حام ومعربون شرقي بعلبك.. إهمال الدولة وظلم الجغرافيا
“هناك حوالي خمسين امرأة لبنانيّة من بلدة معربون اللبنانيّة تزوّجنَ إلى بلدة سرغايا السوريّة المتاخمة لها، وهناك قرابة عشرين امرأة سوريّة من سرغايا تزوّجنَ إلى معربون”؛ لعلّ ما قاله رئيس بلديّة معربون الواقعة شرقيّ مدينة بعلبك عبدو عبد الجليل قاسم لـ “مناطق نت” يعكس حجم التداخل بين القرى الحدوديّة في شرق لبنان المتاخمة لسوريّا، ومنها معربون التي شهدت أحداثًا الأسبوع الماضي تخلّلها اشتباكات أدّت إلى وقوع إصابات.
غالبًا ما تُبرز الأحداث أسماء قرى وبلدات لبنانيّة تكون في العادة منسيّة ومهملة، لا بل إنّ كثيرًا من اللبنانيّين لم يسمعوا بها ويجهلون وجودها مثل قرى الطفيل والخريبة والنبي سباط وحام ومعربون وغيرها، لتظهر فجأة، وتعود ما أن ينتهي الحدث لكي تختفي من جديد، وهو ما حصل لبلدة معربون الحدوديّة التي شاع اسمها الأسبوع الماضي، ليعود ويغطّ في سبات الإهمال العميق.
حدود متداخلة ومعابر غير شرعية
الحال في معربون كما هي على طول السلسلة الشرقيّة، وصولًا إلى الحدود الشماليّة مع سوريّا، حيث تنتشر المعابر غير الشرعيّة، ويتمّ من خلالها التهريب بين البلدين، إذ يعتبر معبر معربون – سرغايا من ضمن هذه المعابر، التي بقيت ردحًا من الزمن مفتوحة، إلى أن أقفلها الجيش اللبنانيّ بشكل جزئيّ في التسعينيّات من القرن الماضي، وبشكل كلّيّ بعد الأحداث في سوريّا سنة 2011.
يُوضح قاسم لـ “مناطق نت” أنّ “الاشتباكات الأخيرة التي حصلت بين الجيش اللبنانيّ وعصابات التهريب من الجانب السوريّ، جاءت نتيجة محاولة الجيش اللبنانيّ تثبيت بلوكّات (حواجز) اسمنتيّة على بعد 100 متر ممّا كانت عليه، ولكن ضمن الأراضي اللبنانيّة، وذلك تحسّبًا لأيّ تجاوزات وتعدّيات”.
من جهته يُشير محمّد حسن (أحد فعاليّات بلدة معربون) لـ “مناطق نت” إلى أنّ “بعض أهالي سرغايا حاولوا فتح المعبر وإزالة البلوكّات بواسطة جرّافة، ممّا دفع عناصر الجيش اللبنانيّ إلى إطلاق طلقات تحذيريّة، بالمقابل أطلقت عصابات التهريب النار فأصابت ضابطًا وعددًا من العسكريّين، ممّا زاد من حدّة الاشتباكات التي استمرّت حتّى ساعات متأخّرة من الليل، تخلّلها هدنة سمحت للطرفين في استقدام تعزيزات، إذ استقدم الجيش اللبنانيّ مزيد من التعزيزات إلى معربون، ومن الجهة السوريّة أرسلت “إدارة العمليّات” قوّة إلى سرغايا لضبط الوضع، إلى أن توقّفت الاشتباكات بعد اتّصالات سياسيّة”.
خلاف تاريخيّ
تتداخل الحدود اللبنانيّة السوريّة في هذه المنطقة وتتشابك كما في عديد من المناطق اللبنانيّة الحدوديّة، فالحدود بين معربون وسرغايا متداخلة بشكل كبير، ولطالما أحدث هذا التداخل إشكاليّات وخلافات كبيرة لا يزال بعضها قائمًا حتّى اليوم، في ظلّ حدود غير مرسّمة بين الدولتين. وهناك دعاوى قضائيّة ولجنة أمنيّة مهمّتها العمل على إيجاد حلّ للمشكلة وترسيم الحدود بين سرغايا ومعربون، خصوصًا أنّ المنطقة المتنازع عليها تمتدّ على شريط يبلغ طوله أربعة كيلومترات من الحدود المتنازع عليها.
تتداخل الحدود اللبنانيّة السوريّة في هذه المنطقة وتتشابك كما في عديد من المناطق اللبنانيّة الحدوديّة، فالحدود بين معربون وسرغايا متداخلة بشكل كبير، ولطالما أحدث هذا التداخل إشكاليّات وخلافات كبيرة لا يزال بعضها قائمًا حتّى اليوم
يُعيد محمّد حسن مشكلة تداخل الحدود والخلافات على الأراضي إلى زمن الانتداب الفرنسيّ ويحمّله المسؤوليّة في ذلك. فـ “الخلاف سببه أنّ الانتداب الفرنسيّ ضمّ أجزاء من أراضي بلدة معربون التي هي لبنانيّة إلى بلدة سرغايا في سوريّا”. ويضيف حسن “الخلاف بين البلدتين على الأراضي الزراعيّة يعود إلى سنة 1989، وقد تمّ استرداد جزء من هذه الأراضي بقوّة السلاح، متمثّلًا بمزرعة “النهير” وتبلغ مساحتها نحو 6000 دونم، وهي ليست مزروعة، وبقي الخلاف على جزء من الأراضي المزروعة والتي تعرف باسم “المروج”، والتي لا يزال أهالي البلدة ينتظرون تسوية بشأنها بغية استردادها”.
حدود مفتوحة أم مغلقة؟
قبل العام 1989، تاريخ الخلاف على ملكيّة الأراضي، كان عدد كبير من أهالي بلدتي معربون وحام، يدخلون إلى سوريّا ويعودون منها متى يشاؤون، دون تسجيل أيّ خلافات، مع تسجيل بعض عمليّات التهريب عبر الطرق التي تمرّ بالبساتين، لكن مع إقفالها من قبل الجيش اللبنانيّ، توقّفت حركة الانتقال بين معربون وسرغايا منذ وقوع الخلاف على تلك الأراضي، على الرغم من علاقات المصاهرة والتزاوج بين البلدتين.
تعتبر معربون وجارتها حام من القرى المنسيّة والمهمّشة التي تعيش في ظلّ حرمان كبير، إذ تعتمد القريتان على الزراعة كمورد رزق غالبيّة سكّانهما، بالإضافة إلى قلّة موظّفين في الجيش اللبنانيّ. أمّا عن احتياجات البلدتين فيشير قاسم إلى أنّ “الوضع قبل التسعينيّات كان جيّدًا حيث إنّ الحدود مفتوحة بين لبنان وسوريّا وكانت جميع الاحتياجات تؤمّن من الداخل السوريّ، وكان ابن معربون يعرف سرغايا والشام أكثر ممّا يعرف مدينة بعلبك، حتّى إنّ المنتوجات الزراعيّة للبلدة كانت تُصّرف داخل الأراضي السوريّة، وكانت الحياة أسهل”.
لكن، يتابع قاسم “بعد الخلاف على الأراضي الزراعيّة وإقفال الحدود بين سرغايا ومعربون أضحى تأمين الاحتياجات يعتمد على الداخل اللبنانيّ وبالتحديد على مدينة بعلبك التي تبعد 27 كيلومترًا عن معربون”. يضيف قاسم أنّ “المشكلة في الطريق التي تربط معربون ببعلبك، فهي ليست بحالة جيّدة ولم يزرها الإسفلت منذ وقت طويل، فأصبحت محفّرة وغير صالحة بسبب شاحنات المرامل والكسّارات التي تمرّ عليها محمّلة بأكثر من الوزن المتاح”.
الإقامة صيفًا والنزوح شتاءً
ترتفع معربون وهي من القرى السنّيّة في قضاء بعلبك نحو 1450 مترًا عن سطح البحر، ويبلغ عدد سكّانها ما يقارب الـ 4000 نسمة. أمّا حام وهي من القرى الشيعيّة وتجاور معربون وتبعد نحو كيلومترين اثنين عنها، يصل ارتفاعها هي الأخرى إلى 1600 مترًا عن سطح البحر، ويبلغ عدد سكانها حوالي 1400 نسمة.
تعتبر قريتا معربون وحام من القرى التي يستحيل العيش فيها، لا سيّما في فصل الشتاء، وذلك لصعوبة تأمين مستلزمات الحياة وقساوة الطقس، مّما يضطر معظم الأهالي إلى النزوح نحو بعلبك ودورس وبيروت، ومن يبقى فيهما لا يتجاوز عددهم 700 نسمة من أصل 2700 يسكنون في البلدة صيفًا، أيّ حوالي 25 في المئة من السكّان.
حام المنسيّة
يُعرب أهالي حام ومعربون عن أنّهم يقفون أمام الجيش اللبنانيّ في حماية أرضهم، وفي الحفاظ على أمن المنطقة، بإبقاء المعبر غير الشرعيّ مقفلًا. ويعتبر مختار بلدة حام علي عطيّة أحمد أنّه “لا خوف من الحدود المشتركة لا سيّما في ظلّ أداء الجيش اللبنانيّ الذي تكبر به القلوب”، لافتًا لـ “مناطق نت” إلى أنّ “أهالي حام ومعربون لن يتوانوا عن مناصرة الجيش اللبنانيّ والتصدّي لكلّ ما يهدّد أمن البلدتين ولبنان”.
تعتبر قريتا معربون وحام من القرى التي يستحيل العيش فيها، لا سيّما في فصل الشتاء، وذلك لصعوبة تأمين مستلزمات الحياة وقساوة الطقس، مّما يضطر معظم الأهالي إلى النزوح نحو بعلبك ودورس وبيروت
يعرض المختار لمعاناة هذه البلدات بسبب موقعها الجغرافيّ، ويعدّدها وهي تتعلّق “بالطرقات والطبابة والمدارس في ظلّ غياب أيّ تقديمات تقوم بها الدولة والأحزاب، لذلك يحاول الأهالي تدبّر أمورهم في ظلّ أوضاع معيشيّة صعبة، ففي الشتاء من يمتلك بستان تفاح أو إجاص أو كرز اضطرّ إلى قطع أشجاره وتحويلها إلى حطب للتدفئة”.
يلفت أحمد إلى أنّ “أهالي البلدتين أمامهم مسافة كبيرة كي يصلوا إلى مدينة بعلبك عبر الخطّ الأساس من معربون إلى حام ووادي سباط وصولًا إلى بعلبك، وهي طريق غير جيّدة، أو الخطّ الثاني وهو الذي يبدأ من معربون إلى حام إلى الخريبة وصولًا إلى النبي شيت ولا يتمّ الاعتماد عليه كثيرًا”.
تعتبر هذه القرى المهملة بقاعًا نموذجًا لغياب الدولة وغياب اهتمامها، فتحارب الفقر والحاجة كي تحافظ على أدنى متطلّبات العيش، وهي تدفع ضريبة تداخل الحدود غير المرسّمة من جهة، وضريبة مشقّة الطريق في العبور نحو سوريّا من جهة أخرى، لا سيّما أنّ علاقات مصاهرة وقرابة تحتّم التواصل، فيقتضي ذلك الذهاب إلى معبر المصنع لملاقاة أقاربهم، وهذا يقضي بفتح معبر لأبناء معربون لزيارة أقاربهم في سرغايا السوريّة.