حصاد العام طلابياً ونقابياً.. لم تنجح 17تشرين لكنها هزّت الأرض تحت أقدام المنظومة الحاكمة
لم تكن نتائج الانتخابات الطلابية والنقابية التي أجريت في العام 2021 كما اشتهت رياح الثورة، فأصيبت بالكثير من النكسات في أكثر من محطة. وهي نتائج متوقعة ومحسوبة بالنظر للتراجع الذي أصاب ثورة 17 تشرين. لكن بالرغم من أن الثورة التشرينية لم تنجح بالإطاحة بالمنظومة الحاكمة وتحقق أهدافها، إلا أنها استطاعت أن تهز الأرض تحت أقدام تلك المنظومة وتقيد حركتها وتكشف عريها، وتزعزع أسس استقرارها وثباتها.
وإذا كانت الانتخابات النقابية والطلابية هي المقياس الذي نقيس به مفاعيل الثورة، فإن نتائج تلك الانتخابات التي حصلت خلال الأشهر التي تلت انطلاق شرارة 17 تشرين، أظهرت بما لا يقبل الشك فاعلية الثورة وزخمها. حيث تراجعت شعبية الأحزاب التقليدية إلى مستويات دنيا، مما أعطى فرصة للنقابيين الفاعلين والمستقلين ليتحدوا ويناضلوا لأجل تحرير نقاباتهم من الأحزاب التي حجمت دورها وألغت فعاليتها، ولإعادة تفعيل دور هذه النقابات وإحيائها من جديد.
الأحزاب تعيد ترميم صورتها
بعد انكفاء الأحزاب الذي أعقب الثورة التشرينية وتمرد نسبة من محازبيها على طروحاتها وسياساتها والانهيار المدوي الذي لحق بالبلد على الصعد كافة وانفجار المرفأ الذي دمر المدينة وخلف المئات من الضحايا، شهد العام 2021 محطات عدة حاولت خلالها الأحزاب ترميم صورتها واستنهاض قواها من جديد، وهو ما تجلى بوضوح في الذكرى الأولى لانفجار 4 آب حيث المزايدات السياسية والاستغلال الواضح من قبل الأحزاب للتسلق والاستفادة من المناسبة تجييشاً وتحشيداً.
البعض أراد الذكرى مناسبة لاعادة إحياء شعاراته التي مر عليها الزمن، واستحضار ماضيه الميليشياوي في محاولة لإعادة شد العصب، والبعض الآخر جعلها فرصة لاستعراض غاب فترة.
أما على مستوى الانتخابات الطالبية في الجامعات، فقد جاءت بعد مشهد دموي كان سبباً واضحاً لإعادة شد العصب الطائفي وإشاعة أجواء الانقسام شبيه ببدايات الحرب، والمفاجأة كانت أن أخصام الشارع اختلفوا جهارًا وتحالفوا سرًا مؤكدين مجددًا أنهم يدًا واحدة في مواجهة الشعب اللبناني متحدين في القضاء عليه وعلى مستقبله.
الدليل على ذلك ما حصل في الانتخابات التي أجريت في الجامعة اليسوعية بعد أيام معدودة على معركة الطيونة، حيث دعم طلاب حركة أمل لوائح القوات اللبنانية في كلية إدارة الأعمال. وبعدها توحدت قوى السلطة في لائحة واحدة في انتخابات نقابة المحررين حيث فازت بكامل أعضائها.
في مقلب آخر، وتحديداً في انتخابات نقابة أطباء الأسنان، لجأت قوى السلطة عندما استشفت أن النتائج في غير صالحها إلى استخدامات أكثر فعالية ووقاحة حيث أقدم أطباء حزب الله على تكسير صناديق الاقتراع أثناء فرز الأصوات. وكان سبق ذلك العمل تحريض كتائبي على عملية الفرز مما سمح بخلق جو من البلبلة والفوضى في القاعة.
القبض على النقابات
منذ التسعينيات ولعقود خلت، سيطرت الأحزاب الطائفية وبنجاح على الحياة السياسية في لبنان، وعلى العمل السياسي والاجتماعي إيمانًا منها بأهمية إبقاء النقابات والإتحادات العمالية والمجالس الطلابية تحت قبضتها، والتي قد تشكل الشرارة والانطلاقة لأي انتفاضة عليها كمنظومة حاكمة، وعلى سياساتها التي غابت عنها أي مبادرات إنمائية أو رعـائية، إلا إذا كانت تصب في خانة مصالحها. فأصبحت النقابات ومجالسها تنطق باسم الاحزاب التي تمثل، وتسوق لسياساتها ولبرامج عملها وخططها وبالتالي ممثلاً للسلطة بدل أن تمثل أفرادها وتعمل على حمايتهم والمطالبة بحقوقهم وتسعى لتحقيق الصالح العام.
وبهذه الطريقة ضمنت السلطة ولاء النقابات، وحالت دون وقوفها مع أي تحرك أو نشاط قد يشكل خطراً على مصالح تلك السلطة واستمراريتها.
الحقيقة الساطعة التي لا تحتاج إلى تأكيد، أن المنظومة بأحزابها وتياراتها لا تزال مستمرة بممارساتها المعتادة، غافلة عما أصاب لبنان واللبنانيين جراء سياسات الفساد والزبائنية وهدر المال العام التي امتهنتها طوال ثلاثين عامًا، متغاضية عن شراكتها في تدمير مستقبل آلاف الشباب وإغراق الشعب اللبناني في مآسي يومية نتيجة أعتى أزمة سياسية واقتصادية ومالية قد يتحملها مجتمع هش كالمجتمع اللبناني.
شبكة مدى
في المقابل أفق الحلول واضحة، وترتب علينا كفئات شبابية مسؤولية الانضواء في تنظيمات قاعدية جذرية تهدف لتعويم عقد اجتماعي جديد. في العام 2008 بادرت مجموعة من الطلاب والطالبات في الجامعة الأميركية في بيروت على الخطوة الأولى من هذا الخيار، وهي أن أسسوا نادي طلابي قائم على ثلاث مبادئ أساسية، وهي العلمانية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وأسموه النادي العلماني.
ومنذ ذاك الحين بدأت معركة محاولة إرساء عقد اجتماعي قائم على تلك المبادئ الثلاث، تأثرت هذه المعركة بالعديد من العوامل السياسية والاجتماعية، راكم هذا النادي الخبرات في العديد من المحطات والاستحقاقات وفي السنتين الأخيرتين نجحت “شبكة مدى” بالفوز بمواجهة مهمة من هذه المعركة حيث وسعت أفق المعركة الى جامعات لبنان كافة بالإضافة إلى العديد من المناطق وبعض القطاعات.
على الرغم من التراجع في المواجهات الأخيرة خلال الأشهر الفائتة، إلا أن المعركة مع هذا النظام طويلة ومستمرة، والمطلوب هو التنظيم القاعدي والحضور في جميع ساحات الاشتباك مع النظام أينما حلت، فعلينا كفئات شبابية الصمود والاستمرار في سبيل إنجاح نضالنا التحرري بوجه هذا النظام القاتل.