حدائق صيدا العامّة مساحات مهملة دون صيانة
تنعدم الأماكن العامّة والحدائق والمساحات الخضراء في المدن اللبنانيّة ومنها صيدا، وإن وُجدت فهي خجولة مقارنة مع الحدائق والمساحات الخضراء في مدن العالم، والتي تُخصّص لها الدول ميزانيّات ضخمة، لما لذلك من أهمّيّة وحسبان، إذ إنّ الحدائق تُشكّل رئة المدن ومتنفّسها، وفسحات للناس تلجأ إليها، وتتنزّه في أفيائها.
في صيدا عندما يُسأل أعضاء المجلس البلديّ عن الحدائق العامّة فيها، يبادرون إلى القول إنّ هناك خمس حدائق عامّة في المدينة، وهي: “حديقة السعودي”، “حديقة الشيخ زايد”، “حديقة الزويتيني”، “متنزّه صيدا البلديّ” و”حديقة الكنايات”. لكن في الحقيقة يمكن القول إنّ العدد الفعليّ هو ثلاث حدائق، إذ إنّ حديقة الكنايات هي مساحة خاصّة يملكها محمّد زيدان وقد فتحها للعموم، وهي ضمن مسؤوليّة وإشراف إدارة مؤسّسته، وهي تقع على ضفاف نهر الأوّلي.
أمّا متنزّه صيدا البلديّ فهو قسم من العقار 375 الذي تملكه البلديّة وتستثمره مؤسّسات “الرعاية الإسلاميّة”، لذلك يمكن التحدّث الآن عن الحدائق الثلاث الأخرى.
“حديقة السعودي”
تقول بلديّة صيدا في إحدى وثائقها إنّها “وضعت هدفًا على رأس أولويّاتها وهو إيجاد متنفسّ لأبناء المدينة والجوار، هو مشروع الحديقة العامّة الكبرى، التي تقع جنوب المطمر الذي احتوى على مكبّ النفايات القديم، وتبلغ مساحتها 35 ألف متر مربّع، من المساحات الخضراء التي تتميّز بمواصفات طبيعيّة رائعة، تزيّن الشاطىء الصيداويّ، وواجهة سياحيّة جديدة للمنطقة، لاستقبال الزوّار وتنظيم رحلات ترفيهيّة، واستضافة المناسبات المتعدّدة”.
وقد تمّ تصميم الحديقة على ارتفاعات مختلفة تراوح بين ستة أمتار وأحد عشر مترًا ونصف المتر، وقد ضمّت عند الإنشاء 286 شجرة وأكثر من 15 نوعًا من الأشجار المتعددة، منها أشجار زيتون معمّرة أكثر من 150 عامًا، بالإضافة إلى أشجار بلح مثمر، كينا وحمضيّات مع تجهيز أماكن للأطفال وممرّات لممارسة الرياضة. وتشير وثيقة البلديّة إلى أنّ عدد الشتول بلغ رقم حجم مساحة لبنان، 10452 شتلة من أنواع مختلفة، وأن المساحة العشبيّة بلغت ثمانية آلاف متر مربّع.
وقد افتتحت الحديقة في نهاية العام 2015، بعد رفع شعار: “الحلم تحوّل إلى حقيقة والمكبّ إلى حديقة”. لكن ما هو وضع الحديقة حاليًّا؟
تشّكل الحديقة المذكورة جزءًا من مساحة الأرض المردومة الموجودة جنوب مدينة صيدا، والتي تحوي بركة من المياه الآسنة يمكن القول إنّها المكان الأكثر تلوّثًا في لبنان. قبل سنوات وفي لقاء ضمّ عددًا من أعضاء المجلس البلديّ وناشطين في مبنى البلديّة، كان أحد أعضاء المجلس يتحدّث عن الحديقة، عندما سأله أحد الناشطين “هل يمكن لكلّ منكم اصطحاب عائلته إلى الحديقة المذكورة التي تقع في أكثر مناطق صيدا تلوّثًا؟ لكن الصمت كان سيّد الموقف، ولم يجب أحد؟
تفتح الحديقة أبوابها حاليًّا بعد ظهر نهار الجمعة، السبت والأحد من كلّ أسبوع، إلّا أنّ نسبة الزائرين تنخفض بشكل ملحوظ، وفي الآونة الأخيرة صار عدد العمّال الذين يهتمّون بالحديقة اثنين فقط، بحجّة ضعف إمكانيّات البلديّة وانخفاض الأجر اليوميّ للعمّال.
تشّكل حديقة السعودي جزءًا من مساحة الأرض المردومة الموجودة جنوب مدينة صيدا، والتي تحوي بركة من المياه الآسنة يمكن القول إنّها المكان الأكثر تلوّثًا في لبنان
من قطع الأشجار؟
خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، زار “أحدهم” الحديقة المذكورة، ولاحظ في أثناء تجواله وجود حطب مقطّع في إحدى زواياها، وبعد السؤال رفض عامل الحديقة الإفصاح عمّن قام بقطع الأشجار. تمّ إبلاغ ثلاثة من أعضاء المجلس البلديّ بالأمر، لكن من دون أيّ نتيجة، وبالمتابعة تمّ التعرّف إلى من قام بعمليّات القطع، وجرى تبرير الأمر، بحاجته إلى المال. بعدها أُبلغ المجلس البلديّ بالأمر ولم يتابع أحد الموضوع سوى أنّ الحطب المقطوع اختفى من الحديقة. واليوم باتت الحديقة بحاجة إلى متابعة وتنظيف دوريّ وإشراف فعليّ.
“حديقة الشيخ زايد”
على قطعة أرض من الأملاك العامّة، وبالقرب من الجامع العمريّ الكبير، ملاصقة لصيدا العتيقة من جهة البحر، أقيمت حديقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بعدما اُفتتحت بحضور سفير دولة الإمارات العربيّة المتّحدة محمّد سعيد الشامي، وهي الدولة المانحة. وقد أُنشئت هذه الحديقة لتكون متنفّسًا للمقيمين في صيدا العتيقة، لكن مدخلها من جهة الشرق بقي مقفلًا، وبابها مفتوح من جهة الأوتستراد البحريّ.
هي حديقة تحوي مقاعد حجريّة عديدة وأشجارًا كثيرة، لكن من الصعوبة زيارتها في خلال النهار لغياب مظلّات الحماية من أشعّة الشمس، لكن ذلك لا يشكّل المشكلة، إذ إنّ الحديقة مقفلة حاليًّا، بحسب إفادة أحد مسؤولي الحدائق في البلديّة.
عادة، يوجد عامل واحد يهتمّ بتنظيف الحديقة والاهتمام بالأشجار، لكنّ الحديقة لا تستقبل أحدًا في الوقت الراهن. إنّما الإيجابيّ في الموضوع أنّ الحديقة تضمّ مكتبًا للمساعدة القانونيّة، وهو مكتب يقدّم خدمات قانونيّة ومتابعة في المحاكم مجّانيّة لأهل المنطقة.
“حديقة الزويتيني”
هي مساحة صغيرة تضمّ تسعة مقاعد حجريّة في حي “الزويتيني” مقابل درج القلعة البريّة، على أرض تملكها المؤسّسة العامّة للإسكان. يقول أحد مسؤولي البلديّة لـ”مناطق نت”: “إنّنا لسنا مسؤولين عن تلك الحديقة”. لكنّ هذه المساحة الصغيرة تشكّل متنفّسًا لأهالي صيدا العتيقة اذ تقصدها، لا سيّما عند ساعات الغروب، عائلات من أحياء الزويتيني، رجال الأربعين والمسالخيّة، حيث تجتمع النساء للتسامر، والأطفال للّعب في أحد أطراف الحديقة الذي كانت فيه مجموعة من المعدّات والألعاب، لكن هذه المعدّات تعطّلت وجرى نقلها من المكان، وبقيت تلك الزاوية فارغة حتّى اللحظة.
في العام الماضي جرى الاتّصال بالبلديّة لتنظيف الحديقة، لكن ذلك لم يحصل على الرغم من المراجعات. وتبقى هذه المساحة العامّة الأكثر جذبًا لأهالي المدينة الذين هم بحاجة إلى مساحات عامّة وآمنة.
إنّها صورة عامّة عن الحدائق العامّة الموجودة في عاصمة الجنوب صيدا، فهل من الممكن تأمين استمراريّة خدماتها وتأهيلها وإعدادها بشكل صحّيّ وآمن لكي تستمرّ في الغاية التي أنشئت من أجلها؟