تنقيح القوائم الانتخابيّة يمنع التزوير واقتراع الموتى

قبل أقلّ من شهرين من حلول موعد إجراء الانتخابات البلديّة والاختياريّة في أيّار (مايو) المقبل، بدأت تتكشّف التحدّيات التي تواجه هذا الاستحقاق، ليس فقط على صعيد القدرة على إتمامه بعد تأجيله ثلاث مرّات متتالية، وإنّما بما يتعلّق بضمان صحّة الانتخابات في ظلّ الأوضاع التي مرّت بها البلاد عمومًا، والقرى الحدوديّة التي باتت مدمّرة بشكل شبه كامل، ولم يتمكّن أهلها من العودة إليها.

ومن أبرز العقبات التي تواجه العمليّة الانتخابيّة في تلك القرى والبلدات، التي لم يعد فيها أيّ بناء أو منزل إلّا ودمّره الاحتلال الإسرائيليّ، هي أنّ أبناءها ما زالوا مهجّرين في مناطق وقرى مختلفة وبعيدة بعضها من بعض، وهذا ما يُصعّب عمليّة التواصل في ما بينهم، وطرح البرامج الانتخابيّة التي ينبغي أن يختار الناخبون مرشحيهم على أساسها.

عدم تنقيح القوائم

على الرغم من ذلك، تبقى أولى التحدّيات بصحّة القوائم الانتخابيّة في هذه القرى الحدوديّة، فالمدّة الفاصلة بين انتهاء الحرب في الـ 27 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي- وما خلّفته من ضحايا وشهداء ومصابين- وموعد الانتخابات المرتقبة، ربّما تجعل من عمليّة تصحيح القوائم الانتخابيّة أمرًا مشكوكًا فيه.

من المؤتمر الصحافي لـ LADE أثناء عرضها التقرير الاول لمراقبة الانتخابات البلدية والاختيارية التي أجريت العام 2016-

وفي هذا الصدد، يُشير وزير الداخليّة والبلديّات الأسبق زياد بارود، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “القوائم الانتخابيّة تُرسل آخر السنة ويبدأ تصحيحها في شهريّ شباط وآذار، على أن تُجمّد كلّيًّا في الـ 31 من آذار (مارس)، ومن ثمّ تجري الانتخابات وفق هذه القوائم المجمّدة، والخوف يكمن في أنّه بفعل العدوان واستشهاد عدد كبير من المواطنين ومنهم مختارون وأصحاب علاقة، لم يتمكنوا من إجراء تنقيح هذه القوائم”.

ويلفت بارود إلى أنّ “عدم تنقيح القوائم شيء واستغلال القوائم غير المُنقّحة شيء آخر، فالإشكاليّة تقع إذا قام أحد باستغلال قوائم غير منقّحة والتزوير من خلال الاقتراع بأسماء أشخاص استشهدوا. بمعنى آخر، فإنّ عدم تنقيح اللوائح يُسهّل عمليّة التزوير ونطاقها”.

ويوضح بارود أنّ “الوقت لإجراء التنقيح لم يعد متاحًا، فضلًا عن أنّ تمديد مهلة التنقيح أمر غير ممكن إذ إنّه يحتاج إلى تشريع من مجلس النوّاب وليس إلى قرار من قبل وزير الداخليّة”. مضيفًا أن “ما يزيد من صعوبة الأمر أن البلدات الحدوديّة ما زالت مدمّرة، فضلًا عن بلدات وقرى استشهد فيها المختارون أو أنّهم يقطنون في مناطق أخرى، وبالتالي فإنّ تواصل أبناء البلدة مع المختارين قد لا يكون أولويّة بالنسبة إليهم”.

ضحايا العدوان لم يشطبوا

هذا القلق ينسحب على مختار بلدة الطيبة، محمّد علي نحلة، الذي أشار في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “جميع المواطنين الذين استشهدوا خلال الحرب قام ذووهم باستصدار وثائق وفاة لهم، ما يعني أنّه جرى شطب الأسماء من دوائر النفوس”، مضيفًا: “لكن أعتقد أنّ الوقت لم يكن متاحًا لشطبهم من لوائح الشطب، إذ إنّ ذلك يتطلّب إجراءات روتينيّة تستغرق وقتًا طويلًا”. وأعطى نحلة مثالًا على ذلك فقال “عندما يتوفّى أحد أبناء البلدة في بلاد الاغتراب، يستغرّق وصول البريد من البلد الذي توفّي فيه إلى وزارة الداخليّة نحو شهر، ومن ثمّ يحتاج كي ينتقل من وزارة الداخليّة إلى دوائر النفوس إلى نحو ثلاثة أشهر . فكيف يمكن أن يكون الوضع أمام هذا العدد الهائل من الشهداء؟”.

نحلة: الذين استشهدوا خلال الحرب قام ذووهم باستصدار وثائق وفاة لهم، ما يعني أنّه جرى شطب الأسماء من دوائر النفوس، لكن أعتقد أنّ الوقت لم يكن متاحًا لشطبهم من لوائح الشطب

ويلفت نحلة إلى أنّه “جرى إرسال لوائح الشطب إلى أبناء البلدة للتأكّد من صحّة الأسماء عبر مجموعات “الواتس آب”، ولكن لم نجد اهتمامًا من الأهالي بذلك، فمن الصعب إيجاد أيّ شخص مهتمّ بمعرفة ورود اسمه على لوائح الشطب أو عدمه، في ظلّ الأوضاع الحاليّة، فضلًا عن أنّ كثيرين من المواطنين فقدوا هويّاتهم ولم يتمكّنوا من الاستحصال على هويّة من جديد لغاية الآن”. ويؤكّد نحلة أنّ “المواطنين ليس لديهم ترف التفكير بالانتخابات في الوقت الحالي بل لديهم هموم أكبر”.

غياب الحملات الانتخابيّة

وأمام مشاهد القرى الحدوديّة، يبرز تحدّ آخر مرتبط بالقدرة على إجراء حملات انتخابيّة للأشخاص الراغبين في الترشّح سواء إلى عضوية المجالس البلديّة أو رئاستها أو إلى مركز مختار. في هذا الصدد، يوضح بارود “أنّنا أمام إشكاليّة حقيقيّة تكمن في صحّة الحملات الانتخابيّة إذ يصعب على المرشّح التواصل مع الناخبين في ظلّ التهجير المستمرّ، فأهالي هذه البلدات منتشرون في قرى وبلدات أخرى، وبالتالي فهي ليست حملات انتخابيّة بالمعنى الصحيح”.

وهذا ما يؤكّده نحلة فيوضح أنّه “على الصعيد الشخصيّ أشعر بالخجل من الترشّح، فليس بالأمر السهل أن أدعو المواطنين إلى انتخابي في حين أنّهم يعانون من الأوضاع الحاليّة وفقدان منازلهم”.

أمام مشاهد القرى الحدوديّة، يبرز تحدّ آخر مرتبط بالقدرة على إجراء حملات انتخابيّة للأشخاص الراغبين في الترشّح سواء إلى عضوية المجالس البلديّة أو رئاستها أو إلى مركز مختار

يتقاطع هذا القلق وهذه المحاذير مع رأي رئيس بلديّة الناقورة، عبّاس عواضة، الذي يُشير في حديث لـ “مناطق نت” إلى أنّه “يصعب على المجلس البلديّ القادم وضع برنامج انتخابيّ، فالبلديّات تمرّ بمرحلة صعبة على الصعيد الماليّ، فيكفي أن نقول إنّ موازنتنا لا تتخطّى الـ 4000 دولار سنويًّا”.

ما قاله عواضة يُسلّط الضوء على موضوع العجز المالي الذي تُعاني منه البلديّات. فمنذ الأزمة المالية التي بدأت في العام 2019 باتت البلديّات تترنح تحت وطأة تراجع الإيرادات وقيمة الليرة الالبنانيّة من جهة، والعجز عن القيام بالحد الأدنى من المهام والمشاريع الإنمائية المناطة بها من جهة ثانية. والعجز لم يطال القيام بالمشاريع فقط، بل انسحب ليطال تأمين الرواتب والأجور للعاملين لديها. فهناك قلّة من البلديّات ما زالت قادرة على تقديم الخدمات الضرورية بحدّها الأدنى، وأقلّها رفع النفايات من الأحياء والشوارع، وكل ذلك يجعل من طرح البرامج الانتخابيّة مُجرّد وعود يستحيل تنفيذها، ولا شك أن هذه المشكلة تتفاقم في البلدات الحدوديّة.

مقر البلديّة “كونتينر”

يوضح عواضة أنّ “ما نقوم به في الوقت الحاليّ هو محاولة استعادة الحياة في البلدة، وتشجيع المواطنين على العودة، وكلّ ذلك يعتمد بشكل كلّيّ على مساعدات المغتربين”، مضيفًا “أمام هذا الواقع، أجد صعوبة في تقديم وعود انتخابيّة لأهالي البلدة، فحتّى مبنى البلديّة بات شبه مدمّر ولذا وضَعنا (كونتنيرًا) جاهزًا، وطلبنا من الموظّفين الحضور من التاسعة صباحًا ولغاية الواحدة بعد الظهر في محاولة لتشجيع المواطنين على العودة”. ويلفت إلى أنّه “في حال أجريت الانتخابات، ينبغي أن تُنظّم داخل بلدات المنطقة الحدوديّة وليس في مراكز اقتراع خارجها كنوع من الصمود أمام العدوان الإسرائيليّ”.

“كونتينر” بلدية الناقورة

ويقول عواضة “على الصعيد الشخصيّ كرئيس بلديّة أؤيّد إجراء الانتخابات اليوم قبل الغد، ولكن الظروف العامّة في الوقت الراهن ربّما لا تسمح بإجرائها في ظلّ هذا الدمار الهائل وعدم عودة المواطنين بعد إلى قراهم، خصوصًا أنّ الحرب أسفرت عن تدمير 90 في المئة من مباني البلدة، وثمّة غياب تامّ لمقوّمات الحياة، فضلًا عن البنى التحتيّة المدمّرة”، مشيرًا إلى أنّ “كلّ ذلك أدّى إلى غياب أيّ حديث انتخابيّ في البلدة إذ إنّ هموم المواطنين في مكان آخر”.

هل تتأجّل الانتخابات؟

هذه التحدّيات جميعها تطرح إمكانيّة تأجيل الانتخابات سواء في البلدات الحدوديّة أو على صعيد لبنان. وفي هذا الصدد، يلفت بارود إلى أنّه “في القرى والبلدات التي تعرّضت لعدوان ودمار شامل، هناك وجهة نظر تقول إنّ أهالي هذه القرى مصروّن على إجراء الانتخابات ولو بين الركام، باعتبارها رسالة صمود وإصرار على عدم الانكسار، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إنّه كما تأجّلت الانتخابات البلديّة والاختياريّة في القرى الحدوديّة العام 1998، إذ كانت ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي ولم تُجرَ فيها سوى في العام 2001، بعد عام من التحرير، فينبغي التأجيل الآن، كذلك ثمّة مثال آخر اعتمد في بلدة بريح (قضاء الشوف) التي لم تكتمل فيها عودة الأهالي فتمّ تأجيل الانتخابات البلديّة فيها”.

ويؤكّد بارود أنّ “بعض من يدعون إلى تأجيل الانتخابات في هذه البلدات يستندون إلى هذا الأمر، فضلًا عن التحدّي الآخر المرتبط بإمكانيّة عدم حصول حملة انتخابيّة بالمعنى الكامل للكلمة، وعدم جهوزيّة مراكز الاقتراع”. ويختم “لكي نكون موضوعيّين وعادلين، فإنّ القرار ينبغي أن يكون لدى أهالي هذه البلدات من خلال تواصل وزارة الداخليّة معهم واستمزاج الرأي العام لدى الأهالي، لناحية إجراء الانتخابات على رغم كلّ شيء أو تأجيلها إلى أشهر أو سنة، علمًا أنّه يمكن إجراء الانتخابات من خلال استحداث مراكز متحرّكة أو بقرى مجاورة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى