ثماني عائلات عادت إلى عديسة لتلتحف الأطلال بدل النزوح

في التجوال بين القرى الجنوبيّة الحدوديّة حيث الدمار يحاكي الدمار، من الصعب أن تتخيّل أنّ بمقدور أحد العيش وسط كل هذا الركام وتلك الأطلال، إذ إنّه من الصعب كذلك أن تُصادف مبنىً أو منزلًا أو جدارًا نجا من القصف الإسرائيليّ أو من عمليّات التفخيخ، لذلك سيرسخ انطباع لدى الداخل إليها أنّ إمكانيّة وجود حياة في تلك القرى أشبه بالأمر المستحيل.

لكن وعلى رغم ذلك، فثمّة عائلات تعيش اليوم في تلك البلدات، بعد أن قرّرت العودة وترميم أجزاء من منازلها المدمّرة، وتسكن وسط الركام والأطلال، متجاهلين كلّ ما يحيط ذلك من انعدام الأمن والأمان وفرص العمل، وكذلك الخدمات الأساسيّة من مياه وكهرباء وغيرها من ضروريّات حياتيّة.

إحدى تلك البلدات هي عديسة في قضاء مرجعيون، التي تحدّها مركبا وهونين من الجنوب، والطيبة وربّ ثلاثين من الجهة الغربيّة وكفركلا شمالًا وأراض من فلسطين المحتلّة شرقًا. البلدة المواجهة لمستوطنة “مسكاف عام” أصابها الدمار بشكل كبير، إذ بلغ عدد الوحدات السكنيّة المدمّرة فيها نحو 800 من أصل 1280 وحدة سكنيّة، فيما تعرّضت 480 وحدة لدمار جزئيّ.

قبل الحرب كان يقطن في عديسة نحو 2500 شخصًا في الشتاء، على أنّ هذا الرقم يتضاعف في الصيف ليصل إلى نحو خمسة آلاف.

في أحياء بلدة عديسة المدمرة
عودة تتحدّى الصعوبات

منذ نحو أسبوعين، قرّر علي محمّد حسين، أحد أبناء البلدة، بيع سيارته وترميم منزله والعودة إلى السكن في البلدة برفقة زوجته وأولاده الخمسة، وكذلك فعلت عائلات أشقّائه الثلاثة ووالديه بعد أن كان نازحًا في بلدة عربصاليم قرب النبطية.

يشرح حسين، الذي يعمل حلّاقًا، في حديث لـ”مناطق نت”، أنّ قرار العودة جاء “بسبب عدم قدرتنا بعد على دفع الإيجارات. وعلى الرغم من أنّ البلدة لم تزل منكوبة إلّا أنّه لا بدّ من العودة إليها”. ويلفت إلى “أنّني في الوقت الحاليّ أنتقل يوميًّا إلى النبطية للعمل هناك، إذ إنّه من الصعب أن أفتتح محلًّا لي في عديسة، وذلك بسبب الدمار الكبير أوّلًا، وثانيًا بسبب انعدام السكّان، وإذا كان فهو قليل جدًّا”. ويوضح أنّ منازل عائلته غير مُجهّزة بنظام طاقة شمسّية لذا “نقوم بتشغيل مولّد صغير لأربع منازل”.

مبادرات تعوّض خدمات أساسيّة

من ناحيته، يُشير رئيس بلديّة عديسة، علي رمّال، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “كلّ الجهد ينصبّ باتّجاه إعادة الحياة إلى البلدة من خلال تشجيع العائلات كي يعودوا إليها، وقد نجحنا في إعادة ثماني عائلات خلال الشهر الماضي”، مضيفًا أنّ “هناك نحو 13 عائلة تستعدّ قريبًا للعودة بعد ترميم غرفة أو غرفتين في منازلهم المهدّمة”.

رمّال: ثمّة غيابًا تامًّا لمقوّمات الحياة من كهرباء ومياه وغيرها، فالبلدة كانت تستفيد من مياه الوزّاني عبر مشروع مياه الطيبة

ولكن ماذا عن الخدمات الأساسيّة من كهرباء ومياه وغيرها؟ يُجيب رمّال أنّ “ثمّة غيابًا تامًّا لمقوّمات الحياة من كهرباء ومياه وغيرها، فالبلدة كانت تستفيد من مياه الوزّاني عبر مشروع مياه الطيبة، إلّا أنّ الخطّ الذي يُغذّي هذا المشروع جرى تدميره”، مشيرًا إلى أنّ “هذا الأمر دفعنا إلى حلّ بديل يتمثّل في وضع خزّان كبير للمياه بجوار نبع البلدة وتوزيع مياهه على الأهالي المقيمين بشكل شبه مجّانيّ”.

أمّا على مستوى الكهرباء، فيلفت رمّال إلى أنّه “عندما عادت أوّل أربع عائلات، قام عدد من الخيّرين بمساعدتهم على تركيب ألواح طاقة شمسيّة، ونحن بدورنا كبلديّة قمنا بتركيب عدد من المصابيح التي تعمل على الطاقة الشمسيّة أمام هذه المنازل”. ويوضح أنّ “البلدة ما زالت تفتقر إلى المتاجر والدكاكين التي ما زالت مقفلة، والمتجر الوحيد الذي قام صاحبه بإعادة فتحه هو محلّ خرضوات وموادّ بناء، لذا يلجأ الأهالي إلى بلدة الطيبة لشراء حاجيّاتهم من لحوم وخضار وغيره من متطلّبات الحياة”.

ويؤكّد رمّال أنّ “موازنة البلديّة محدودة جدًّا، ومن الصعب أن تقوم بدورها تجاه الأهالي، وتستعيض البلديّة عن ذلك باللجوء إلى الجمعيّات المانحة التي يمكن أن تُقدّم مساعدات للعائلات، غير أنّها تبقى محدودة”.

عوائق أمام العودة

ويرى  رمّال أنّ “العائق الأمنيّ يتصدّر أسباب امتناع الأهالي عن العودة، فالخوف دائمًا موجود إذ إنّ طائرات ‘الدرون‘ متواجدة بشكل دائم في سماء البلدة ومن غير المعلوم هدفها إن كان تجسّسيًّا أو لإلقاء قنبلة صوتيّة أو استهداف أيّ شخص”. ويقول “في حال إعلان وقف إطلاق شامل ووقف الاعتداءات، فأنا متأكّد من أنّ أهالي بلدتنا سيعودون فورًا”.

المشهد يتشابه في أحياء العديسة

عن الهاجس الأمنيّ الذي يُشكّل عائقًا كبيرًا أمام عودة الاهالي، يُشير ماهر رمّال، أحد أبناء البلدة، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّه “خلال الأسبوع الماضي ألقت قوّات الاحتلال قنبلة صوتيّة على أطراف البلدة”.

ويُؤكّد أنّ “طائرات الدرون تبقى بشكل مستمرّ في أجواء البلدة، فمثلًا منذ نحو أسبوع كانت هناك مراسم دفن لفقيد من أبناء البلدة، فقامت طائرة الدرون بالاقتراب كثيرًا من المواطنين ما أثار الذعر في ما بينهم”، مضيفًا “على رغم ذلك يمكن القول إنّ الوضع الأمنيّ في عديسة ما زال أفضل حالًا من البلدات الحدوديّة الأخرى، إذ لم تُسجّل أيّ حادثة أمنيّة خطيرة”.

ويوضح رمال، الذي ما زال نازحًا ويتردّد يوميًّا إلى البلدة، أنّ “هناك كثيرًا من الأهالي يريدون العودة إلى البلدة، لكنّهم لا يملكون أموالًا تساعدهم في ترميم منازلهم”. ويقول إنّ والديه قرّرا العودة، “فوالدي يبلغ من العمر نحو 73 عامًا، ويعشق بلدته وأرضه كثيرًا وهذا كان الدافع الأساس لعودته، فمعظم الذين عادوا هم من كبار السنّ، وهناك من يقوم بالانتقال إلى العمل في بلدات مُجاورة”.

غياب فرص العمل

يؤكد رمّال أنّ “عديسة كانت قبل الحرب بمثابة مركز تجاريّ للمنطقة برمّتها، إذ إنّها كانت نقطة تواصل بين قضاءي مرجعيون وبنت جبيل، فهي كانت تضمّ كثيرًا من المحال التجاريّة وعددًا من المعامل، أيّ أنّها كانت أشبه بمدينة صغيرة”. ويختم بأنّ “هناك أحدَ الأشخاص يتحضّر لافتتاح ملحمة وفرن، وآخر لفتح دكّان سمانة، وأملنا أن تعود الحياة تباعًا إلى البلدة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى