الحرب جنوبًا وتأثيرها على التقديمات للاجئين السوريّين
منذ تصاعد العدوان الإسرائيليّ على لبنان، ازدادت معاناة اللاجئين السوريّين المقيمين في القرى والمناطق الحدوديّة، وهي لم تقتصر على خطر وقوعهم ضحايا الاعتداءات الإسرائيليّة فحسب، بل شمل كذلك، كما حال أهالي البلدات الحدوديّة، تحوّلهم إلى لاجئين/ نازحين في القرى الخلفيّة التي تعتبر أكثر أمانًا في الوقت الحالي، فضلًا عن أنّهم باتوا عاطلين من العمل في ظلّ انعدام الحياة المدنيّة في تلك القرى.
تضاف إليها مخاوف كبيرة من تقليص حجم المساعدات التي يتلقّونها من مفوّضيّة اللاجئين والجمعيّات الدوليّة والمحلّيّة لمصلحة برامج أخرى تتّصل بما يُعرف بـ”موازنات حالة الطوارئ” التي فرضها العدوان الإسرائيليّ.
تأرجح المساعدات
يروي محّمد حسني محمّد، العامل في شركة للمقاولات والقاطن في بلدة شمع منذ 16 عامًا، لـ”مناطق نت”، كيف اضطرّ إلى النزوح مع عائلته المكوّنة من أربعة أفراد باتّجاه بلدة القْلَيْلة بعدما استهدف الطيران الإسرائيليّ منزلًا في البلدة، ممّا أدّى إلى سقوط أربعة شهداء سوريّين من عائلة واحدة، وتضرّر منزله الواقع إلى جانب المنزل المُستهدف.
هكذا “قرّرت أن اطلع من بيتي بس بتيابي، والله بيعوّض”، يقول محّمد الذي سارع إلى استئجار منزل في القليلة، إلّا أنّه يُعاني من دفع الإيجار بعدما بات عاطلًا من العمل. وعن المساعدات التي يتلقّونها من مفوّضيّة اللاجئين، يلفت محمّد إلى أنّها “تراجعت منذ اندلاع الحرب، فقبل ذلك التاريخ كنّا نحصل على مبلغ 105 دولارات شهريًّا على شكل قسائم شرائيّة، إلّا أنّها توقّفت مع اندلاع المواجهات، لتعود وتُستأنف منذ شهرين”. ويُشير محمّد إلى أنهّ “منذ اندلاع الحرب لم نتلقَّ سوى كرتونة مواد غذائيّة من قبل الصليب الأحمر الدوليّ”، مضيفًا: “هناك غياب تامّ للجمعيّات التي تقدّم المساعدات”.
محمد حسني: منذ اندلاع الحرب لم نتلقَّ سوى كرتونة مواد غذائيّة من قبل الصليب الأحمر الدوليّ، هناك غياب تامّ للجمعيّات التي تقدّم المساعدات
لا يختلف وضع محمّد كثيرًا عن حال محمّد حمّود سوى بأنّ الأخير قرّر عدم النزوح والبقاء مع عائلته المكوّنة من تسعة أفراد في بلدة البيّاضة. وهذا القرار يعود إلى “وضعنا المادّيّ الذي لا يسمح لنا باستئجار منزل” وفق ما قاله لـ”مناطق نت”. كما يلفت إلى أنّه في حال افتتاح “مراكز إيواء للسوريّين فمن الممكن أن نلجأ اليها”.
ويؤكّد حمود، الذي يعمل في معمل أحجار في بلدة دير قانون، رأس العين، أنّ “المساعدات التي كانت تصلنا توقّفت منذ عدّة أشهر. كنّا في السابق نحصل على 105 دولارات من الأمم المتّحدة، إلّا أنّها توقّفت منذ نحو خمسة أشهر، وسمعت أنّها استُأنفت أخيرًا، لكن عند مراجعتي المعنيّين أجابوني بأنّني غير مؤهّل لتلقّيها”.
وفي السياق عينه، تلفت آلاء الحمود، القاطنة في بلدة المنصوري، إلى أنّ عائلتها “تحصل على مبلغ 40 دولارًا من المفوّضيّة، ولم نحصل على أيّ مساعدات أخرى منذ اندلاع الحرب. إنّ عدم انتقالنا إلى منطقة أكثر أمانًا يعود إلى أنّ هذا الخيار غير متاح لنا حاليًا”.
تمويل اللاجئين للنازحين
يبدو أنّ خيارات اللاجئين السوريّين القاطنين في القرى الحدوديّة محدودة، وهي تتأرجح بين البقاء في منازلهم أو اللجوء إلى أقارب في مناطق أكثر أمنًا، وذلك في ظلّ غياب القدرة المادّيّة على استئجار منازل في مناطق آمنة من ناحية، وغياب مراكز الإيواء الخاصّة بالسوريّين من ناحية أخرى. ويبدو أنّ الأمر ليس أكثر إيجابيّة على صعيد برامج الدعم المخصّص لهم، إذ يُشير المنسّق الإعلاميّ في “وحدة إدارة الكوارث” في اتّحاد بلديّات صور بلال قشمر، لـ”مناطق نت”، إلى أنّ “بعض الجمعيّات حوّلت برامج تمويلها التي كانت باتّجاه الاجئين السوريّين إلى النازحين اللبنانيّين، وفي فترة معيّنة تراجع هذا التمويل”.
يتوافق رأي قشمر مع وجهة نظر رئيس مؤسّسة “عامل الدوليّة” كامل مهنّا، الذي أوضح في حديث لـ”مناطق نت”، أنّه نتيجة ضغط عديد من الجمعيّات، ومنها مؤسّسة عامل، “تمّ تعديل تمويل البرامج، إذ كانت مخصّصة بنسبة 80 في المئة للسوريّين و20 في المئة إلى البنانيّين، فباتت بعد الحرب من 60 إلى 70 في المئة للبنانيّين ومن 30 إلى 40 في المئة للسوريّين”، موضحًا أنّ “اللبنانيّين باتت أوضاعهم المادّيّة شبيهة بأوضاع السوريّين”.
تراجع دعم اللاجئين السوريّين
ويلفت مهنّا إلى أنّ “موازنات النازحين السوريّين تراجعت كثيرًا خلال العام الحاليّ، والحديث عن أنّ التراجع بلغ ما بين 40 و60 في المئة، وفي العام المقبل سيكون التراجع أكبر”. أمّا عن أسباب هذا التراجع، فيوضح مهنّا أنّ “تعدّد الأزمات في العالم أدّت إلى توزّع أموال المانحين، وتسبّب في تراجع المساعدات ليس في ملف اللاجئين السوريّين فحسب، وإنّما في جميع المواقع التي فيها أزمات”. ويؤكّد أنّ “المساعدات التي جاءت بعد الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) محدودة جدًّا على الرغم من أنّ المنظّمات الدوليّة قامت بتحويل موازنات التنمية لديها إلى الطوارئ، إلّا أنّها جميعها مبالغ متواضعة”.
المفوّضيّة تنفي
في المقابل، نفت مفوّضيّة اللاجئين السوريّين في لبنان في اتصال أجرته “مناطق نت”، انتقال المساعدات المخصّصة للاجئين السورييّن إلى النازحين الجنوبيّين، مشيرةً إلى أنّ المساعدات لا تنتقل من جهة إلى أخرى بحسب حال طوارئ، فـ”هناك مساعدات سنويّة ودوريّة تبقى ثابتة وغير خاضعة لحال الطوارئ”. وتلفت المفوّضيّة إلى أنّ “ثمّة مساعدات أخرى تُصرف في حال حدوث حال طوارئ، وهذا النوع من المساعدات هو الذي جرى تقديمه في إطار الاستجابة الطارئة إلى الجنوب من تشرين الأوّل العام الماضي لغاية اليوم والتي شملت لبنانيّين وسوريّين”.
كامل مهنّا: تمّ تعديل تمويل البرامج، إذ كانت مخصّصة بنسبة 80 في المئة للسوريّين و20 في المئة إلى البنانيّين، فباتت بعد الحرب من 60 إلى 70 في المئة للبنانيّين ومن 30 إلى 40 في المئة للسوريّين
وتوضح المفوّضيّة أنّه “منذ بداية الأزمة في تشرين الأول 2023، دعمت المفوّضيّة النازحين، سواء من اللبنانيّين أو اللاجئين السوريّين، في جنوب لبنان بموادّ الإغاثة الأساسيّة، بما في ذلك أكثر من 34 ألف سترة شتويّة، و23350 حصيرة نوم، وغيرها من المساعدات”.
وتؤكّد المفوّضيّة أنّها “قامت وشركائها بتجهيز موادّ إغاثة طارئة أخرى لإرسالها في حال تصعيد الأعمال العدائيّة”. وأوضحت أنّ “خمسة وحدات سكنيّة توفر مأوىً جماعيًّا للعائلات النازحة تلقّت الدعم منها من خلال أعمال إعادة تأهيلها لتسهيل تأمين المياه للنازحين وإيواءهم بطريقة ترعى خصوصيّتهم”.
لا مراكز إيواء للسوريّين
ممّا لا شك فيه أنّ العدوان الإسرائيليّ على الجنوب ضاعف من معاناة السوريّين القاطنين في البلدات الحدوديّة، إلّا أنّ ذلك لم يُترجم “موجة” نزوح لهم، سواء إلى منازل أو إلى مخيّمات السوريّين الموجودة أساسًا في المناطق الخلفيّة. وهذا ما يؤكّده قشمر الذي يُشير إلى أنّ “السوريّين المتواجدين في القرى الحدوديّة التي لم تتأثّر في القصف، لم يغادروا تلك البلدات، فمثلًا في بلدة رميش، هناك عدد كبير جدًّا من السوريّين الذين ما زالوا يعملون في مجال الزراعة وتمكّنوا من إنقاذ موسم التبغ”.
كذلك يلفت قشمر إلى أنّ “النزوح السوريّ يمكن ملاحظته فقط في بعض البلدات التي تعرّضت لغارات مباشرة وسقط فيها شهداء سوريّين، مثل بلدة شمع، التي نزح عنها معظم السوريّين”. وعن وجهة النزوح، يقول قشمر: “في اليوم الأوّل بعد الغارة انتقلوا إلى المبيت في شارع الخطّ البحريّ إلى جانب مدينة صور، وفي اليوم التالي انتقلوا إلى مناطق أخرى اعتبروها أكثر أمانًا”.
ويوضح قشمر أنّ عدد النازحين اللبنانيّين المسجّلين نحو 27500 نازح، بينهم نحو ألف نازح في مراكز إيواء (مدارس)، بينما ينتشر الباقون في صور والبلدات المحيطة. ويؤكّد أنّه “في بداية الحرب، وصل نحو 100 نازح سوريّ إلى صور تمكنّا من تأمين مكان لهم في الأيّام الأولى، إلّا أنّنا لم نفتتح أيّ مركز إيواء للسوريّين”.
ويزيد “إنّ القيام بهذه الخطوة يفوق طاقتنا ولا يمكننا تحمّل هذه المسؤوليّة، ولو قمنا بذلك لكان عدد السوريّين أكثر من عدد اللبنانيّين النازحين”. ويلفت ختامًا إلى أنّ “عدد السوريّين في مراكز الإيواء قليل جدًّا وهم يتلقّون المساعدات عينها التي يحصل عليها النازحون الجنوبيّون”.