خسائر المزارعين في بعلبك جسيمة وغياب تام للتعويضات
“عانينا كتير وعشنا بالخطر وغامرنا أكثر من اللُّوزم، ورغم هيك ما قدرنا نشيل شي من الرزق”، بهذه العبارة يختصر المزارع من بلدة الطيبة البقاعيّة، علي زين الدين، وضعه خلال الحرب المدمّرة التي لم تقتل البشر وتدمرّ الحجر فحسب، بل قضت على المواسم الزراعيّة وكان لها تداعيات خطيرة على القطاع الزراعيّ في بعلبك الهرمل التي تعرّضت لـ 762 اعتداءً إسرائيليًّا، أدّت إلى خسائر جسيمة في القطاع الذي لم يتماثل حتّى الآن إلى الشفاء.
ووفقًا للمركز الوطنيّ للمخاطر الطبيعيّة والإنذار المبكر، فقد تبيّن أنّ التقدير الأوّليّ للأراضي المتأثّرة جرّاء العدوّان الإسرائيليّ في منطقة بعلبك الهرمل شملت 32 في المئة من المحاصيل الزراعيّة، و27 في المئة من الأشجار المثمرة، و36 في المئة من أشجار الزيتون، و29 في المئة من الكروم، و34 في المئة من الخيم البلاستيكيّة.
خسائر جسيمة
يلفت زين الدين، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّه يزرع سنويًّا 200 دونم من الكوسى والبندورة والفليفلة والكمّون وغيرها من المزروعات. ويُشير إلى أنّ “الحصاد في تلك المحافظة يتأخّر عن منطقة البقاع الغربيّ، إذ عادةً ما يبدأ الإنتاج لدينا بعد الـ 10 من أيلول (سبتمبر) من كلّ عام، وقد بدأ موسمي تحديدًا في الـ 20 من أيلول الماضي، أيّ قبل توسّع الحرب بنحو خمسة أيّام”.
ويؤكّد زين الدين أنّ “الحصاد يكون في بدايته بطيء، وبالتالي لم نتمكّن خلال هذه الأيّام القليلة من حصاد سوى كمّيّة قليلة جدًّا، وحاولنا خلال الحرب حصد المزروعات ولكنّ العمّال كانوا لا يعملون سوى لساعة أو ساعتين، ومن ثمّ يهمّون بالمغادرة نتيجة سماعهم دويّ الغارات”، مضيفًا “ما زاد الوضع سوءًا أنّ الخضار لا تحتمل التأجيل، فإذا تأخّرنا بحصدها سرعنا ما تتلف”.
يُقدّر زين الدين خسارته تبعًا لحسابات بسيطة كالآتي: “زراعة دونم الأرض يُكلّف ما بين 800 دولار وألف دولار، وذلك بحسب نوعيّة المزروعات، لكنّني لم أتمكّن من تحصيل أكثر من 100 دولار عن كلّ دونم، وبالتالي فإنّ خسارتي تراوح بين 130 إلى 140 ألف دولار”. ويشير زين الدين إلى أنّ خسائره لم تقتصر على الزراعة، إنّما تعدّتها إلى منزلي الذي أصابه تدمير جزئيّ نتيجة غارة وقعت بالقرب منه”.
أمام كل هذا، لم يتمكّن زين الدين من العودة إلى زراعة أرضه مجدّدًا بعد انتهاء الحرب، بسبب عدم وجود قدرة مادّيّة “وعلييّ ديون للعمّال ولبائع المواد الكيماويّة ولضمان الأرض”.
غياب التعويضات
وفي ما يتعلّق بالتعويضات، يؤكّد زين الدين أنّه قام “بتعبئة استمارة على موقع وزارة الزراعة وما زلت منتظرًا، وتابعت مع مهندس مُكلّف من قبل الوزارة بالكشف على الأضرار، فأبلغني بأنّه ينتظر توجيهات الوزارة ليأتي ويكشف على أرضي”. إلى ذلك يستغرب زين الدين التأخّر في الكشف على الأضرار ويشير إلى أنّه “مرّ على انتهاء الحرب نحو شهرين”، ويردف قائلًا “بجميع الأحوال قمت بتصوير الأضرار”.
أمّا في ما يتعلّق بالتعويضات التي يقدّمها “حزب الله”، فيلفت زين الدين إلى أنّه سمع “بأنّهم سيعوّضون على الأضرار المُباشرة فقط، ولكنّ أرضي لم تتعرّض لأضرار مباشرة وإنّما جرى القصف في محيطنا، لذا ننتظر قرارهم النهائيّ في هذا الصدد”.
زين الدين: سيعوّضون على الأضرار المُباشرة فقط، ولكنّ أرضي لم تتعرّض لأضرار مباشرة وإنّما جرى القصف في محيطنا، لذا ننتظر قرارهم النهائيّ في هذا الصدد
ولا شكّ في أنّ قضيّة التعويضات تأخذ حيّزًا كبيرًا من اهتمام المزارعين، إلّا أنّ الحصول عليها يبدو أمرًا شائكًا. وهذا ما يؤكّده رئيس تجمّع المزارعين في البقاع، إبراهيم ترشيشي، إذ يعرب عن اعتقاده لـ “مناطق نت”، “بأنّه لن يتمّ إعطاء تعويض مباشر للمزارعين، بل سيكون التعويض غير مباشر مثل قروض ومساعدات عينيّة وغيرها”.
ويلفت ترشيشي إلى أنّه “لا يمكن لأحد أن يُقدّر خسائر القطاع، إذ إنّ معالم هذه الخسائر انتهت، فالمزارعون سرعان ما حرثوا الأراضي فور عودتهم من التهجير”، مضيفًا “باستثناء الجيش، لا أثق بأيّ جهة تقوم بتقدير الأضرار سواء الكمّيّات المزروعة أو قيمتها، فتاريخيًّا لم نقبض أيّ تعويضات، على رغم كلّ الكوارث والأضرار التي مرّت على القطاع، إلّا عندما قام الجيش بالتخمين”.
في السياق عينه، يشكو المزراع محمّد زعيتر، من بلدة الكنيسة البقاعيّة، في حديث لـ “مناطق نت”، غياب التعويضات، ويقول: “ما حدا عوّض علينا وما حدا عم يشعر بحدا، وما حدا أتى ولا سأل ولا كأن فيه شي بالمرّة”. ويلفت زعيتر إلى أنّه يزرع سنويًّا “نحو 100 دونم قمح و250 دونمًا من الشعير، كذلك يزرع بطاطا وخيار وكمّون، والنتيجة أنّ الموسم الشتويّ برمّته احترق خلال الحرب، إذ بلغت خسارتي نحو 100 ألف دولار”.
التهريب يزيد المعاناة
قصّة محمد لا تختلف كثيرًا عن قصة ابن بلدته، حسن عدنان زعيتر، الذي يوضح في حديثه لـ”مناطق نت”، أنّه “خلال الحرب كنت زرعت موسم خيار بكلفة أربعة آلاف دولار، ولكن لم نستطع أن نحصد سوى قطفتين وسرعان ما توسّعت الحرب في الـ 23 من أيلول الماضي، وقد بلغت خسارتي ما لا يقلّ عن 10 آلاف دولار. كذلك فإنّ هذا الموسم أتّكل عليه خلال فصل الشتاء بحيث أُجمّع الأموال لصرفها خلال فصل الشتاء”.
زعيتر الذي يزرع أنواعًا عدّة من الخضار مثل البصل والبطاطا والخسّ والشعير والقمح وغيرها، يُوصّف المشاكل التي تواجه المزارعين في منطقة بعلبك الهرمل بـ “غياب الاهتمام الرسميّ، فلا أحد يهتمّ بالقطاع الزراعيّ من قبل الدولة، إذ تغيب أيّ مساعدة على صعيد الأسمدة أو الاستدانة أو غيرها”. من المشاكل أيضًا يُشير زعيتر إلى المضاربة غير المشروعة من خلال التهريب من سوريا “ما أن نقوم بزراعات أصناف جديدة، حتّى يأتي منها من سوريا، ممّا يؤدّي إلى تدنّي سعرها، وإذا لم يوضع حدّ للتهريب من سوريّا رح نضلّ ماكلينها”.
ويؤكّد حسن أنّ “توقّف الدول العربيّة عن استيراد المزروعات اللبنانيّة أضرّنا كثيرًا، فعندما نصدّر إلى الخارج يرتفع سعر المزروعات في الداخل ممّا يساهم بزيادة أرباح المزارعين”، موضحًا “كنت أصدّر بطاطا كلّ أربع أو خمس سنوات إلى العراق أو الأردنّ، الأمر الذي يساعدني على زيادة الأرباح”. حسن عاد للعمل مجدّدًا فيقوم بتجهيز الأرض في الوقت الحاليّ تحضيرًا للموسم الصيفيّ.
خسائر غير مُباشرة
لم يقتصر تأثير الحرب على المساحات المزروعة في المناطق المستهدفة فحسب، بل تعدّاها ليشمل مجمل القطاع في تلك المنطقة. يُشير ميشال رحمة، وهو مزراع من بلدة دير الأحمر، لـ “مناطق نت”، إلى “أنّني أزرع نحو 50 دونمًا من التبغ واليانسون والقمح والشعير. تأثّرنا في الحرب كان بشكل غير مباشر، إذ انخفض الطلب ربّما بسبب اختلاف أولويّات المواطنين بعد الحرب، فضلًا عن غياب التصدير، فلديّ ثلاثة أطنان من اليانسون لم أتمكّن من بيعها بعد، إذ إنّ الأسعار مدنّية جدًّا، فقد كلفني الكيلوغرام الواحد نحو أربعة دولارات وأبيعه الآن بين أربعة أو خمسة دولارات”.
ويوضح رحمة أنّ “الأسعار تساوي الكلفة أو أكثر بقليل، وكذلك فإنّنا نعاني في دير الأحمر من انقطاع المياه عندما يحين موعد ريّ المزروعات ممّا يضطرّنا إلى شراء المياه وهذا ما يزيد من الكلفة”.