا وبلدات الجوار، كهبة مقدمة من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله” الذي حلّت الكاريزما التي يتحلى بها في المرتبة الرابعة.
السرد الوارد أعلاه، يصنّف التقديمات الاقتصادية-الاجتماعية في المرتبة الخامسة، بمعنى أن ماكينته الإنتخابية تتكون من كل العناصر السابقة للتقديمات الاجتماعية وفق ما يقوله قصير. أما النقطة الأهم في قوته فتتمثل في ديمومة عمله، حيث أنه يتفرغ للعمل السياسي على مدى السنوات الأربع الممتدة من دورة انتخابية لأُخرى فيما خصوم الحزب في البيئة الشيعية يقتصر عملهم الانتخابي والسياسي على الأشهر القليلة التي تسبق الانتخابات ما يعني أنهم في وضع تنافسي جماهيري غير متوافق مع قوة خصمه أي حزب الله.
العودة للهم المعيشي
وبمعزل عن العناصر الستة التي تجذب جمهور حزب الله، ليس سرا أنه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ عام 2019 يطفو على سطح الجذب الجماهيري عنصر تأمين القوت اليومي للبيئات الاجتماعية ناهيك عن المساعدات العينية التي تعطى لمعظم قاطني مناطق نفوذ الحزب الدائرين في فلك خطه السياسي.
وفي هذا الإطار، يؤكد الباحث الإقتصادي د. محمود جباعي أنه في ظل الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلاد وبظل تقاعس دور الدولة وغياب الإنماء المتوازن لكافة المناطق ناهيك عن وجود مناطق محرومة في البقاع وبعض قرى الجنوب، وجدت الحالات الاجتماعية التي تعاني ظروفاً معيشية صعبة حتى قبل الأزمة الاقتصادية والمالية.
تأثير تقديمات الحزب
والحزب كمكون سياسي لا يمكنه أن يكون بديلاً للدولة، إلا أنه في ظل الأزمة الراهنة وفي ظل محاولة كل حزب في منطقته التخفيف من مشاكل جمهوره المعيشية كرّس حزب الله نفسه كلاعب أوحد على الساحة الشيعية لما يمتلكه من إمكانات مالية ضخمة، إذ يكشف جباعي أن الحزب يقدم في كل قطاع (مدينة وضواحيها) بين الـ25 والـ30 مليار ليرة سنويًا كمساعدات اجتماعية مباشرة من أدوية، استشفاء، مدارس، ومساعدات مادية لسكان مناطق نفوذه من كل الطوائف.
جباعي: الحزب كمكون سياسي لا يمكنه أن يكون بديلاً للدولة، إلا أنه في ظل الأزمة الراهنة وفي ظل محاولة كل حزب في منطقته التخفيف من مشاكل جمهوره المعيشية كرّس حزب الله نفسه كلاعب أوحد على الساحة الشيعية لما يمتلكه من إمكانات مالية ضخمة
الأرقام تتكلم
وفيما يعتبر جباعي أن بطاقة السجاد التي قدمت لكل الناس المحتاجة في مناطق نفوذه، يرى أن استفحال الأزمة المعيشية لم تكن وطأتها على المناطق الشيعية مماثلة لحجمها في مناطق أخرى.
فالحزب الذي يمتلك 100 ألف مقاتل وفق إعلان أمينه العام يمتلك أيضا مروحة واسعة من المتعاقدين الذين يندرجون على دورة متقاضي الرواتب بشكل مباشر. ويعطي جباعي مثالاً آخر على دورة الحزب الافتصادية فيقول: “هناك موظفين في تلفزيون المنار وفي مستشفى الرسول الأعظم والمؤسسات الأخرى التابعة له كالقرض الحسن وسواه، تقدر أعدادهم بحولي 200 ألف موظف يتقاضون رواتبهم بالدولار، تساهم بتحريك العجلة الاقتصادية للبيئة الحاضنة”.
ورواتب الحزب التي تلامس عشرات ملايين الدولارات ليست عنصر القوة الوحيد بالنسبة لجباعي، إذ يرى أن تقديمات الحزب هذه لا يمكن وضعها تحت عنوان المال الانتخابي. فالحزب بحسب جباعي “يضمن بين 350 ألف و400 ألف صوت تابعين بشكل مباشر للحزب بمعزل عن حلفائه وبالتالي فهو ليس بحاجة لتقديم رشى انتخابية”.
تقديمات دون جدوى في الاقتصاد الكلي
وبمعزل عن قوة حزب الله داخل بيئته والدور الذي تساهم فيه تقديماته بجذب جمهور بيئته ضمن الطائفة الشيعية، يؤكد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أن “حزب الله” يمكن اعتباره من الأحزاب الوحيدة الذي ليس بحاجة لضخ مال انتخابي من أجل جذب المقترعين كونه يمتلك من محازبيه المنتظمين بصفوفه ما يكفي لتحقيق الحواصل الانتخابية للمرشحين الشيعة.
لكن قوة الحزب وتقديماته للأساسيات التموينية من خلال بطاقة السجاد ليس لها أي تأثير يذكر على الدورة الاقتصادية في البلاد، وفق ما يؤكد أبو سليمان، والدليل “استمرار انهيار قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار رغم كل التقديمات التي يقوم بها حزب الله وغيره من الأحزاب. حيث أن سعر صرف العملة الوطنية يبقى وحده المرآة الأساسية لحجم الاقتصاد وليس أي شيء آخر”.
استنادا إلى كل ما تقدم، يتبين أن الطرح المعارض لا يرتقي إلى مستوى التاكافؤ التكتيكي في التصويب السياسي على الحزب فالحزب الذي يعرف اللعب على تناقضات بيئته، يواجهه خصوم لا يمتلكون الأدوات لا المادية ولا الدينية وبالتالي فإن التغلب على الحزب في البيئة الشيعية يتطلب من معارضيه تغيير أدوات المواجهة وإلا ستبقى العملية الاعتراضية شكلية دون خروقات تذكر.