حسن غندور أسطورة فنّيّة غابت في عزّ عطائها
منذ طفولته تعلّق حسن يحي غندور (1925- 1978) بالموسيقى والغناء في مسقط رأسه النبطية الفوقا. كانت لعبته المفضّلة تصنيع الآلات الموسيقيّة عبر جمع الأوتار كيفما يحلو له للعزف عليها والغناء. ورث عن والديه الصوت الجميل، لكنّهما لم يشجّعاه، بل منعاه من الغناء، ما ولّد بينه وبين عائلته علاقة متوتّرة.
جاء إلى بيروت، وتحديداً إلى منطقة البسطة، ليدرس في مدرسة حوض الولاية حتّى سن الثالثة عشرة. بعدها توقّف عن الدراسة للخروج إلى العمل، في أعقاب وفاة والده، لتأمين قُوت عائلته. تنقّل حسن غندور بين مهن كثيرة، حتّى وصل إلى الموسيقى التي حلم بها، ودخل في العام 1946 إلى فرقة موسيقى الدّرك كعازف على الآلات النحاسيّة، وقد ساعده في الوصول إلى ذلك “الأخوان فليفل” اللذان كانا مسؤولين عن تلك الفرقة.
غير أنّ حسن المتمرّد على الوظائف والمراكز استقال بعد سنتين، ليلتحق بمدرسة الموسيقار عبد الغني شعبان، ودرس على يديه المبادئ العامّة لآلة العود، وتعرّف منه على قوالب الغناء العربيّ وكتابة النوتة، ليبدأ بعدها مشواره الفنّي انطلاقاً من الإذاعة السوريّة بصفة مطرب وملحّن في العام 1949. ثمّ راح يقدّم بعض الحفلات الغنائيّة عبر الإذاعتين السوريّة واللبنانيّة، وكانت تلك الحفلات تذاع على الهواء مباشرة، هكذا كان وضع الإذاعات العربيّة، أمّا التسجيل فكان بواسطة شركة “بيضا فون”.
سنة 1961 أصبح موظّفاً في الإذاعة اللبنانيّة شرط أن يقدّم أربعة ألحان شهريًّا. وفي إطار وظيفته هذه، كلّفه مدير الإذاعة كاظم الحاج علي (ابن النبطية) بإجراء مونتاج على الأغنيات الطربيّة الطويلة للسيّدة أم كلثوم، لتراوح مدّتها بين 25 و30 دقيقة.
حين انتحل صوت عبد الوهاب
كان الفنّان حسن غندور يتمتّع بصوت يشبه إلى حدّ كبير صوت محمّد عبد الوهاب، وكان شديد الإعجاب بألحانه وأفلامه، فهو كان يشاهدها ثلاث مرات يوميًّا، إلى أن يتمكّن من أغانيه والحوارات الملحّنة حفظاً تامًّا. هذا العشق لعبد الوهاب ترك أثره في ألحانه، وفي ما بعد تعرّف إليه وارتبطا بصداقة فنّيّة وإنسانيّة. يذكر لنا الفنّان عيسى حسن غندور عن علاقة والده بالموسيقار محمّد عبد الوهاب، فيقول: “كان عبد الوهاب يحبّ أن يسمع أعماله بصوت والدي. وكلّما جاء إلى بيروت، يقول: “هاتولي أبو علي”، إذ كان يلقّبه بـ”أبو علي” ويقول له: أنت عبد الوهاب اللبنانيّ؛ والملحّن عفيف رضوان (الجنّ اللبنانيّ)”.
التحق حسن غندور بمدرسة الموسيقار عبد الغني شعبان، ودرس على يديه المبادئ العامّة لآلة العود، وتعرّف منه على قوالب الغناء العربيّ وكتابة النوتة، ليبدأ بعدها مشواره الفنّي انطلاقاً من الإذاعة السوريّة بصفة مطرب وملحّن في العام 1949
يروي الفنّان عيسى غندور حادثة طريفة حصلت بين “المخرج المسرحيّ والإذاعيّ محمّد كريم في رحلة ذكرياته والمرحوم والدي ومحمّد عبد الوهاب، كان ذلك في صيف العام 1972، وكانوا يخطّطون لبرامج البثّ المباشر وتلقّي الاتصالات من المستمعين، وكانت هذه الفكرة تنفّذ لأوّل مرّة في لبنان والعالم العربيّ. علموا أنّ الموسيقار محمّد عبد الوهاب في لبنان، فصعدوا إلى فندق “بارك أوتيل” في شتورا، مقرّ إقامته، ليقنعوه بلقاء على الهواء. وهو الصعب في قبول مثل هذه المخاطرة، وهو الحريص كلّ الحرص على أجوبته الدقيقة.
رحّب محمّد عبد الوهاب بالفكرة ولكن بعد التهنئة طلب أن يسجّل اللقاء تسجيلاً في شتورا، فرضخوا للأمر وتمّ التسجيل ليُبث في فترة البرنامج المباشر، وليفاجأوا أنّ المذيعة ذكرت أنّ محمّد عبد الوهاب في الاستوديو وهو سيجيب على أسئلة المستمعين. طار صواب المخرج محمّد كريم من هذا الخطأ وأخذ يفكّر كيف السبيل للخروج من هذه الورطة، ليقع اسم حسن غندور في جدول الأغاني المقدّمة. فقال: “اتصلوا بحسن غندور” وذلك للشبه الكبير بين صوته وصوت الموسيقار محمّد عبد الوهاب وللصداقة التي تجمعهما. واتّصلوا بمحمّد عبد الوهاب ليطلعوه على الخطأ وللسماح بردّ الفنان حسن غندور من داخل الاستوديو بصوت محمّد عبد الوهاب على المستمعين. فوافق، وكان الحوار المفتوح مع المستمعين. وكان السرّ الطّريف الذي احتفظ به الثلاثة: محمّد عبد الوهاب ووالدي والمخرج محمّد كريم“.
ملحّن الكبار
بالرغم من عمره القصير في عالم الفنّ، فقد تمكّن حسن غندور من التلحين لكبار الأصوات في لبنان والعالم العربيّ، ولحّن جميع الأنواع والقوالب الموسيقيّة، من الطرب الشعبيّ والطقطوقة، والموشّح والمغنّاة والإسكتش والأغنية الوطنية. هو صاحب نشيد “يا شباب العرب هيّا” الذي لحّنه في إبان العدوان على مصر في العام 1956. كذلك لحّن النشيد الوطنيّ القطريّ الذي اعتُمد في الستينات.
غزت ألحانه إذاعات المشرق العربيّ ومغربه، وغنّى له أبرز المطربين والمطربات، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: نازك، سعاد محمّد، نجاح سلام، وديع الصافي، وداد، إيلي شويري، نصري شمس الدين، جوزيف ناصيف، فايزة أحمد، محمّد عبد المطّلب، عليا التونسية، شريفة فاضل، نور الهدى ومحمّد غازي.
هو المرح صاحب الجملة الموسيقيّة التي لا تشبه غيرها، ومن أعماله: “يا لطيف يا لطيف” لنجاح سلام، “لولا كلام الناس” لمحمّد عبد المطّلب، يا ليل خبرّني “لزكية حمدان”، “هذه النار” لنور الهدى، “نيّال قلبك” لنصري شمس الدين، “عمرلك عليه ودار” لإيلي شويري، و”ألف وردة ووردة ” لوداد.
الأرشيف الذي ابتلعته الحرب
عن أرشيفه الكبير يقول عيسى غندور: “دفعنا ثمن الحرب مثل جميع اللبنانيّين. كان منزلنا الكبير في برج حمّود في العام 1975، وقد حوّل والدي قسماً منه إلى ما يشبه استديو تسجيل، وفيه كلّ أعماله على شرائط (البكرات) الريل التي كانت رائجة في حينه. عند اندلاع الحرب مكث في الإذاعة اللبنانيّة في الصنائع، وأخرجنا الفنّان وعازف الإيقاع ستراك أنا وأخوتي وأمّي من المنزل وفقدنا كل شيء. تأثّر كثيراً حسن غندور من الحرب والتهجير ورحل باكراً. كان يعدّ الموشّحات ليشارك في إحدى مهرجانات تونس”.
من أعماله: “يا لطيف يا لطيف” لنجاح سلام، “لولا كلام الناس” لمحمّد عبد المطّلب، يا ليل خبرّني “لزكية حمدان”، “هذه النار” لنور الهدى، “نيّال قلبك” لنصري شمس الدين، “عمرلك عليه ودار” لإيلي شويري، و”ألف وردة ووردة” لوداد
بالرغم من رحيله المبكر عن 53 عاماً، ترك حسن غندور أعمالاً كبيرة في خزانة الموسيقى اللبنانيّة والعربيّة. كان نجماً متواضعاً وزاهداً بالمراكز والمناصب.. كان محبوباً وكانت هذه العبارة التي تسعده وترضيه: “هو اسطورة فنّيّة”، كما وصفه الملحّن حليم الرومي في مذكراته: “حسن غندور أسطورة فنّيّة، ثار على العادي والمألوف وهذا هو سرّ قوّته ومقدرته الفنّيّة. هو صاحب موهبة فنّيّة نادرة بجودتها وأصالتها، تمتاز ألحانه بالمرح والجمال. وبالرغم من عمره القصير في عالم النغم، فقد ترك بصمات واضحة في الأغنية اللبنانيّة والعربيّة بصورة عامّة”.
روابط للاستماع:
- ألف وردة وألف ووردة – وداد
https://www.youtube.com/watch?v=BuXEDL6mXiU
- من أجل حبك يا فؤادي- نور الهدى
https://www.youtube.com/watch?v=-FCHfvzMYvw
- يا لطيف يا لطيف – نجاح سلام