حولا تطفئ حرائق الحرب بوسائل بدائيّة وهمّة أبنائها
تفتقر معظم القرى الحدودية في الجنوب وقرى الأطراف بشكل عام إلى خدمات كثيرة، منها مراكز الدفاع المدني وسيارات وفرق الإطفاء، على الرغم من تعرّضها الدائم للحرائق، خصوصًا خلال فصل الصيف، ويعود السبب إلى غناها بالأحراج والمناطق الزراعيّة. من هذه القرى حولا المحاذية لفلسطين المحتلّة، والتي تتمتّع بموقع جميل، وتتميّز بثروة حرجيّة لا يستهان بها تعتبر أكبر المساحات في محيطها المجاور، بما لا يقلّ عن ألفي دونم، وتتنوّع بين أشجار سنديان معمّرة دائمة الاخضرار، وملّول وارف الظلال، وعجريم وزنزلخت خشبهما قوي عصي على التسوّس.
يستدعي ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي اليوم، من قصف متعمّد للأحراج بهدف إحراق المساحات الخضراء فيها، دقّ ناقوس الخطر وإطلاق النداء من أجل تضافر الجهود لإنقاذ هذه المناطق الحرجيّة التي تعتبر بالغة الأهمّيّة لبلدة حولا وللمنطقة برمّتها.
فمن خلال القصف بالقذائف الفوسفوريّة والحارقة يتعمّد العدو الاسرائيلي إشعال الأحراج، وفق خطّة ممنهجة لأهداف عسكريّة، ويتقصّد حرق الأشجار المعمّرة كجزء من خطته لمحو ذاكرة أهل القرى وطبيعتها المميّزة، وكذلك يهدف من خلال حرق أشجار الزيتون والمحاصيل والحقول الزراعيّة إلى تهجير أكبر عدد من الأهالي، خصوصًا الفلّاحين والمزارعين والرعاة، وهم من الفئات الأكثر التصاقًا بالأرض والتراب والتعلّق ببلداتهم، وبذلك يسعى إلى تفريغ تلك القرى من أهلها كلّيًّا.
لهذه الأسباب وغيرها تعمل مجموعة من شباب حولا على إحياء وتفعيل المطلب القديم، وهو تأمين سيارة إطفاء للبلدة، وهو ما تمّ البدء به، حيث بُوشر بجمع التبرّعات لتحقيق ذلك، بعدما تعذّر إيجاد سبيل آخر لتأمينها من قبل الدولة ومؤسساتها، في ظل الأوضاع الصعبة، والأزمة الاقتصادية والسياسية التي يعيشها البلد.
بلدية حولا
“البلدية ترحب بكل مبادرة تعود بمصلحة للبلدة”. يقول رئيس بلدية حولا شكيب قطيش لـ “مناطق نت”. ويتابع: “أتمنى على أصحاب المبادرة تنظيمها وإشراك الجميع بها، لكي تحقق المطلوب منها”. قطيش عرض لما كانت البلدية قد قامت به سابقًا في هذا المجال، حيث أمّنت مبنىً كاملًا خصّصته كمركز للدفاع المدني، واستحصلت على موافقة الجهات الرسمية عليه وعلى تجهيزه، وكانت بصدد افتتاحه لولا الظروف الحالية المستجدّة، وأنّ “البلدية ما زالت تعمل على المشروع، الذي يتكامل مع موضوع سيارة الإطفاء، وكذلك مع حاجات أخرى للبلدة مثل سيارة إسعاف وسيارة لنقل الموتى، وغير ذلك من مطالب ملحة حالت الحرب دون تحقيقها”.
يقول أحد الذين أحيوا هذا المطلب القديم المتجدّد للبلدة أياد ياسين لـ “مناطق نت”: “أن الهدف الأساسي هو مصلحة البلدة فقط، لأنّنا ما زلنا نطفئ الحرائق بوسائل بدائية بسيطة”.
يشاطر ياسين الناشط سهاد قطيش فيقول لـ “مناطق نت”: “إنّ المطلب قديم، واليوم بسبب الحرب زادت الحاجة إليه، ونحن نعمل على شراء آلية إطفاء حديثة، بمواصفات جيدة، ونستشير من أجل ذلك أشخاص من ذوي الخبرة في هذا الموضوع، وسنعمد على تشكيل لجنة من أشخاص موثوقين، لاستقبال التبرعات التي بدأت تأتي تباعًا من الخيّرين، وأصحاب النخوة من أهل البلدة ومن قرى أخرى أيضًا”.
تعمل مجموعة من شباب حولا على إحياء وتفعيل المطلب القديم، وهو تأمين سيارة إطفاء للبلدة، وهو ما تمّ البدء به، حيث بُوشر بجمع التبرّعات لتحقيق ذلك، بعدما تعذّر إيجاد سبيل آخر لتأمينها من قبل الدولة ومؤسساتها
من جهته يؤكّد الناشط صادق قطيش أن الحاجة قوية لسيارة إطفاء، ويقول لـ “مناطق نت” أنه يذهب مع آخرين بسياراتهم لإطفاء الحرائق مما يعرضهم لخطر القصف.
جهود متضافرة
يعمل أبناء حولا يدًا واحدة في مواجهة الحرائق التي تطال بلدتهم في السلم وفي الحرب، وهذا مطلب حيوي وضروري، ليس لحولا فحسب، بل لكافة القرى والبلدات التي تتعرض لاعتداءات مستمرة على أحراجها وكرومها ومناطقها الزراعية.
يبقى غياب الدولة الحاضر الأبرز في معاناة هذه البلدات، المغيّبة عن الحد الأدنى من اهتمامات المسؤولين، الذين لا يحركون ساكنًا، تجاه حاجات ناسهم، وأهمها الحفاظ على ما تبقى من ثروة حرجية ومزروعات، وبيوت هي عنوان صمود الأهالي وثباتهم في أرضهم، وكذلك تحفيزهم على العودة المأمولة.
الحرائق.. أسباب متعدّدة
الظروف التي تمرّ بها حولا حاليًا استثنائية، لناحية حجم الدمار والخراب اللذان تتعرض لهما، وأيضًا الحرائق التي تهدّد أحراجها، وهذا يستدعي تضافر الجهود لكي يكون فيها، كما في كل قرية، مركزًا للدفاع المدني وسيارة للإطفاء، من أجل حماية هذه الاحراج من الحرائق المتكرّرة، والتي تحصل من حين لآخر، خصوصًا في فصل الصيف، حيث يساعد يباس العشب على سرعة الاحتراق، وكذلك وجود حولا على تلال عدًة، بينها وديان تعتبر مجرى دائم لتيارات هوائية، تنطلق من الغرب إلى الشرق، وهو الإتجاه الغالب للرياح في المنطقة، مما يساعد في سرعة انتشار أي حريق، ولو كان صغيرًا.
بعيدًا عن القصف المتعمد الذي يتسبب بحرائق الأحراج حاليًا، كثيرة هي الأسباب التي تؤدي إلى اشتعال الحرائق وتمدّدها، منها عبث العابثين والجاهلين ومحبّي الأذيّة، ومنها ما يفتعله جامعي وتجّار الحطب وأصحاب المشاحر، الذين يصنّعون ويبيعون الفحم، ومنها غير المفتعل الناتج عن بقايا جمر أو شرارات نيران صغيرة، يشعلها الفلاحون والمزارعون، بقصد حرق العشب الضار واليابس، فتغلبهم النيران ولا يعود باستطاعتهم إخمادها، وهناك ما يخلّفه الصيّادون والمتنزّهون في مواقد الشواء وغيرها .
غطاء أخضر مميز
تضم المناطق الحرجية في حولا إضافة إلى السنديان والملول، أشجار مثمرة ومفيدة مثل الخرّوب والغار (الغوردل) والبطم والزعرور، وأنواع نادرة من الأشجار المهدّدة بالانقراض مثل الشبرق” و”اللِّبنة” اللتان تتميزان بأزهارهما الجميلة، كذلك السرو والشربين والحور والوزّال والدفلى إضافةً إلى الكينا والصنوبر وغيرها الكثير من أنواع الأشجار.
تعتبر هذه التشكيلة الواسعة والمتنوعة من الأشجار التي تضمها المناطق الحرجية في حولا، بمثابة الرئة التي تتنفس منها البلدة، وهي بما تضمّه من غطاءٍ أخضر طبيعي، تشكل موئلًا مهمًا للطيور لكي تبني أعشاشها فيها، ومكانًا للحيوانات لتحتمي بها، كما أنّ أزهارها البريّة، تعتبر مراعٍ طبيعية مهمّة للنحل لا غنى عنها، بالإضافة إلى أنها تشكّل وجهة ومتنفس ومتنزّه قريب وواسع للأهالي.
تشكّل أحراج حولا امتدادًا طبيعيًا لأحراج واديي السلوقي والحجير وأحراج طلّوسة ومركبا وبني حيّان وشقرا والمجدل وهونين والمنارة وميس الجبل.
إضافة إلى الأحراج ما زالت حولا تعتمد في جزء كبير من معيشة أهلها، على الزراعة وخاصةً التبغ والحبوب وأهمها القمح، وكذلك تضم أراضيها مساحات كبيرة من الكروم، خصوصًا الزيتون والتين والعنب، وبدرجة أقل اللوزيات وغيرها، إضافةً إلى حدائق المنازل ونباتات وأشجار الزينة.