جنوبيّات يتصدّرنَ نتائج الشهادات المهنية
طغت أخبار نتائج امتحانات الشهادات المهنيّة وأسماء الفائزين والفائزات على الأخبار العاجلة التي تنقل على مدار الساعة مستجدّات الاعتداءات الإسرائيليّة الدائرة على الحدود الجنوبيّة منذ تسعة أشهر ونصف الشهر. توالت التهاني لفتيات جنوبيّات حصدن المراكز الأولى في الشهادات المهنيّة الفنّيّة، فتيات لم تمنعهنّ الحرب من متابعة الدراسة، ولم تحل دون أن يحلمن بغد ومستقبل أفضل، حيث سطّرن إنجازات خفّفت عنهنّ وطأة المعاناة، معاناة الحرب والنزوح، إنجازات أثلجت صدور الأهل وهم يواكبون جنى السنوات، فأزهرت آمالهم بفلذات الأكباد.
المراتب الأولى
حلّت الطالبة حنان حمدان، من بلدة حومين التحتا، في المرتبة الأولى على صعيد لبنان في اختصاص “الرقابة الصحّيّة وسلامة الغذاء” وفي المرتبة الثانية في الاختصاص نفسه، حلّت الطالبة مريم شيت ابنة كفركلا، أما المرتبة الثالثة فكانت لهيام محمود شهاب ابنة بلدة طيردبّا، وفي اختصاص علوم مختبرات الأسنان، حلّت في المرتبة الأولى على صعيد لبنان ابنة عيتا الشعب نور جواد، أمّا في اختصاص التربية المتخصّصة فحلّت في المرتبة الأولى ابنة بلدة كفركلا الحدوديّة رباب ياسين فارس.
نور جهاد جواد تفوّق على الصعوبات
في مواكبة من “مناطق نت” لفرح المجتهدات، كان اللقاء مع بعضهن، وكانت شهادات عرضن في خلالها ما واجهن من قلق وخوف، وكيف تحدّين الواقع وتجاوزن الصعوبات.
نور جهاد جواد من بلدة عيتا الشعب (بنت جبيل)، روت لـ”مناطق نت” حكاية النزوح والمعاناة والدراسة والنجاح فقالت: “نزحنا من البلدة بعد يومين من بدء الاعتداءات الإسرائيليّة، وذلك في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأمضينا شهرين في منزل في بيروت مع عدّة عائلات، ومن ثمّ انتقلنا إلى بلدة معروب (صور) لنكون قريبين من الجنوب، وهناك اضطر أهلي إلى تغيير البيت مرّة ثانية”.
وتضيف: “أدرس اختصاص علوم مختبرات طبّ الأسنان، وأصبحت في السنة الثانية من دراستي، ومسجّلة في معهد بئر حسن في بيروت، لأنّ اختصاصي هذا لم يكن متوافرًا في مهنيّة بلدتي عيتا الشعب، فاضطررت إلى الابتعاد عن أهلي في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة، والخطر الذي يواجهونه في كلّ لحظة”.
“مررتُ بأوضاع صعبة”
وتتابع نور “مررت بأوضاع صعبة جدًّا، حيث كان التوتّر الدائم يرافقني، ولم أكن أستطيع التوفيق بين دروسي وبين التفكير الدائم بأهلي”. وتشير إلى أنّها كانت تزور ذويها أيّام العطل في معروب حيث نزحوا، “وأحضر معي كتبي لأدرس، لكن ذلك كان صعبًا أيضًا بفعل القصف والغارات والخرق المتكرّر لجدار الصوت، حيث كنّا نشعر أنّ البيت يكاد يسقط فوق رؤوسنا”.
تردف نور: “نحن كطلاب نازحين من قرانا الحدوديّة الأماميّة واجهتنا صعوبات كثيرة في أماكن النزوح، منها عدم ملاءمة المنازل للسكن، ومنها عدم توافر الإنترنت، ومنها الاكتظاظ داخل المنازل، حيث يضم الواحد منها أكثر من عائلة نازحة، وبالتالي عدم توافر مكان هادئ للدراسة”.
شهادة علم وحياة
وتتابع نور: “هناك طلّاب لم يستطيعوا إحضار كتبهم من منازلهم بفعل الحرب، وبعضهم تهدّمت منازلهم على كلّ ما فيها، وعلى الرغم من ذلك كنت كلّما أتّصل بأهلي في معروب يطلبون منّي التركيز على الدراسة، وفي بعض الأحيان كنت أقول لهم لن أتابع الدراسة وسأعود لأكون معهم ويصيبني ما يصيبهم، فإمّا أن نستشهد معًا أو نبقى أحياء، لكن عدت وفكّرت بدماء الشهداء الذين يريدون منّا أن نتعلّم، وتمكّنا من أن نثبت للجميع، إلى أبعد من لبنان، أنّنا على قدر التحدّي، وشهادتنا ليست شهادة موت وإنّما شهادة علم وحياة، ولذلك نقاتل ولن نسمح للعدو أن يحتلّ أرضنا”.
نور جواد: هناك طلّاب لم يستطيعوا إحضار كتبهم من منازلهم بفعل الحرب، وبعضهم تهدّمت منازلهم على كلّ ما فيها
وتشير نور إلى “أنّنا فقدنا في عيتا الشعب 17 شهيدًا، وكنا نشارك في تشييعهم في البلدة، ومن ثمّ نعود إلى صور وبيروت. ولن أنسى مشهد السيارات المغادرة للبلدة إلى مناطق النزوح وكان يدمي القلوب”. وأهدت نور نجاحها وتفوّقها “إلى كلّ طلّاب الجنوب وأخصّ بالإهداء بلدتي عيتا الشعب، وأتوجه إلى الطلّاب الذين لم يحالفهم الحظّ أن يجهدوا ويعوضوا في الدورة الثانية”.
وختمت جواد: “إذا ما سارت الأمور كما أتمنّى، وبعد التخرّج، فسأقوم بافتتاح مختبر أسنان في الجنوب، بالقرب من بلدتي عيتا الشعب، وذلك من أجل تطوير قرانا وزيادة الخدمات فيها، وكي لا يقصد أطبّاء الأسنان مختبرات بعيدة. سنكرّس حياتنا للعلم ولكلّ ما يفيد مجتمعنا”.
الثالثة امتياز فنّيّ هيام محمود شهاب
من جهتها تروي هيام محمود شهاب، من طيردبّا (صور) وهي مدرّسة متعاقدة في التعليم الأساسيّ والتعليم المهنيّ والتقنيّ لـ”مناطق نت” مسيرتها في التعليم والتعلّم فتقول: “أنا مجازة في مادّة الكيمياء من كلّيّة العلوم في الجامعة اللبنانيّة، ربّة منزل وأمّ لثلاثة أولاد، تقدّمت هذا العام إلى الامتحانات الرسميّة في اختصاص الرقابة الصحّيّة وسلامة الغذاء، شهادة الامتياز الفنّيّ، ونلت المرتبة الثالثة على مستوى لبنان بمعدل 17,94 وتقدير جيّد جدًا”.
وتلفت شهاب إلى أنّ “فكرة اختياري هذا الاختصاص كان بسبب الاستخفاف بالصحّة والسلامة العامّة في أكثر من مجال، وبسبب تدهور الأوضاع الاقتصاديّة واضطرار معظم المعلّمين المتخصّصين في هذا المجال إلى الهجرة”. تتابع شهاب: “كان مشوارًا شاقًّا وسط التعب بين دوامي في المدرسة كمعلّمة، وبين متابعة أمور عائلتي كربّة منزل، وبين دوامي في المعهد كتلميذة، بالإضافة إلى الوضع الأمنيّ الصعب في ظلّ القصف، ولكنّ كلّ ذلك كان حافزًا لي على التحدّي والمثابرة والاجتهاد وسهر الليالي من أجل النجاح والتفوّق”.
وأهدت شهاب نجاحها “إلى روح والدي في عليائه، ولعائلتي، وأوّلًا وأخيرًا إلى الشهداء الذين زرعوا أجسادهم لننعم بالعزّة والكرامة”.
امتحانات على وقع الغارات حنان عبّاس حمدان
تشير حنان عبّاس حمدان من بلدة حومين التحتا (إقليم التفاح) وكانت تقيم في بلدة حولا (مرجعيون) إلى “أنّ السنة الدراسيّة كانت مليئة بالصعاب، لناحية تداعيات الحرب والقصف والغارات، سواء في النبطية حيث أقيم أم خارجها”. وتضيف حمدان لـ”مناطق نت”: “تأثّرنا كثيرًا بعد المجزرة التي نتجت عن استهداف مبنى في النبطية والتي أدّت إلى استشهاد أسرة بكاملها، وصولًا إلى عشيّة الامتحانات حيث وقعت غارة قريبة منّا، بينما كنت أجهّز نفسي لأنام وأستيقظ باكرًا. حينها بالكاد تمكّنا من النوم، وفي اليوم الثاني توجّهنا إلى الامتحانات بشكل عاديّ وكأنّ شيئا لم يكن”.
وتضيف حمدان التي تدرس اختصاص الرقابة الصحّيّة: “ما كنت لأحقذق هذه النتيجة لولا الدعم الذي تلقّيته من والدتي وأشقائي، وحتّى من إدارة المعهد الذي أتابع دراستي فيه، فهم لم يقصّروا أبدًا، خصوصًا معلّمتي ومنسّقة الاختصاص ضحى حيدر، التي كانت تقول لي إنّني سأحل في المرتبة الأولى على صعيد لبنان”.
تردف حمدان: “بعد صدور النتائج لم أكن أتوقّع أن تكون ردّة فعل الناس إيجابيّة إلى هذا الحدّ وهم يباركون نجاحي، وهذا أمر يعني لي كثيرًا، كونهم يشعرون بالفخر أمنّني ابنة الجنوب”.
وتلفت حمدان إلى أنّها فرحة أيضًا “بالطلّاب من القرى الحدوديّة الذين اضطرّوا للنزوح، وعلى رغم ذلك تمكّنوا من أن يحقّقوا المراتب الأولى على مستوى لبنان، وهم بالتأكيد واجهوا صعوبات أكبر من التي واجهتها”.
مع صدور نتائج الامتحانات للشهادة المهنية، والترقب لصدور نتائج امتحانات الشهادات الأخرى، لا بدّ من أن تحضر أغنية الفنان زياد الرحباني “إذا واقف جنوب واقف بولادو”.