“حقّي أورث”: لإعطاء المرأة حقّها وتمكينها اقتصاديًّا

في العام 2018، وبعد أن أطلقت حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، حول حقّ المرأة بالإرث، والتي لاقت تأييدًا كبيرًا على مساحة منطقة البقاع بخاصّة ولبنان بعامّة، استطاعت الدكتورة علوم عودة ابنة بلدة الخضر البقاعيّة أن ترسيَ فكرتها الحلم وتقوننها رسميًّا من خلال الحصول على “العلم والخبر” سنة 2023، فكانت “جمعيّة حقّي أورت”.
لم يكن إنجاز الدكتورة علوم يتيمًا، فقبل هذا التاريخ، كانت عودة قد خَطَت أولى خطواتها نحو تعزيز دور المرأة من خلال إطلاق مشروعٍ بعنوان “شغل ديّاتي” والذي هدف إلى تفعيل قدرات المرأة البقاعيّة في مجال صناعة المؤونة البيتيّة، والترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، إذ لاقى هذا المشروع تجاوبًا كبيرًا، من قِبل نساء منطقة البقاع الأوسط، اللواتي استطعن أن يقمن بصناعة بعض الموادّ الغذائيّة، وبيعها عن طريق صفحة “شغل ديّاتي”، ما انعكس إيجابًا وارتياحًا اقتصاديًّا لديهنّ.
الفكرة والهدف
لم تأتِ فكرة عودة من ترفٍ انثويّ، أو انقلابًا على ما هو صحّيِّ قائمٍ، إنّما جاءت تصحيحًا لمسارٍ خاطىءٍ موروثٍ، بحكم العرف أو التقليد، الخالي من الحقّ الذي تُحرم المرأة فيه من حقوقها الطبيعيّة على امتداد زمنٍ طويل.
ولهذا أرادت عودة أن تعمل على تصويب مفهوم القابضين على هذا الحقّ، وتطلق فكرتها في فضاء الحقيقة، والسير وفق المنطق الإنسانيّ لتحقّيق العدالة، في ما خصّ ميراث المرأة، عن طريق إنشاء “جمعيّة حقّي أورت”، والعمل الدؤوب لترسيخ حقّ المرأة بالإرث، مثل الرجل تمامًا كما تقول لِـ “مناطق نت”.

تمكين المرأة اقتصاديًّا وجعلها مستقلةً في احتياجاتها الماديّة، هو الهدف الأساس لِـ “جمعيّة حقّي أورت”، كون الاستقلاليّة المادّيّة لها، تدخل في صلب تكوين شخصيّتها الاقتصاديّة وبالتالي الاجتماعيّة، وهذا ما يعزّز موقعها ودورها الفاعل والمنتج في الحياة، تبعًا للظروف والتغييرات التي قد تطرأ على حياتها. من هنا ترى عودة “من الضروريّ أن تتمكّن المرأة اقتصاديًّا لتثبت ذاتها، على أنّها عنصر فاعل داخل الأسرة والمجتمع، لها ما للرجل وعليها ما عليه، ولجعلها قادرةً على مواجهة الحياة، إن كانت بمفردها في ظروفٍ ما دون خوفٍ، وهذا ما يعزّز انتماءها إلى ذاتها”.
والجمعيّة أيضًا، “تتدخّل أحيانًا، في حلّ بعض الأزمات الاجتماعيّة عبر تقديم مساعدات غذائيّةٍ إلى عدد من الأسر المحتاجة وذلك من خلال الدعم المادّيّ من الأمم المتّحدة للنساء وبعض المنظّمات الدوليّة”، وتشير عودة إلى أنّ “عمل الجمعيّة انطلق بدايةً من قرية الخضر وجوارها، ثمّ راح يتوسّع تدريجًا حتّى شمل منطقة بعلبك الهرمل بأكملها”.
المشاريع المنجزَة أخيرًا
نفّذت الجمعيّة أخيرًا، 10 مشاريع تتعلّق بقضايا الإرث وتمكين المرأة اقتصاديًّا، من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ وإجراء دوراتٍ تدريبيةٍّ في مركز الجمعيّة وخارجها، وأيضًا من خلال المسرح الذي تدرّب عليه عدد من المتطوّعين الشباب، إذ يقوم فريق الجمعيّة المكوّن من عددٍ متواضعٍ من الأفراد غالبيّتهم من النساء، ومعظمهم متطوّعون، بمهامّ كثيرةٍ في خدمة أهداف الجمعيّة، عن طريق المشاركة في الأنشطة المتعدّدة والتي تشمل مساحة المنطقة. كذلك تشبّك الجمعيّة مع منظّماتٍ أخرى لتقديم الدعم النفسيّ والحماية للمتضرّرين من العنف القائم على النوع الاجتماعيّ.
أمّا المستفيدون من أنشطة الجمعيّة، فهنّ النساء بشكلٍ أساس وعوائلهنّ، بالإضافة إلى طلّاب، كونهم جيل المستقبل التي يعوّل عليه المنزل والمجتمع والوطن.
نفّذت الجمعيّة أخيرًا، 10 مشاريع تتعلّق بقضايا الإرث وتمكين المرأة اقتصاديًّا، من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ وإجراء دوراتٍ تدريبيةٍّ في مركز الجمعيّة وخارجها
نطاق العمل
تعمل “جمعيّة حقّي أورت” حاليًّا، في نطاق منطقة بعلبك الهرمل، وهي تطمح بحسب رئيستها ليتوسّع نطاقها وتشمل كلّ لبنان والدول العربيّة كون هدفها الرئيس المرأة وهو عنوان شامل.
وفي هذا الإطار تقول عودة: “تتلقّى الجمعيّة على الدوام طلبات من داخل لبنان، ومن خارجه، من أجل فتح فروعٍ لها في هذه المناطق، وقد جرى تأسيس “صفحة توعية لسوريّا” منذ قرابة ثلاثة أشهرٍ، وحاليًّا يجري التخطيط للعمل في مصر، من أجل نقل الخبرات الخاصّة بأهداف الجمعيّة”.
وتؤكّد عودة بأنّ “قضيّة الإرث الخاصّ بالمرأة لم تُطرح سابقًا من قبل على أيّ صعيد، وهي القضيّة الأولى في المعيار الاجتماعيّ الذي يحفظ للمرأة شخصيّتها وحضورها”. لذلك “تفرّدت جمعيتنا بطرح هذا الموضوع متبنّيةً العمل الدائم لترسيخ جدّيته وأحقّيته لدى المجتمعات التي تعمل إمّا لإخفائه، أو من أجل تجاهله، بسبب العقليّة الذكوريّة المتحكّمة عند بعضهم”.

آمال وأمنيات
تأمل الدكتورة علوم عودة أن “تثمر جهودنا، التي لن تتوقّف، نجاحًا في إلغاء العادات المقيتة التي تحرم المرأة في مجتمعاتنا من حقوقها الطبيعية، كذلك نأمل أن تتوحّد قوانين الإرث لتحقّيق العدالة والمساواة بين النساء كي يعشنَ حياتهنّ بكرامةٍ دون الحاجة إلى أحدٍ.”
وترى أنّه “من الواجب أن تحصل المرأة على حقّها بالمشاركة في الحياة السياسيّة إلى جانب الرجل، وألّا ينحصر هذا الحق بالرجل فقط؛ فالعمل المشترك في مختلف ميادين الحياة يقوّي دعائم المجتمع والوطن وينهض بالحياة الاجتماعيّة والوطنيّة نحو الرقيّ والحضارة والتقدّم.”
وتختم عودة بتمنٍّ في أن تُشرك المرأة وتشارك، في العمل البلديّ من خلال الانتخابات البلديّة المقبلة “لكونها ستضيف حياةً جديدةً إلى هذا القطاع لا سيّما إذا كانت من ذوات الكفاءة والجدارة في ميدان معيّن”.