تمكين المرأة في الجنوب.. مبادرات نسائية لافتة ومميّزة
كتبت كاتي مروة على صفحة المقهى الذي تملكه وتديره على الفايسبوك: “مقهى Katy (أم علي) في ساحة الزراريّة، يتميّز بديكوراته الداخليّة المميّزة التي تشبه المقاهي الباريسيّة أو الإيطاليّة الكلاسيكيّة، ويتميّز بالذوق الرفيع وجمع الحداثة والتراث. يقدّم المقهى مجموعة متنوّعة من المشروبات الساخنة والباردة اللذيذة، بالإضافة إلى استقباله المميز”.
تصميم المقهى كان مصدر إلهام لأصحاب المقاهي التقليديّة الموجودة في البلدة. وكون صاحبة المقهى إمرأة، مثّل ذلك تحدّياً حقيقيّاً خصوصاً في منطقة لا يزال يغلب عليها الطابع القرويّ. من هنا ظهر الهدف على تشجيع النساء والفتيات على القدوم ومزاولة نشاطاتهنّ المختلفة داخل البلدة “الضيعة”، وكسر نمطيّة أنّ المقاهي حكراً على المدن فقط.
تقول مروّة: “يأتي الناس لقراءة كتاب، وهو من ضمن المشروع الثقافيّ للمقهى الذي نسعى لتثبيته، أو العمل على الحاسوب أو شرب النرجيلة”. تضيف: “يبدو أنّ الجيل الجديد من الفتيات أكثر إقدامًا وشجاعة على القدوم إلى المقهى من الجيل الأكبر سنّاً”.
نساء الجنوب.. مبادرات متنوعة
لم تستطع الأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة وسواها من ثني النساء في الجنوب عن المضيّ بمبادراتهنّ المتنوّعة، والتي تندرج جميعها تحت عنوان أساسيّ هو “تمكين المرأة”. اللّافت في الأمر أنّ معظم هذه المبادرات فرديّة ولا تتلقّى أيّ دعم، سواء كان هذا الدعم رسميّاً أو “سياسيّاً” أو “تمويليّاً”، والأخير تكثر مشاريعه في هذه الأيام، من خلال العديد من البرامج والأنشطة، والتي تنتشر كالفطر في مختلف المناطق.
تصميم المقهى كان مصدر إلهام لأصحاب المقاهي التقليديّة الموجودة في البلدة. وكون صاحبة المقهى إمرأة، مثّل ذلك تحدّياً حقيقيّاً خصوصاً في منطقة لا يزال يغلب عليها الطابع القرويّ.
لقد أثبتت هذه المبادرات الفرديّة حضورها وفعاليّتها في مواجهة الأزمات وَلَيّ عنقها، وفي تغيير الواقع الّذي يحتاج، حتمًا، إلى جهود مضاعفة عمّا تبذلنه هؤلاء النسوة من أجل تغييره.
فرصة امرأة.. العمل حقّ للنساء
بدأت نور فقيه بعد تخرّجها من الجامعة مشروعها تحت عنوان “فرص عمل للفتيات”، إذ كانت مهتمّة بإعلانات الوظائف، فعملت على تأسيس مجموعات “واتس آبّ”، ثمّ راحت ترسل من خلالها إعلانات وظائف إلى صديقاتها ومعارفها من النساء المهتمّات.
مع الوقت وسّعت نور دائرة عملها، فصار عنوان المجموعة “فرصة امرأة”، حتّى أصبح لديها 14 مجموعة، كلّ واحدة تضمّ أكثر من مائتي شخص. بعد ذلك طوّرت نور مشروع إعلانات الوظائف ليشمل المنح التعليميّة، والتدريبات المهنيّة، وتطوير المهارات وغيرها. لاحقًا استهدف المشروع المؤسّسات التي تبحث عن موظّفين وتحتاج إلى الإعلان عن ذلك، وأيضاً الترويج للمشاريع الصغيرة التي تقوم بها النساء، وذلك مقابل بدلات رمزيّة بهدف دعم واستمراريّة المشروع، كونه مبادرة فرديّة مجّانيّة.
من ضمن خطة المشروع تقديم تدريبات، حيث يجهد لتغطية احتياجات الباحثات عن عمل، أو تدريب عمليّ من خلال البحث عبر وسائل التواصل عن دورات مجّانيّة، أو دورات تحتاج إلى دعاية.
التحقت أمل سلامة في المبادرة، وصارت مسؤولة في الهيئة الإداريّة لـ “فرصة امرأة”. عن المعرض الذي نظّمته المبادرة، تحت عنوان “معرض فرصة امرأة، الحرفيّ التسويقيّ الثقافيّ”، والذي أقيم لمدة ثلاثة أيام في خلال شهر حزيران المنصرم، في قاعة “مركز كامل يوسف جابر الثقافيّ” في النبطية، انطلاقًا من مساعي تطوير فكرة المشروع. تشرح أمل سلامة لـ “مناطق نت” أنّ فكرة المعرض “انطلقت من مبدأ تمكين المرأة عبر تأمين فرص عمل لها، والهدف من ذلك أن تحصل على اكتفائها الذاتيّ حتّى تستطيع قيادة مسيرتها، وأيضاً تحصين اللواتي تتعرّضن للعنف ومواجهته”.
مشاريع وتحديات
في تقييمها للفترة المنصرمة، تقول سلامة: “كانت جيّدة وناجحة، خصوصاً مشروع المعرض الذي تهافتت عليه النساء من مناطق مختلفة”. مؤكّدة “أنّ الجهود كانت فرديّة لجهة التنسيق مع الجمعّيات التي تعمل في مجال الحِرَف، وتأمين مكان المعرض، وأيضاً التنوّع الذي شهده هذا المعرض، حيث كان يضمّ أقساماً عديدة، من الحرفيّات حتّى الإستشارات الطبّيّة والنفسيّة”.
عن أبرز المعوّقات الّتي واجهتهنّ، تقول سلامة: “إنّها معوّقات لوجستيّة تتعلّق بكلفة المواصلات وتأمين سكن للقادمات من مناطق بعيدة”. عن التخطيط للمستقبل، تشير سلامة إلى “أنّ لدينا ملفّاً جديداً، وهو دعم المشاريع الصغيرة، من خلال الإستفادة من عائدات المعرض، والإضاءة على نجاحات النساء”.
وتختم سلامة: “في ظلّ عدم وجود حراك نسائيّ واضح، نحاول في “فرصة امرأة” التوعية بطريقة إيجابيّة وليس عن طريق الثورة، أو تحدّي الرجل، فنحن نؤمن بالتكامل الأسريّ، ولكنّنا مع المرأة في مواجهة الظلم. نحن نفهم البيئة التي نعمل ضمنها، وثقافتها وخلفيّاتها، لذلك نكرّس مبدأ الحوار”.
“أيلول” المؤونة البيتيّة
“المؤونة وإعدادها هي من العادات المتجذّرة في تراثنا، واجب علينا الحفاظ عليها، وهي مرتبطة بالعلاقة مع الأرض في الجنوب، حيث لذلك ثقافة خاصّة، تشهد عليها الحكايا والمواويل الشعبيّة المتداولة وتتناقلها الأجيال”. تقول كاتي مروّة التي تدير أيضاً مقهىً في ساحة الزرارية لـ”مناطق نت”.
انطلاًقا من مبدأ ربط الثقافة بالتراث، تبلورت فكرة تأسيس “أيلول”، وهي جمعيّة لا تزال تعمل على تحصيل العلم والخبر. حيث لمست إبنة الزراريّة الجنوبيّة كاتي مروّة، حاجة النساء اللواتي يعملن في المؤونة والتصنيع الغذائيّ على مستوى الجوار، إلى منصّة لتسويق المنتجات، فكانت الفكرة شراء المواد الأوّليّة المتوافرة، وإعادة تصنيعها وتسويقها.
إعداد المؤونة هو من العادات المتجذّرة في القرى والبلدات، وما يُميّز “أيلول” أنّها نظّمت وسوّقت لتلك المؤونة المُعدّة بيتيّاً ضمن معايير تميّزها وتقدّمها بشكل منظّم، مع مراعاة مسألتين: الأولى تعتمد مبدأ الحفاظ على جودة المنتجات والإبتعاد عن المواد الكيماويّة والصبغات وموادّ التلوين والبلاستيك والنايلون. والثانية تتعلّق بالناحية الجماليّة حيث الاعتماد على العبوات الزجاجيّة والقماش، كمادتّين للتوضيب، كونهما صديقتين للبيئة.
عن المشاريع المستقبليّة تقول مروّة: “نعمل على تجديد المشروع، والبدء بتحضير الفاكهة المجفّفة والتنويع في إعداد المربّيات، مثل مربّى الحامض والليمون، حيث الحمضيّات الموجودة بكثرة في المنطقة لا يُستفاد منها بشكل مباشر”.
ترى مروّة “أنّ الفائدة من هكذا مشاريع هو تكريس استقلاليّة المرأة من الناحية المادّيّة، عبر إشراكها في سوق العمل، الأمر الذي يساهم في تحسين مستوى حياتها. إضافة إلى الدور الّذي تلعبه هذه المشاريع في تشجيع النساء حين يتلمّسن النجاح في عملهنّ والتسويق السهل المريح إلى حدّ ما، فيبدأن بالخروج من التقليديّة والعمل بطرق أكثر تطوّرًا”.
تشير مروّة إلى “أنّ كثيرات تَشجّعنَ للخوض في مشروع المُؤْنة، وتحديداً في خلال مرحلة الحجر الصحّيّ، فقد نشطت “أيلول” في تقديم المعونة للسيّدات الراغبات في تعلّم بعض الحرف اليدويّة، كصناعة الصابون وحياكة الصوف والكروشّيه”، وكانت مروّة تؤمّن لهنّ الصوف والصنّارة والعدّة التي يحتجنها.
جهود فردية بامتياز
لم تتلقَّ “أيلول” دعمًا مادّيًّا من أيّة جهة، فالجهود بحسب مروّة فرديّة بامتياز، وقد ساهم المحيط المتعاون والداعم في استمراريّتها. وإذ تؤكّد مروّة وجود حراك نسائيّ فاعل في الجنوب، “لكنّه بطيء لأسباب اجتماعيّة واقتصاديّة”. تشير إلى توافر “حماسة المرأة لتكون مستقلّة ومتواجدة في سوق العمل”.
ترى مروّة “أنّ الفائدة من هكذا مشاريع هو تكريس استقلاليّة المرأة من الناحية المادّيّة، عبر إشراكها في سوق العمل، الأمر الذي يساهم في تحسين مستوى حياتها
عن هدف المشروع تقول مروة: “نطمح أن يعي الناس أهمّيّة العمل التعاونيّ التشاركيّ وخصوصاً لدى النساء، فهناك مخاوف لدى بعضهنّ من مفهوم العمل التعاونيّ، ويفضّلن العمل الفرديّ لما يدرّ من ربح أكبر وفق ظنّهنّ، وهذا أمر مفهوم، وهو بدوره ينعكس على النضال النسويّ ككلّ في المنطقة، والذي يأخذ طابعًا فرديًّا أكثر منه تشاركيًّا”.
تتابع مروّة عن التحدّيات فتقول: “يواجه مشروع المؤونة العديد من التحدّيات، أبرزها المؤونة المصنّعة التجاريّة، والتي تنافس الطبيعيّة في الأسعار، وهذا يضعنا أمام سوق استهلاكيّة تفضّل الأرخص، بغضّ النظر عن الجودة، في ظلّ الكلفة التي تتطلّبها المؤونة البيتيّة، لجهة غلاء الموادّ الأوّليّة الطبيعيّة وكلفة التصنيع، وهذا يقف عقبة أمامنا لناحية قدرتنا على المنافسة على مستوى الأسعار. إضافة إلى الإساءة للمؤونة البيتيّة، وهنا تكمن أهمّيّة العمل التعاونيّ الذي يشكّل ضمانة للمستهلك”.
رلى فرحات.. الصّحة النفسيّة للجميع
كان الطموح والشغف لتحصيل العلوم والمعرفة في حقل علم النفس، دافعًا لـرُلى فرحات، وهي أمّ لخمسة أطفال، لكي تتوجّه نحو دراسة اختصاص علم النفس في الجامعة اللبنانيّة- صيدا. التقت رؤيتها مع رؤية بعض الزملاء الشغوفين بالإختصاص، فطرحت عليهم فكرة تأسيس نادٍ لتقديم التوعية المجتمعيّة حول أهمّيّة علم النفس، وممارسة الإرشاد والتوجيه، وتزويد من يقصد العلاج النفسيّ بأرقام وسبل للتواصل مع المعالجين الثقة، فكان “مركز علم النفس للنخبة” الّذي افتتحته فرحات، مرادفًا مع عبارة “جودة حياة تستحقّ أن تُعاش”.
انطلقت المبادرة في العام 2021 في خلال مرحلة الحجر الصحّيّ وانتشار وباء كورونا. وكانت الانطلاقة بتحضير ندوات إرشاديّة لطلاب علم النفس عن بُعد.
شيئاً فشيئاً استقطب المركز أساتذة جامعيّين من مختلف الإختصاصات، من داخل لبنان ومن خارجه، حيث باشروا بتقديم مقاطع فيديو توعويّة عبر صفحة المركز، على مواقع التواصل الإجتماعي، ضمن إطار التوعية المجتمعيّة في مجال الصحّة النفسيّة وتصحيح المفاهيم النمطيّة حول بعض الموضوعات الشائكة.
تقول فرحات لـ “مناطق نت”: “رسالتنا هي أنّ المرض النفسيّ ليس عارًا، ومعالجته تكمن بكسر حاجز الصمت والتحدّث. لذلك نحن نشجّع أفراد المجتمع صغارًا وكبارًا على الكلام والبوح عمّا يعصر قلوبهم ويضغط على حياتهم، وكذلك نقف لمساندة المرأة بشكل أساسيّ في ظلّ الظروف الاقتصاديّة والسياسيّة وانعكاساتها عليها، وعلى أفراد أسرتها، وذلك من خلال حلقات الدعم والتوعية، حتّى تستطيع أخذ القرار المناسب بنفسها”.
فرحات: المرض النفسيّ ليس عارًا، ومعالجته تكمن بكسر حاجز الصمت والتحدّث. لذلك نحن نشجّع أفراد المجتمع صغارًا وكبارًا على الكلام والبوح عمّا يعصر قلوبهم ويضغط على حياتهم
تشرح فرحات عن النشاطات والندوات فتقول: “إنّها من تنسيق وإعداد الطلّاب، وهي مجّانيّة لا تبغي الربح”. وتشير إلى “أنّ المشروع ينطلق من الفئة الأكثر ضعفًا، وهم طلّاب الجامعة اللبنانيّة، الذين يعانون ظروفًا صعبة، خصوصاً الطلّاب القادمون من مناطق بعيدة وينتمون إلى فئات محدودة الدخل. لذلك يسعى مشروع “مركز علم نفس النخبة” للعمل على تأمين الأقساط والمقرّرات الدراسيّة والكتب، للطلّاب الذين لا قدرة لهم على تأمينها”.
وتضيف فرحات: “نحن نعرف العشرات من الطلّاب، ولربّما المئات، من الذين لم يتمكّنوا من الذهاب إلى الجامعة لتقديم امتحاناتهم، لو لم يتلقّوا مساعدة، لناحية تأمين أجرة الطريق وثمن الكتب وقسط الجامعة”. تتابع: “إنّ طالب الجامعة اللبنانيّة يناضل ليحصّل علمه، ويكافح ليبقى موازناً بين علمه وعمله، لأنّه إن لم يعمل لن يستطيع الإستمرار في ظلّ غياب الدولة عن كلّ شيء”.
أهداف مستقبليّة
حاليًّا، يطمح المركز إلى تحصيل العلم والخبر في محلّة القنيطرة، قضاء صيدا، كمكان وسطيّ يجمع أعضاء المبادرة. وعن المخاوف والتحدّيات تؤكّد فرحات “أنّ هناك تحدّيات كثيرة ومخاوف أكبر، خصوصاً من الوضع الأمنيّ حيث تمّ إلغاء أكثر من لقاء حضوريّ ونشاط بسبب الأوضاع الأمنيّة والاقتصاديّة”.
تطمح فرحات وفريق المبادرة إلى الهدف الأبعد، وهو تأسيس مركز تدريب يكون في خدمة طلاب قسم علم النفس، بحيث تفتقد الجامعة اللبنانيّة وجود هكذا مركز، برغم الحاجة الملحّة إليه. كذلك تطمح ورفاقها إلى إنشاء مراكز أبحاث لتكون مرجعيّة في الشأن النفسيّ من خلال إنشاء “داتا” لجمع البيانات، إضافة إلى إنشاء قسم العلاج النفسيّ والإختبارات والمقاييس.
تختم فرحات: “نسعى بكلّ طاقاتنا لنصل إلى كلّ فرد في لبنان وفي الوطن العربيّ لنشر الثقافة ولتعزيز الثقة بالنفس وتقدير الذات، ولكي ننشر الوعي في الشأن الاجتماعيّ والتربويّ والنفسيّ”.
إشارة إلى أنّه من ضمن بنود النظام العام للهيئة التأسيسيّة في المركز هو رفض الإنتماء السياسيّ والحزبيّ. وبحسب فرحات، “يرفض المركز النقاش السياسيّ أو الدينيّ”.