دعوا الشعب نائما…لكن العنف قادم !!
حسين حمية
منذ يومين عنّون صحافي مخضرم افتتاحيته ب“مرة جديدة..استعدوا للعنف وفوضاه”، هذه النبوءة العنفية، لم يستخلصها من قراءة الكف أو الودع أو خطوط القهوة العالقة على جوانب الفنجان وقعره، إنما من مراقبة عاقلة لما يحدث، فالكل أمام واقع يشكون منه ولم يعد بمقدورهم احتماله، وبالوقت نفسه هم عاجزون عن تعديله “بآليات التغيير الطبيعية”، وعليه، لا بدّ أن يلجأوا كما يقول إلى “ما يوصف اليوم بالأعمال المارقة، أي العنف المتفلت من أي قواعد وأي رقابة وأي محاسبة”.
الأغلب أن صاحب المقالة، يستعجل “أهل الربط والحل” التصرف، فصحيفته محسوبة على جزء فاعل من أهل السلطة، وإذ كان هذا الاستعجال لا يعيبه، باعتبار الكل يريد حلّا، لا يستبعد أن يكون تحذيره، تهويلا على الجزء الضعيف الآخر من السلطة، لتليين شروطه في التسوية، قبل أن يصبح العنف “طريقا إلزاميا للتتغيير”.
إذن، المقالة ليست سوى تنويع على لعبة تراشق المسؤولية عن المأزق الاقتصادي للبلد، والحفاظ على أكبر قدر ممكن من “جبنة التسوية” القادمة لا محالة، فالعنف مضرّ بالشراكة، ويفتح أبواب شرور مغلّقة على الجميع، أضف أن العنف هو قرار خارجي، وما كان يوما في لبنان فعلا سياديا، وإذا حدث، سيكون لدواع لخارجية، وليس لأسباب طبقية أو عدالة اجتماعية.
مع ذلك، تقودنا المقالة، إلى سؤال وجيه، لماذا لم يلجأ المتضررون الفعليون من هذا الواقع إلى العنف؟ فهم ليسوا بحاجة إلى تحقيقات وفضائح لإثبات جرائم الطبقة الحاكمة بحقهم، وهم يدركون أنه لن يكون هناك محاكمات للمرتكبين ولن يزج أحد في السجن ممن استغل دولتهم وسخّرها لمصالحه الشخصية، وليس في الأفق ما يضمن أن حكّامهم في وارد تغيير نهجهم وممارساتهم المشينة حيال حقوقهم ومصالحهم.
الشعب لن يلجأ إلى العنف. فكما راكمت الطبقة الحاكمة ما يكفي من الخبرات لتعطيل التغيير بالآليات الطبيعية والمشروعة، كذلك تمكنت من ترويض الشعب وتدجينه وجعله يتآلف مع سرقاتها وتجاوزاتها وارتكاباتها بحقه، حتى هذه الإضرابات والتظاهرات وقطع الطرقات، ليست تعبيرا عن سخط اجتماعي، بقدر ما هي مصادرة لهذا السخط، واستخدامه في لعبة توازن القوى داخل السلطة.
هذا النوع من السخط هو مخيف، لا بل هو أخطر من السبات العميق لهذا الشعب على كل المظالم الذي تلحق به، وخطورته تأتي من قدرة أحزاب السلطة على قطعه ساعة تشاء عن جذوره الاجتماعية وتحويله إلى سخط مذهبي وطائفي ومناطقي مدمر يضاعف الخراب والمآسي.
بهذه الحالة، كان من الأفضل أن يبقى هذا الشعب نائما، فخروجه إلى الشارع يزيد الأمور سوءا، هو يضيء نارا لغيره نورها، وليس مؤهلا لأن يدير عنفا لمصلحته، اللعبة انتهت لمصلحة أحزاب السلطة منذ زمن بعيد، لكن مع هذا، الأمور ليست مطمئنة، “هناك شيء متعفن في الدانمارك” كما يقول شكسبير.
السخط الاجتماعي ليس بالضررورة كالماء، قد تنجح الهندسات المدنية في بناء سدود والتحكم بتجميعها وجريانها وفقا لجدولة محددة، لكن الهندسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لن يكون لها مثل هذه السدود، ولا تستطيع بناءه بجعل السلطة هي المعارضة والمعارضة هي السلطة، لا تنطلي مثل هذه الحيلة على القهر الاجتماعي الذي لديه طرق التفافية للتعبير عن نفسه، من خارج النقابات والأحزاب والمعارضات وغيرها من عرائس الدمى الممسوكة بخيوط الطائفية والمذهبية بلا ستارة.
ليس عبثا، تزايد الجرائم في لبنان، وظهور عصابات منظمة تدير عملياتها ببراعة يقابله عنف الأجهزة الأمنية، وهذا الكم الهائل من الأخبار الأمنية الذي يشغل مساحات واسعة من الإعلام، ودخول جرائم جديدة لم يعرفها لبنان.
سابقا، قلنا هناك طرق التفافية بدأ البعض يسلكها، محملا بديناميت لا يميز بين السلطة والمجتمع..إنه العنف الذي لا يراه صاحب المقالة.