خسائر الحرب: 5 أرقام متناقضة تحكمها أجندات سياسية
قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار الأربعاء الـ 27 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، طُرح كثير من الأسئلة تحت عنوان “ماذا عن اليوم التالي؟”. لكن بعد سريان وقف إطلاق النار وتأرجح تلك الأسئلة بين اليومين الأوّل والتالي، نظرًا إلى الخروقات الإسرائيليّة الكبيرة للاتفاق المعقود برعاية أميركيّة وفرنسيّة، يمكن القول إنّنا دخلنا في أتون لعبة الأرقام وتقدير الخسائر الاقتصاديّة وكلفة الأعمار، والتي تتوزّع وتتضارب بين المعنيّين.
فاجأ وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام اللبنانيّين في تصريح له، حول تقديراته لحجم الخسائر الناتجة عن الحرب الإسرائيليّة، وقال إنّها ترواح بين 15 و20 مليار دولار أميركيّ.
رأي سلام لم يتطابق مع أرقام البنك الدوليّ، الذي قدّر خسائر الحرب بنحو ثمانية مليارات و500 مليون دولار، تتوزّع بين خسائر مادّيّة 3.4 مليار دولار، واقتصاديّة بنحو 5.1 مليار دولار.
خمسة أرقام مختلفة
يوضح الباحث في الدوليّة للمعلومات محمّد شمس الدين أنّ الأرقام الصادرة، هي تقديرات أوّليّة، تحكمها أجندات سياسيّة، وهي خمسة أرقام مختلفة لخسائر الحرب. يتابع لـ”مناطق نت”: “الرقم الأوّل يتراوح بين أربعة وخمسة مليارات دولار، وهو ما يتبنّاه حزب الله، وذلك للتقليل من حجم الخسائر. أمّا الرقم الثاني، وتتبنّاه الجهات المؤيّدة للعدوان الاسرائيليّ، والتي تقول إنّ الأخير لم يقم بتدمير لبنان بشكل كبير، ويقدّر حجم الأضرار بنحو خمسة مليارات دولار.
يكمل شمس الدين، “الرقم الثالث يتبنّاه خصوم حزب الله، وذلك لتكبير الخسائر وكلفة الإعمار، فيقدّرونها بين 18 مليارًا و20 مليارًا. أمّا الرقم الرابع، فهو الصادر عن الجهات الرسميّة، التي تسعى إلى تضخيم الأرقام من أجل الحصول على مساعدات أكثر. وفي الخلاصة إنّ جميع الأرقام تنطلق من أجندات ومواقف سياسيّة”.
يبقى الرقم الخامس وهو ما يقوم به شمس الدين من توثيق، وظهر خلال الشهرين الماضيين، بناء على المعلومات المتوافرة في الصحف والوسائل الإعلاميّة.
يفنّد شمس الدين الأضرار وفق تواريخ محدّدة على الشكل الآتي: “منذ الثامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023 وحتى الـ 16 من أيلول (سبتمبر) الماضي، لم تتجاوز قيمة الأضرار ثلاثة مليارات و860 مليون دولار أميركيّ. ومنذ الـ 17 من أيلول الماضي وحتى الـ 15 من تشرين الثاني الماضي، فتقدّر قيمة الأضرار بأربعة مليارات و950 مليون دولار”.
يتابع شمس الدين “بالنتيجة التقدير هو نحو ثمانية مليارات دولار، مقسّمة بين خسائر اقتصاديّة هي خمسة مليارات دولار، وخسائر في الأبنية والمساكن والطرقات بنحو ثلاثة مليارات دولار”. يجري كلّ ذلك “في ظلّ غياب أيّ إحصاء ومسوحات رسميّة، إذ كلّ جهة تتبنّى الرقم الذي يناسبها، والأرقام في تجاذب مستمرّ” بحسب شمس الدين.
220 ألف وحدة سكنيّة
يقدّر شمس الدين عدد الوحدات السكنيّة المتضرّرة بـ 220 ألف وحدة، تتوزّع بين أضرار كلّيّة وأخرى جزئيّة، تصل كلفة إعمارها إلى حدود أربعة مليارات و950 مليون دولار.
يقدّر شمس الدين عدد الوحدات السكنيّة المتضرّرة بـ 220 ألف وحدة، تتوزّع بين أضرار كلّيّة وأخرى جزئيّة، تصل كلفة إعمارها إلى حدود أربعة مليارات و950 مليون دولار.
ويشير شمس الدين “منذ بداية اندلاع الحرب في الثامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) العام الماضي بلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة قرابة 4 آلاف وحدة سكنية، في حين وصل العدد في الشهرين المنصرمين، إلى 46 ألف وحدة سكنية، 30 ألف منها غير صالحة للسكن، و45 ألف أضرارها طفيفة”.
ويلفت شمس الدين إلى أنّ الأرقام الصادرة عنه هي تقديرات أوّليّة تصل نسبتها إلى 70 في المئة، إذ قام بوضع مؤشّر لكلفة إعادة إعمار الوحدة السكنيّة الواحدة المدمّرة وتبيّن أنّها تصل إلى نحو 60 ألف دولار.
يشرح شمس الدين عن كلفة إعمار الوحدة السكنيّة فيقول: “بكلفة حسابيّة تقديريّة، لمتوسّط بناء شقّة مساحتها 200 متر، فإنّ كلفة المتر المربّع الواحد هي 300 دولار أميركيّ، وهي أدنى كلفة متوقّعة للبناء، في حين تقدّر كلفة تجهيز المنزل وفرشه بـ15 ألف دولار”.
من جهة ثانية تُوضح أرقام شمس الدين، أنّ الأضرار في البنى التحتيّة جرّاء العدوان الحاليّ هي أقلّ من “حرب تمّوز (يونيو)”، والسبب وفق شمس الدين يعود إلى مسار الحرب الذي اختلف هذه المرّة لناحية أهداف العدوّ الذي اتّجه إلى تدمير المنشآت أكثر من غيرها. وأشار شمس الدين إلى أن كلفة أضرار البنى التحتيّة للعدوان الحالي لا تزيد على 580 مليون دولار، بينما بلغت في العام 2006 نحو 900 مليون دولار.
تراجع اقتصادي 50 بالمئة
يقدّر شمس الدين الخسائر الاقتصاديّة طوال فترة الحرب بثلاثة مليارات و860 مليون دولار، وهي ناتجة عن الانكماش الاقتصاديّ. يستند شمس الدين إلى ذلك وفق الآتي “إنّ حجم الاقتصاد اليوميّ هو 60 مليون دولار”. يتابع “في المرحلة الأولى من الحرب، تراجع الاقتصاد بنسبة 10 في المئة، أمّا في المرحلة الثانية، فتراجع بنسبة 50 في المئة، أيّ نحو 30 مليون دولار، وبالتالي على مدى 60 يومًا يتبيّن أنّ قيمة الخسائر هي مليار و800 مليون دولار.
الإسكان: قروض للترميم بدعم خارجيّ
إلى اليوم، لم تتضّح معالم مسار آليّة إعادة الإعمار والجهات التي ستموّلها، ففي الوقت الذي تتضارب فيه الأرقام والصلاحيّات، يغرّد كلّ مسؤول على حدة، إذ أثارت تصريحات رئيس مجلس الإدارة، المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب بلبلة إعلاميّة إذ أعلن “أنّه على استعداد للتعاون مع الجمعيّات الأهليّة التي ستعتمدها الأمم المتّحدة لتقديم المساعدات إلى لبنان من أجل إعادة إعماره”.
حول ذلك يوضح حبيب لـ”مناطق نت”، طبيعة تصريحاته، فيقول “إنّ الصندوق العربيّ للتنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة أعطى مصرف الإسكان على الرغم من جميع الظروف التي نمرّ بها، قرضًا للبناء والإسكان في جميع الأراضي اللبنانيّة، موجّه لذوي الدخل المحدود، وذلك بدءًا من أوّل أيلول. هذا القرض قيمته 165 مليون دولار أمريكيّ، وقد تمّ استلام الدفعة الأولى منه”.
يتابع حبيب: “نحن حاضرون كمصرف إسكان بعدما تحقّق الصندوق العربيّ الذي يتمثّل بجميع الدول العربيّة من وضعنا الماليّ والإداريّ وسلامة هذا المصرف، إعطاء قروض جديدة، وقد طلبنا بواسطة مجلس الوزراء قرضًا من صندوق أبو ظبي، ومن صناديق أخرى في الكويت وغيرها، ووضعنا أنفسنا في التصرف في حال قرّرت المؤسّسات العربيّة من خلال قمّة باريس أو من خلال قمّة الرياض أو من مشاريع مساعدات للبنان، ونحن متواجدون، لكي نساعد في عمليّة إعادة الإعمار من خلال القروض التي سوف يحصل عليها لبنان”.
اللافت أنّ القروض التي يتحدّث حبيب عنها، لا علاقة لها بالحكومة اللبنانيّة، أو الهبات التي من الممكن أن تذهب إلى الحكومة، أو التي من الممكن أن تنفّذ بواسطة الهيئة العليا للإغاثة. وفي هذا الإطار يوضح حبيب أن “القروض تحتاج إلى مؤسّسات مؤهّلة كي تستطيع القيام بهذه المهمّة، ونحن أبلغناهم أنّ هناك ثقة كبيرة بمصرفنا بشهادة الصندوق العربيّ الدوليّ، ونحن مؤهّلون للقيام بهذا الدور من خلال القروض التي سوف تصل إلى لبنان بواسطة الأمم المتّحدة أو بواسطة الصناديق العربيّة”.
عن قيمة القروض التي من الممكن أن تراوح ما بين 40 و50 ألف دولار أميركيّ، وما إذا كانت كافية لذوي الدخل المحدود من أجل إعادة إعمار وحداتهم السكنيّة، يقول حبيب “بالطبع ليس بمقدور جميع المواطنين أن يعيدوا بناء أو ترميم وحداتهم السكنيّة، إن كانت في وسط بيروت أو صيدا أو طرابلس أو زحلة أو النبطية، لكنّ هذا ممكن في الأرياف والقرى، حيث يستطيع هؤلاء أن يشتروا أو يرمّموا، في النتيجة نحن نهدف إلى إبقاء اللبنانيّ في أرضه وعودة النازحين إلى قراهم”.
حبيب: نحن حاضرون كمصرف إسكان بعدما تحقّق الصندوق العربيّ الذي يتمثّل بجميع الدول العربيّة من وضعنا الماليّ والإداريّ وسلامة هذا المصرف، إعطاء قروض جديدة
إعادة الإعمار غير محسومة؟
من جهته يشير الصحافيّ الاقتصاديّ علي نور الدين، إلى أنّ موضوع إعادة الإعمار، غير محسوم والدولة لم تصل بعد إلى خلاصة فيه. يعرض نور الدين لـ”مناطق نت”، عمليّة إعادة الإعمار في حرب تمّوز 2006 فيقول: “آنذاك كانت هناك صيغة لكلفة الإعمار خاصّة بمناطق الضاحية والجنوب ضمن إطار وسياسة معيّنة، إذ كان التوجّه العربي داعمًا في حينه، أمّا اليوم فهناك حديث عن مساهمة إيران، وهو لا يزال مجرّد كلام حتّى الآن”. يتابع نور الدين “واقعيًّا لن تستطيع إيران وحدها تحمّل كلفة إعادة الإعمار، نظرًا إلى الكلف المرتفعة جدًّا، إذ يجب أن يكون هناك شركاء دوليّون وأسس معيّنة”.
يردف نور الدين “هناك أحاديث عن مساعدات خارجيّة، لكن لم يتمّ الإفصاح عنها حتّى اليوم، وهذا يتعلّق بالدول المانحة التي ربّما تضع شروطًا للمساعدة مثل السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة”.
أمّا في ما يتعلّق بتقديرات حزب الله لحجم الأضرار والإعمار، فيشير نور الدين إلى أنّ “هناك متابعة كبيرة حتّى الآن، وهناك تحديث لتقديراتهم بشكل دوريّ، وهذه التقديرات مماثلة لأرقام البنك الدوليّ”. لافتًا إلى أنّ “مسألة متابعة الدولة والتقديرات العامّة الصادرة عن مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة ليست دقيقة. فحزب الله عبر (جهاد البناء)، يعتمد على مسوحات جوّيّة ومعطيات على الأرض”.